لن نناقش تاريخها المعروف ، المتفق والمختلف عليه . فالكتب أجدى . لن نناقش اسمها الأنجيلي ولا اسمها الأسلامي فلكل أمة طريقة في لفظ اسمها . لن نناقش من هو الأحق فيها ، فلكل من احبها له حق فيها . لكنها تبقى زهرة المدائن ، بعطرها الذي هو عطر التاريخ الأنساني القديم والحديث منه . بأبوابها الثمانية المشرعة على كل الأتجاهات وانصافها . بأحجارها وقببها الثلاثين ومنائها وابراجها . بحيطانها ودروب آلامها التي تفضي الى سعادة من يزورها . تبقى لغز المدن وسحر القدم .

المصارع ترامب فعل فعلته واعترف بها عاصمة لملة اولا و لدولة ثانيا . حرم العالم كله منها بعد ان كانت لكل العالم . حطم عالمية المدينة بقرار كان لا بد ان يتخذه ، اليوم قبل غد ، لأنه وعد ولأنه غير قادر على فعل شئ آخر يخفف من " عقدة نقصه " كرئيس لدولة الولايات المتحدة الأمريكية . المصارع الأبلق لا يعرف من القدس تاريخها ولا معمارها ولا من بنوها ولا من سكنها في الماضي ولا من يسكنها اليوم ولا سرقداستها . ربما اخبره واحد من مستشاريه انها فتحتفي ظهيرة من حزيران ماض على ايدي موشيه دايان في اليوم الخامس من حرب الأيام الستة ، وكان فتحها عجيبته ، التي سحر بها قومه ، مثلما كانت عصا موسى العجيبة التي سحرت قوم فرعون .

ترامب المصارع هو الآخر عجيبة من عجائب الزمن . بتسريحة شعره وبصوته والقائه ومشيته التكساسية من اواخر القرن التاسع عشر الأمريكي لم يكن واعيا لفعلته شأن كل من له عقدة نقص . نقص ترامب هو نقص الشخص الثاني ، الذي لا ابن والديه البكر ولا واسطة العقد ولا الأخير . الأبن الذي بلا شعاع ولا موهبة ولا درجة توصف بين الأبناء . من سوء حظه ان يأتي بعد رئيس أمريكي سحر العالم وأمريكا بالذات . اسمر وجميل وبهيئة ممثل من هوليود وبصوت مغن من مغني الجاز وراقص ماهر وخطيب يسمع بآذان صاغية، حامل شهادات في العلوم السياسية ، افريقي ، آسيوي ، امريكي ، جمع الخصال كلها له ولم يترك لخلفه شيئا .ترامب المصارع لم يملك شيئا غير سفاسف ثروته وجهل زوجته وغباء ابنته . لم يتمالك نفسه طويلا ، في اقل من عام فضح نفسه كلص ومبتز وعنصري وجاهل في السياسة والكياسة والقانون وسمعة بلاده ومستقبلها الذري . اصبح " وصمة عار " للذين انتخبوه وتندم الكثير منهم على ذلك النهار الأسود الذي ادلوا بأصواتهم له . اول رئيس في تاريخ الرؤساء الأمريكان ، وقبل مرور عام على رئاسته ، تطالب قدوة المجتمع بتنحيته لأنه اصبح " فضيحة بجلاجل " على حد التعبير المصري . كان روزفلت معوقا ، ينتقل على كرسي متحرك وهو يشارك في اهم لقاءات القرن العشرين ، لكن امريكيا واحدا لم يتجاسر ويطالب بتنحيته، فهو الذي جعل النصر لأمريكا وجعل ولاياتها اكبر قوة في العالم في السنة التي تلت وفاته . لكن ترامب الذي له صحة ثور ويتصور العالم حلبة مصارعة حرة فقط ، جعل نصف العالم يطالب بتنحيته ، وها هو ينحدر بأمريكا الى درك اخلاقي اسفل قد يتبعه قدر مادي مماثل ، اذا ظل متماد في تهديده للعالم ومعه البشرية .

المصارع الأبلق تجاوز القانون الدولي ، لأنه لا يفهمه . لا يفهم ان القدس مازالت ارضا محتلة حسب القانون الدولي وحسب شريعة الأمم المتحدة وليس من حقه التصرف ببلاد محتلة ليست جزءا من أمريكا . لا يفهم ان مشكلة القدس اكبر من ثقافته البسيطة في المال والمصارعة و رواية النكات التي لا تضحك احدا .لا يفهم ان الشرق الأوسط يغلي و توشك النيران الخفية تحته ان تجعل الطنجرة تفيض بما فيها من زيت لتشعل نارا اكبر من قدرة مطافئ امريكا كلها واوربا على اطفائها . لا يفهم انه سيسد كل الطرق القليلة الباقية للسلام في الشرق .

رئيس لا يفهم في شئ ولن يسد رمق عقله شئ سوى ان يفك عقدته كرئيس امريكي خلفا لأوباما الذي سحر العالم وامريكا . لن تفلح خطوته في الأعتراف بالقدس كعاصمة لأسرائيل 

في ان تعطي له صفة ابن امريكا بين الرؤساء الأمريكان، من جورج واشنطن حتى باراك اوباما . كل ما سيحصل عليه هو لقب رئيس من غبار وبعض النكات التي ستروي سيرته .ورغم الأحتلالات منذ ان بنى اليبوسيون المدينة في التاريخ العريق ، البعيد لأرض فلسطين ، مرورا بداود والرومان والعرب والصليبين والأتراك والأنجليز والأسرائليون تبقى القدس زهرة المدائن ابدا .