يخطئ من يظن أن استخدام نيكي هايلي المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة حق النقض "فيتو" ضد مشروع القرار الذي تقدمت به مصر في مجلس الأمن الدولي بشأن القدس، يمثل خسارة فلسطينية عربية إسلامية.

الفيتو الأمريكي كان متوقعاً بنسبة تفوق التسعين بالمائة سباب واعتبارات واضحة أولها أن من الصعب الموافقة أن الامتناع عن التصويت على قرار ينسف، بل يدين، قرار الرئيس ترامب بشأن الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل، وثانيها أن نيكي هايلي ذاتها قد وعدت بشكل قاطع خلال شهر ديسمبر الماضي بأن عهد صدور قرارات ضد مصلحة إسرائيل في مجلس الأمن الدولي "قد ولى وانتهى"! بل عن هايلي تتخذ موقفاً متشدداً حيال الأمم المتحدة وتصفها بالعداء لإسرائيل، لذا كان بديهياً أن تلجأ المندوبة الأمريكية لاستخدام الفيتو رقم "43" تحقيقاً لمصلحة إسرائيل، التي بادرت بشكر هايلي بالاسم على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

"رب ضارة نافعة" بالفعل فالفيتو الأمريكي ربما يعني ضياع الأثر القانوني لمشروع القرار، ولكن الأثر السياسي اكتسب قوة مضاعفة، لأنه أوضح للعالم أجمع حجم الاصطفاف الدولي الداعم للوضعية السياسية والقانونية والتاريخية لمدينة القدس، كما مهد فعلياً لنقل مشروع القرار مباشرة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل تمريره تحت بند "الاتحاد من أجل السلام" ليصبح قراراً بأثر قانوني ذات فاعلية لا تقل عن قرارات مجلس الأمن الدولي.

اللافت أن هايلي اعتبرت أن تصويت مجلس الأمن الدولي بالإجماع، عدا صوت الولايات المتحدة، يعتبر "إهانة لن ننساها أبداً" بحسب ما قالت، مبررة ذلك بان القرار يضر بعملية السلام!! وكأن عملية السلام كانت تمضي بخير حتى جاء مشروع القرار وعرقلها!!

تذكرت هايلي جيداً مصلحة إسرائيل وتناست إرادة أربعة عشر دولة هم أعضاء مجلس الأمن بما فيهم الدول الأربعة دائمة العضوية، رغم ان موقف الولايات المتحدة يزعزع ثقة العالم اجمع في الشرعية الدولية ويفاقم أزمة الثقة القائمة في فاعلية منظومة الأمن الجماعي الدولي ممثلة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

قدمت الولايات المتحدة للإرهاب والإرهابيين بمواقفها المتواصلة ضد الحق العربي والفلسطيني مسوغات لتنظيمات الإرهاب كي تواصل جرائمها بزعم الدفاع عن هذا الحق، 

قالت هايلي أيضاً قبل جلسة التصويت أن للولايات المتحدة «الحق الكامل كدولة سيدة أن تقرر نقل سفارتها» إلى القدس، ولكنها تناست ايضاً التزامات القوى الأكبر في النظام الدولي بالالتزام بالشرعية والقانون والقرارات الدولية ذات الصلة بوضعية القدس في إطار عملية السلام.

اعتبرت هايلي أن القرار ٢٣٣٤ الصادر عن مجلس الأمن في ديسمبر الماضي، ويدين الاستيطان ومررته إدارة باراك أوباما في مجلس الأمن من خلال امتناعها عن التصويت العام الماضي، "يشكل لطخة" في سجل الولايات المتحدة، و "لو طُرح على التصويت اليوم فسأصوت ضده بكل تأكيد"!

تحد غريب ومستفز للإرادة الدولية ومنحاز لمصلحة إسرائيل حتى لو تضررت مصلحة الولايات المتحدة نفسها!! 

لذا فإن الذهاب للجمعية العامة للأمم المتحدة سيكون له الأثر الأكبر لأن صدور قرار بإجماع أكثر من 150 دولة من أعضاء الأمم المتحدة سيرتب شرعية دولية أكثر من أي شيء آخر، لاسيما أن الجمعية العامة هي الشرعية الدولية الحقيقية بحكم ميثاق الأمم المتحدة.

قد يعتقد البعض انها خطوة رمزية، او أنه سيضاف لقرارات سابقة في الموضوع ذاته، وهذا الأمر قد يكون صحيحاً ظاهرياً، ولكن القرار الأممي المحتمل سيمثل رسالة عالمية قوية في توقيت مماثل للقرار الأمريكي، حيث يتأكد للجميع عزلة موقف واشنطن، وسعيها لفرض إرادتها على المجتمع الدولي، ناهيك عن وقف أي مد محتمل لاستنساخ الموقف الأمريكي من قبل دول أخرى في العالم، والتصدي لمحاولات إسرائيل الرامية للضغط على دول العالم للمضي وراء الموقف الأمريكي في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

باختصار، الفيتو الأمريكي مكسب حيوي للدبلوماسية المصرية والعربية وإحراج تاريخي بالغ للولايات المتحدة، ويجب المضي في هذا الاتجاه من العمل السياسي والدبلوماسي في محاصرة تبعات قرار إدارة ترامب بشأن القدس.