هنالك شبه كبير بين إستفناء البرزاني وإستقالة الحريري، بل إنهما على الأرجح من إعداد مطبخ سياسي واحد هو الذي وضع مكوناتهما الأساسية لهدف واحد، وهو رمي حجر لتحريك المياه السياسية الراكدة في كل من العراق ولبنان. فإستفتاء البرزاني كان يفترض أن ينبه المجتمع الدولي لمشكلة العراق مع أتباع إيران من الأحزاب الإسلامية والمليشيات الحشدوية، ويمهد لتدخله وإشراكه بحلها. وهو ما فعـلته إستقالة الحريري حينما نبّهت المجتمع الدولي لمشكلة لبنان مع أتباع إيران متمثلين بمليشيا حزب الله وحلفائها، ومهّدت لتدخله وإشراكه بحلها. وربما كان البرزاني سيعود عن إستفتاءه أو يجمد نتائجه بعد إجراءه في الوقت المناسب، كما عاد الحريري عن إستقالته في الوقت المناسب.

لكن رمية البرزاني لحجَر الإستفتاء فشلت وطبخته إحترقت، فيما إستوت طبخة الحريري وأصابت رميته لحجر الإستقالة. لأن أبو مسرور إندفع وراح زايد، في حين أبو حسام عرف حدوده جيداً وعلم أين يتوقف وترك طبخته تتخدّر على نار هادئة! ولأن الأولى لم تترك كي تنضج كما الثانية. كون العراقيين في حالة هستيريا مستمرة تجعلهم دائماً مندفعين بأفعالهم ومتطرفين بردود أفعالهم، لذا من كانوا يؤيدون البرزاني سرعان ما إنقلبوا عليه، أما من كانوا يعارضونه فقد دحرجتهم إيران عليه لأن العراقيين تعودوا أن يكونوا عربة تُدفَع وتندَفِع بسهولة لصالح الغير عرفت إيران كيف تستغلهم لتسقيطه سياسياً وإفشال ما كان يخطط له هو وحلفاءه من الدول العربية بالضد من مخططاتها ومخططات أتباعها بالعراق والمنطقة، في حين أن اللبنانيين هادئين وعقلاء وأكثر واقعية من العراقيين، لذا فهموا حركة الحريري ومغزاها ولم تنطلي عليهم مؤامرات إيران وكلاواتها، ولا شعارات حزب الله وبهلوانياته، ووجدناهم في النهاية قد دعموا الحريري وساندوه الى آخر المشوار.

لذا يتوهم البعض بأن البرزاني قد فشل في إصابة هدفه الذي يظنون بأنه الإستفتاء، لكن الحقيقة هي أنه لم يصبه لأنه لم يسعى لإصابته من الأساس، لعلمه بصعوبة الوصول اليه، فالإستفتاء كان هدفاً كردياً جانبياً سعى لتحقيقة لمجرد تسجيل موقف، أما الهدف الأساسي فكان عراقياً يتمثل بمحاولة أخيرة لإصلاح مجمل العملية السياسية بالعراق، لكن الزخم الشعبي جعله يندفع بطريقة وسرعة إستخدامه لآليات رمي الحجر، فذهب برميته بعيداً الى المناطق المتنازع عليها وخصوصاً كركوك، وأعطى بذلك مبرراً لمن يتربصون به، ولمن كان ينوي أن يحرك مياههم الراكدة فرصة لقلب الطاولة عليه بدلاً من العكس. وغاب عنه في غمرة إندفاعه هذا أنه لا يحتاج لضم هذه المناطق ورسم حدودها بالدم، كما صرح في إحدى المرات، بعد موقفه الإنساني مع أهالي الغربية التي تضم أغلب هذه المناطق، وبعد ما رأوه من عمران وأمان وإستقرار في المناطق التي يحكمها بعد نزوحهم اليها، بالتالي كانوا هم من سيأتون اليه ليطلبوا منه، في يوم كنت أراه قريباً، أن يشكلوا معه إتحداداً فدرالياً مرسوماً بالتفاهم والتوافق والقناعة وليس بالدم.

عموماً لا زال بوسع البرزاني، لو تحرك بهدوء وبعد نظر وبالبراغماتية والخبرة السياسية العائلية التي يفترض أنه يتمتع بها، أن يناور، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أو ربما لقلب الطاولة على أحزاب إيران، وهو أن يسعى مثلاً لتشكيل تحالف سياسي عابر للطوائف والقوميات مع علاوي والصدر والقوى السنية المعتدلة، وأن يرشح نيجرفان أو برهم رئيساً للوزراء. وإلا فإن إقليم كردستان والعراق وكل المنطقة ماضون الى مستقبل مظلم مجهول ترسمه لهم إيران وأذرعها الأخطبوطية بالمنطقة، والتي باتت تمتد من اليمن مروراً بالخليج والعراق وسوريا وصولاً الى لبنان.

 

مصطفى القرة داغي

[email protected]