لايزال شبح جمهورية مهاباد يطارد طهران : 

إن الإطاحة بصدام حسين وحزبه الفاشي على يد القوات الأمريكية وقوات التحالف عام 2003 , شكّلت فرصة تاريخية للجارة السيئة ( إيران ) لتوسيع نفوذها في المنطقة ، وتحويل العراق الى حديقة ( سياسية واقتصادية )خلفية لها . 

فمنذ عام 2003 عززت إيران نفوذها في العراق واستطاعت بفترة قياسية ان تسيطر على العراق بشكل شبه كامل , بعد ان دعمت مجموعة من الأحزاب والحركات العراقية (العربية والكوردية )المختلفة لتوسيع خياراتها وضمان تقدم مصالحها وتنفيذ اجندتها الهادفة لزعزعة أمن العراق واستقراره , ومن بين تلك الاحزاب والجماعات الموالية لها والتي شجعتها على المشاركة في الحياة السياسية : فيلق بدر, بقيادة هادي العامري أحد أقرب حلفاء طهران في العراق , و المجلس الأعلى الإسلامي في العراق ,والذي انبثق عام 1982 في طهران عام 1982 , و حزب الدعوة الإسلامية, الذي تأسس في أواخر الخمسينات، و تمتع بدعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ تاسيسه لحد اليوم , والتيار الصدري الذي ظهر كقوة رئيسية على الساحة العراقية منذ عام 2003 , اضافة الى احتكار طهران مع الجارة الشمالية ( تركيا )السيئة جدا ما يناهز 90 في المئة من اسواق الكوردستانية , وتستحوذ طهران وحدها على أكثر من 30% منها ، وحسب الملحق التجاري الإيراني في العراق و تقارير المنتدى الاقتصادي في إقليم كوردستان تؤكد أن حجم التبادل التجاري العراقي- الإيراني يبلغ 13 مليار دولار سنويا , وأن صادرات إيران للعراق تضاعفت 17 مرة خلال العقد الأخير.

إن غرق اسواق الإقليم بالمنتجات الغذائية والسلع الاستهلاكية الاجنبية وتحديدا السلع ( الإيرانية التركية والصينية ) الحق الضرر بالقطاعات الزراعية والصناعية الحفيفية في الإقليم وخاصة بعد فشل السياسات الاقتصادية التي اتبعتها حكومة الإقليم المتعاقبة خلال الأعوام العشرين الماضية والتي أدت الى تحويل المجتمع الكوردستاني إلى مجتمع (مستهلكٍ كسول ومستورد ) حتى للحاجات الاستهلاكية اليومية في مجال الانتاج الزراعي والثروة الحيوانية , كما ادت هذه السياسة الفاشلة والخطيرة إلى ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الافقار والتهميش الاجتماعي , وارتفاع معدلات التضخم بسبب ارتفاع الأسعار مع استمرار انكماش الانتاج , والى اضمحلال تدريجي للطاقات الانتاجية المحلية , لاسيما في قطاعي الزراعة والصناعة , امام غزو السلع المستوردة , واصبح إقليم كوردستان تابعا ذليلا للدول الإقليمة .

إضيف لما ذكر اعلاه , ان اندلاع القتال الداخلي المدمر بين ( الاخوة الاعداء ) ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني ) في اوائل ايار 1994 جاء بالضد مما تتطلبه حماية كوردستان وتطويرها واستقلالها الذاتي من جميع النواحي ( السياسي , الاقتصادي , الثقافي واجتماعي ) , وبدلا من الركون الى الجهود السلمية لحل الخلافات الداخلية بين ( الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني ) , جرت وللاسف الاستعانة بالقوى الاقليمية وشبكاتها التخريبية التي لم يرق لها نجاح وتقدم التجربة الكوردستانية وسعت لافشالها بمحتلف السبل , وشهد صيف عام 1996 مزيدا من التدهور , تمثل في جانب منه في السماح (للقوات الإيرانية )بالتغلغل عميقا داخل اراضي الإقليم لضرب مواقع الحزب الديمقراطي الكوردستاني الايراني والاحزاب المعارضة الاخرى , ومع بدء الاقتتال من جديد بين ( الاتحاد والديمقراطي ) استعان الحزب الاتحاد الوطني في اب 1996بالدعم العسكري الايراني , واستدعى ( الديمقراطي الكوردستاني ) قوات النظام العراقي لاجتياح اربيل في 31 اب 1966 , وهكذا دخل او بالاحرى ادخلوا الإقليم وشعبه في نفق التبعية المظلمة ولم يستطيع ان يخرج منه حتى هذه اللحظة .

 

إيران استخدامت ورقة المياه لمنع إجراء الإستفتاء الذي هدد مصالح إيران : تواصل ايران سياستها التعسفية في مجال المياة اسوة بتركيا ورفض الاعتراف بالرافدين ( دجلة والفرات ) باعتبارهما نهرين دوليين , وما يترتب على ذالك من حقوق تاريخية للعراق وسوريا في مياههما , بل ويسلبون هذه الحقوق عن طريق بناء السدود وحجب مايستحقه البلدان ( العراق وسوريا ) من المياه . فعلى سبيل المثال بعد انتهاء إيران من بناء سد (كلوسة)(1 ) على نهر الزاب الصغير قرب مدينة( سردشت ) ، قطعت ايران مياه النهر بالكامل عن إقليم كوردستان . 

لقد استخدمت إيران قطع مياة نهر الزاب الاسفل كورقة ضغط على الإقليم لمنع الإستفتاء , حيث تزامن توقيت قطع مياه النهر عن كوردستان مع استعدادات الإقليم لإجراء الإستفتاء على استقلال كوردستان،وعليه اغلقت السلطات الايرانية مجرى المياه الواصلة الى( قلعة دزة )من منطقة( سردشت) ما جعل الاف المواطنين في (قلعة دزة ورانية ) والمناطق الاخرى بدون مياه ,كما تضررعلى اثرهذا الاجراء التعسفي اكثر من( 284) منطقة وقرية زراعية في الإقليم ، إذ يعتمد( 90 ألف ) مواطن في ( قلعة دزه) التابع لمحافظة السليمانية وقسم من سكان المحافظة على هذا النهر للشرب ، إضافة إلى بعض المناطق الأخرى في كركوك وأطرافها ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية الممتدة من (قلعة دزة إلى جنوب كركوك) , مما ينذربحدوث كوارث بيئية وصحية كبيرة . اضافة الى ذالك قطعت ايران مياه النهر( الوند ) الذي ينبع من الأراضي الإيرانية، ويدخل العراق جنوب شرق مدينة خانقين.

أن الجميع يعلم تمام العلم , ان طهران تمسك بالكثير من خيوط المشهد السياسي في العراق وخاصة بعد سقوط الصنم ،وتعمل على توجيهها بما يحقق مصالحها، فموقف ايران ,ظل محكوما بمصالحها ومطامعها التوسعية وعدائها للحقوق القومية للشعب الكوردي داخل وخارج حدودها , وقد اتخذت من نشاط (الاحزاب الكوردية المعارضة)(1) ضغطا كبيرا على القوى السياسية العراقية الموالية لايران والتي تخضع لها وعلى الكتل السياسية في مجلس النواب العراقي لإستصدار قرار برلماني يلزم حكومة إقليم كوردستان باخراج الاحزاب الكوردية المعارضة لايران من الاراضي العراقية , كما اتخذت ايران من نشاط تلك الاحزاب وتواجدها في إقليم كوردستان ذريعة مفضوحة لاجتياح الحدود العراقية وقصفها باستمرار المناطق المتاخمة لحدودها، بغية استهداف مقرات الأحزاب الكوردية الإيرانية .

وعلى الرغم من ان اغلب المعارك و الاشتباكات بين قوات البيشمركة التابعة للاحزاب الكوردية الإيرانية والحرس الثوري الإيراني تقع في مناطق شرق كوردستان ( داخل مدن ومناطق إيرانية لمواجهة السلطة العسكرية التي شكلتها ايران في تلك المناطق ) إلا أن إيران لن تكف عن تهديداتها المستمرة والمستفزة ضد اقليم كوردستان وطالبتباستمرار من حكومة الإقليم الالتزام بتعهداتها وبذل جهودها لوقف نشاطات الاحزاب الكوردية الايرانية المعارضة . 

بقي أن نقول , ان الرفض الإيراني لإستفتاء إنفصال كوردستان العراق ليس حبا في وحدة العراق وسلامة أراضيه,وانما خوفا من اثارة الأكراد في الداخل الإيراني وزعزعة استقرارها الداخلي وما يترتب عليه من مطالبة اكراد ايران بشيء مماثل , فهي تعمل جاهدا وفقاً للمعايير الإسلامية وبما يخدم مصالحها العليا ,كما تعمل من أجل حماية مصالحها القومية وصيانة الثورة الإسلامية ووحدة اراضيها وسيادتها الوطنية , وعليه عارضت طهران وبشدة إستفتاء الإنفصال عن العراق وساهمت في المؤامرة الاقليمية والدولية من اجل احباط واضمحلال وتلاشي الحلم الكوردي , بالضبط كما تلاشي(حلم جمهورية مهاباد) تحت بند الصفقات الاقليمية و الدوليةبعد عشرة أشهر من تأسيسها.

*( اتطرق باختصار في الجزء القادم ,إلى دور ايران في نكسة 16 اكتوبر وخوفها من تكرار تجربة جمهورية مهاباد عام 1946) .

يتبع 

 ————

 

*بدأت إيران منذعام 1950 ببناء عدة سدود , وحسب وزارة الطاقة التي تنفذ عمليات بناء السدود ان عدد السدود في إيران وصل إلى حوالي 550 سداً بمختلف الارتفاعات والطاقات والانجازات والتقنيات منها خاص بالزراعة ومنها حصر المياه للاستفادة منها وأكثر السدود المشيدة هي لانتاج طاقة الكهرباء . 

1 ـ من اهم الاحزاب المعارضة الكوردية لنظام ولاية الفقيه والتي لها اجنحة مسلحة وبيشمركة مدربة : (الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني (حدكا) بشقيه وعصبة كادحي كوردستان (كومه له) وحزب كردستان (باك ) و وحزب الحرية الكوردساني الايراني بزعامة علي قاضي محمد نجل الشهيد قاضي محمد (رئيس جمهورية كوردستان (جمهورية مهاباد) , و وحزب كومنست الايراني بزعامة ابراهيم زادة ،ومنظمة النضال الكوردستاني في إيران بزعامة بابا شيخ حسيني. ، وحزب الحياة الحرة الكوردستاني (بزاك ـ (PJAK ) وهي امتداد لحزب العمال الكوردستاني في ايران ـ شرق كوردستان, وتكافح من أجل الحكم الذاتي, وتتوزع مقرات هذه الاحزاب في مدن (السليمانية وكوبيسنجق واربيل وسوران) , فيما توجد مخيمات كبيرة للاجئين الاكراد الفارين من ايران في اطراف مدينة السليمانية. وبحسب المصادر المحلية الموثوقة ان اكثر من 300 من عناصر الاحزاب الكردية الايرانية المعارضة قد تم اغتيالهم من قبل المخابرات الإيرانية خلال العقدين الماضيين كان ابرزهم ( سعيد يزدان بنا) مؤسس حزب الحرية الكوردستاني الذي تم اغتياله عام 1991 بعد مضي أربعة أشهر على تأسيس الحزب وهو شقيق القائد العام للجناح العسكري ونائب رئيس حزب الحرية الكوردي الإيراني المعارض (حسين يزدان بنا ) والذي نجى باعجوبة من محاولة اغتيال فاشلة، قتل خلالها ثلاثة من أفراد حمايته، إثر تعرضه لهجوم من قبل شخص مندس بين مقاتلي الحزب تابع للمخابرات الإيرانية في جبهات القتال ضد تنظيم داعش غرب كركوك عام 2015 .