على الرَّغْم من إن هناك جدل بين (القوى السياسية العراقية المتورطة بالفساد ) بشأن الموقف من موعد إجراء الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات المزمع إجراؤهما معا في 12 أيار 2018 القادم ، حيث تصر حكومة المحاصة المقيتة وقوى وأحزاب شيعية على إجرائها في موعدها، بينما تسعى قوى سنية إلى تأجيلها لمدة عام أو نصف عام، بسبب عدم حسم موضوع عودة النازحين إلى مناطقهم وانتشارهم في معسكرات النازحين بعدد من المحافظات , وعلى الرغم من الجدل المستمر حول هذا الموضوع الشائك , رسمت الأيام القليلة الماضية خارطة التحالفات للكتل السياسية العراقية التي ستخوض الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات المزمع إجراؤهما معا في 12 أيار 2018 القادم ,و كانت أهم ملامحها هو (الانقسام والتناحروالتفتت والتصارع على المصالح الحزبية والشخصية المحدودة ) المعتادة بين القوى السياسية المتصارعة والمبنية اساسا على المحاصصة الطائفية والمناطقيه والمذهبيه , حيث أعلن حزب الدعوة انسحابه من خوض الانتخابات لصالح قائمتين إحداها لرئيس الوزراء (حيدر العبادي)، والأخرى لنائب رئيس الجمهورية ( نوري المالكي) , كما انضم الحزب الشيوعي العراقي بعد انسحابه المفاجئ من تحالف (القوى المدنية الديمقراطية )المعروف اختصارا باسم( تُقدم ) , وانضمامه الى تحالف(السائرون نحو الاصلاح) الذي يدعمه رجل الدين الشيعي وزعيم التيار الصدري ( مقتدى الصدر ,وريث خط أبيه محمد صادق الصدر وخط عمه محمد باقر الصدر اللذين استشهدا في عهد النظام العراقي السابق ) , وكشف (حزب الاستقامة الوطني)(1 )، التابع للتيار الصدري عن تفاصيل تحالفه الانتخابي مع الشيوعي العراقي والذي أطلق عليه اسم (السائرون نحو الاصلاح) , واكد سكرتير الحزب الشيوعي ( رائد فهمي) أن تحالف حزبه مع تيار( الإستقامة )المدعوم من التيار الصدري ، يأتي لكونه يضم كفاءات وشخصيات علمية وتكنوقراط، فضلاً عن وجود (مشتركات عديدة وتطابق في الرؤى بين الطرفين ) ..!

وقال( فهمي) في حديث صحفي، إن ( هنالك مشتركات كبيرة بين الحزب الشيوعي مع التيار الصدري على طوال العاميين الماضيين، لاسيما المشاركة في التظاهرات المطالبة بالإصلاح) ، لافتاً إلى وجود ( تطابق بالرؤيا ومشتركات عديدة مع التيار المذكور ) , وتساءل( فهمي) : ( ما الغرابة في التحالف مع التيار الصدري فيما اذا كانوا يرفعون نفس الشعارات التي نؤمن بها؟ ) ، مؤكداً أن ( هذا لا يعني أن الشيوعيين قد تخلوا عن هويتهم الشيوعية أو هم تخلوا عن هويتهم الدينية ) ,وأوضح، أن ( الطرفين اتفقا على عدة توجهات، وهنالك التزامات من الطرفين عليها وإن طرأ عليها أي تغيير من أحد الطرفين فسيحل هذا التحالف) ، مبيناً أن ( التحالف تم على أساس المشتركات وليس زواج كاثوليكي، ولكن هنالك حرص على أن يستمر التحالف) .

ان التصريحات سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي اثارت جدلاً واسعًا على الإنترنت وفي الأوساط السياسية والصحافية العراقية ، وهو الجدل الذي جدد الكثير من التساؤلات( القديمة ـ الجديدة ) حول تحالف شيخ الاحزاب العراقية (الحزب الشيوعي العراقي ) الذي يحمل أفكار ورؤى سياسية وأيدلوجية واهداف واضحة , مع تيار (الاستقامة الوطني ) الذي انبثق على أسس تقليدية جامدة لا تؤمن أصلا بمبدأ الديمقراطي كمنهج أو مفهوم او ممارسة.

ويسأل المواطن العراقي, إلى اين يتجه الحزب الشيوعي العراقي ,الذي يناضل منذ تاسيسه في 1934 الى اليوم من أجل العدالة الاجتماعية و فصل الدين عن الدولة و المساواة التامة وبدون قيد أو شرط بين (المرأة والرجل) في جميع الأمور , الى اين يتجه الشيوعي العراق بعد ان تحالف مع السيد الصدر الذي يؤمن بتعدد الزوجات ويقول نصا : ان تعدّد الزوجات مقيد ومشروط بالعدل والمساواة، هذا من جهة. ومن جهة ثانية فان عدم تجويز تعدد الزوجات أو عدم سنه سوف ينتج سفاحاً في أكثر المجتمعات، فان الرجل إذا استطاع الزواج ثانيا فهذا يمنعه من خيانة زوجته كما يعبرون، كما في المجتمعات الغربية التي يلجأ فيها الرجل إلى السفاح والزنا لعدم استطاعته الزواج ثانيا! وفي كل ذلك فهو يجعل شريكة حياته بمنأى عن فكره وحبه وإخلاصه، وإلا لما فكر في أن يلجأ إلى المحرمات بعيد عن حليلته ).

ما هي المشتركات الكبيرة بين الحزب الشيوعي والتيار الصدري الذي يؤمن بإن الإسلام هو دينٌ ودولة ومنهَجُ حياةٍ متكامِل، وهو الصالح لكل زمانٍ ومكان ... , وان العلمانية نظام وضعي يقومُ على أساس من الإلحاد يُناقض الإسلام في جملته وتفصيله، وتلتقي مع (الصهيونيّة العالمية والدعَواتِ الإباحية والهدامة)، لهذا فهِي مذهبٌ إلحادي يأباهُ اللهُ ورَسولُه والمؤمنون ....

ما هو القاسم المشترك بين الحزب الشيوعي والتيار الصدري الذي يؤمن ويقول : أن مبادئ الشيوعية مبادئ كفرية انهارت في معاقلها بعد قرابة السبعين عاماً من قيام الحكم الشيوعي ، ولا يجوز لأحد اعتقادها ولا الإيمان بها ولا الانضمام لأصحابها المؤمنين بها وليس بمقدورها أن تواجه مشاكل ومتطلبات العصر ، فاقتنع الجميع بأنها نظرية فاسدة يستحيل تطبيقها ، حيث تحمل في ذاتها بذور فنائها ؟ 

ماهي المشتركات بين المادية الديالكتيكية والدين الاسلامي و الجذور الفكرية والعقائدية للصدر ؟ ماهي المشتركات بين الشيوعي العراقي والاحزاب التي ( ترفع زورا وبهتانا شعار العدل والمساواة وتوزيع الثروات توزيع عادل على أبناء المجتمع ,وفي نفس الوقت متورطة بالفساد وتعاني من الخلافات والانشقاقات والصراعات الداخلية بسبب ممارستها التعسفية لمفهوم الديمقراطية الحقيقية داخل الحزب من خلال سيطرة ( الزعيم الاوحد وترسيخ قداسة الطوطم الديني المتذبذب) على هرم قيادة الحزب وهو ما يجعل هذه الأحزاب تكهل وتتعكز على رموزها التي تبقى مقدسة حتى بعد موتها ؟

اعتقد جازما بان انسحاب الحزب الشيوعي من قائمة ( السائرون نحو الاصلاح ) في هذا الوقت العصيب وبهدف تلافي أو تصحيح أداء وسياسات النخبة الحاكمة الفاشلة والفاسدة في العراق التي تزداد غنى عند كل انتخابات، ويزداد العراقي المغلوب على امره فقرا ، هذا إن حالفه الحظ وبقي على قيد الحياة ولم تحصده مفخخة هناك وهناك , من جهة , وضرورة تشكيل تحالف معارض من القوى الديمقراطية والشخصيات الوطنية واليسارية (تلك القوى التي لم تتورط بالفساد والمحاصصة ,ضرورة ملحة ومحاولة لوضع حد لاكثرمن عقد ونيف من الظلم والفساد والانتهاكات المريعة لحقوق الإنسان والمحاصصة التي دمرت العراق. 

ان انسحاب الشيوعي العراقي من تحالفه الجديد سيفتح افاق جديدة للعمل من اجل ايجاد بدائل فعلية لمشاكل العراق الحقيقية والمستعصية للخروج من هذا النفق المظلم ويعطي امل لبناء الوحدة الوطنية على اسس متينة وصحيحة بعيدة عن الطائفية والمصالح الحزبية الضيقة وعقلية المؤامرات والغاء الاخرسياسيأ , وسوف يكون حافزا لايصال صوت الحزب الشيوعي العراقي المخنوق داخل ( السائرون نحو الاصلاح او اي تحالف اخر ) الى الشارع العراقي بشكل يليق بمكانته الرفيعة وبتضحياته الكبيرة والعظيمة في سبيل الوطن والشعب والحرية والعدالة الاجتماعية . 

الانسحاب من تحالف ( السائرون ) يدفع الحزب الشيوعي العراقي قدما في مواجهة المهمات والواجبات الانية التي تنهض اليوم وبشكل كبير وملح امامه وامام كل المخلصين من ابناء الشعب العراقي والقوى التقدمية والديمقراطية . اضافة الى عدم وجود اي قاسم مشترك بين الاستقامة الوطني والحزب الشيوعي العراقي الذي يناضل منذ عقود طويلة من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية وإقرار الحريات الفردية في الفكر والعمل والمعتقد والسياسة تماما عكس التيارات الاسلامية .. 

لقد دفع الشيوعي العراقي ثمن تحالفه الانتخابية وغير الانتخابية غاليا , ولا يحق له أن يدفعه مرة اخرى ويرتبط بتحالف جديد يضر ولاينفع ,كما حصل في تحالفه السابق مع القائمة العراقية و التي كانت تتخبط وتعلن قرارات ارتجالية وغير مسؤولة لم تخدم مصالح الوطن والشعب وتناقضت جملة وتفصيلا مع سياسية الحزب الشيوعي العراقي )(2 )

ان تصريح سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي والذي قال : ( إن هنالك مشتركات كبيرة بين الحزب الشيوعي مع التيار الصدري على طوال العاميين الماضيين، لاسيما المشاركة في التظاهرات المطالبة بالإصلاح ) , ان هذا التصريح لايبرراطلاقا تحالف الشيوعي العراقي مع الاحزاب والتيارات الدينية المقربة من الجارة السيئة إيران وموالية لها ) , والتي بنيت على أسس تقليدية جامدة لا تؤمن أصلا بمبدأ الديمقراطي كمنهج أو مفهوم او ممارسة والتي تعمل جاهدا من اجل إعادة الوجوه القديمة الفاسدة بأقنعة جديدة وبشعارات رنانة وعودات وأحلام وردية منها (سائرون نحو الإصلاح بإذن الله ), اضافة الى ان (الحراك الجماهيري والتظاهرات المطالبة بالإصلاح والاحتجاجات الجماهيرية )هي اصلا ضد الاحزاب والتيارات الاسلامية المتسلطة التي تحكم العراق بقبضة من حديد منذ سقوط الصنم لحد الان واثبتت فشلها في قيادة البلد.

 اخيرا : ان الكل يعلم تمام العلم , ان ما يمز الحزب الشيوعي العراقي عن الاخرين ان رؤيته للدولة المدنية الديمقراطية مقرونة بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات, بالضبط عكس رؤية ونهج حليفه الجديد , وعليه من الضروري ان يعيد الشيوعي العراقي حساباته السياسية والتحالفية بدقة كي لا يعيد أخطائه السابقة ,التي كلفته دما ًغاليا ً, منذ الستينات القرن المنصرم وحتى الان . 

والسؤال الذي يُطرح هنا هو: اذا كانت المشتركات بين الحزب الشيوعي العراقي و التيار الصدري هي محاربة الفساد و المشاركة في التظاهرات المطالبة بالإصلاح كما صرح سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي, فالمالكي والعبادي واياد علاوي وعمار الحكيم والجبوري والنجيفي والجعفري والمطلك و(المطلوب للقضاء العراقي خميس الخنجر) وحتى (تنظيم حزب البعث المحظور ) والنتظيمات والأحزاب والشخصيات الفاسدة الاخرى التي كانت وجودها وعملها ومشاركتها في الحكم كارثيا على الوطن والشعب , تؤكد هذه الاحزاب والشخصيات المتورطة في الفساد و في نهب ثروات الشعب ايضا على مواصلة الحراك الشعبي والحرب على الفساد دون تراخ و دون استثناء , وهناك نموج آخر لـ( طوطم معمم), حرم الرياضة وخاصة كرة القدم باعتبارها (مخطط اسرائيلي و مضيعة للوقت وتلهي عن ذكر الله) , فجأة بدل (الطوطم )وجهة نظره 180 درجة ويقول : ( أنا مع الدولة المدنية و المجتمع المدني الديمقراطي المتحضروحقوق المرأة وحريتها و إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع ) ,

السؤال هو : هل نصدق ذلك . وهل نصدّق الفاسد في معاركه ضد الفساد ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ انبثق حزب الاستقلال الوطني برئاسة الدكتور حسن العاكَولي في 30 ـ 12 ـ 2017 بعد أن منحته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إجازة التأسيس المرقمة 170 .ومن الجدير بالذكر, ان انبثاق الحزب المذكور جاء بطلب من (مقتدى الصدر) . 

2 ـ رابط حديث السيد حميد مجيد موسى السكرتير الأسبق للحزب الشيوعي العراقي، حول تحالف حزبه مع القائمة العراقية قبل انسحابه من القائمة المذكورة : http://newsabah.com/newspaper/35902