عندما ترى عقيدة تسود, أو مذهب ينتشر, أو دين يأسر قلوب أتباعه, فثق تماماً أن هذا الدين بُني على قاعدة الحب, وما أروع ذلك الدين الذي بُني على قاعدة الحب! يُنتج لنا نفوس مطمئنة ومستقرة تنعم بالسكينة في ذاتها وتضفيها على من حولها, وما أبشعه من دينٍ ذلك الذي بُني على قاعدة الكراهية, يحوِّل الإنسان الرحيم إلى شيطان رجيم!

لا يوجد قوة تعيد الحياة للقلب، وتنير الظلام، وتبدِّد الأحزان، وتقلب الجحيم إلى نعيم, والشقاء إلى راحة, سوى قوة الحب. بالحب يصبح للحياة معنى، بل لكل لحظة معنى وقيمة! بالحب نجد اللذة والسعادة في أبسط الأمور والأشياء، بالحب نلاحظ ونرى ما لم نلاحظه ونراه من قبل.
أعظم المشاعر وأسماها هو الحب, منبع الكلمات الراقية والأفعال النبيلة هو الحب,وعندما يمتلئ القلب بالحب لن يكون للكره والبغضاء والغل أي مكان فيه.
فالحب لا يحرك الوجدان فقط, وإنما يحرِّك الكون بأكمله!
في الحب يكون الفقر غنى، والمرض عافية، والحزن فرح، والعسير يسير,
في الحب لن نجد لغة ذات تراكيب لغوية وقواعد واشتقاقات وجذور, في الحب هناك وجدان ومشاعر وأحاسيس.

"لا تدخلون الجنة حتَّى تؤمنوا, ولا تؤمنوا حتَّى تحابوا" محمد صلى الله عليه وسلم.

"تحب قريبك كنفسك" عيسى عليه الصلاة السلام.

هذهِ هي تعاليم الرسل والأنبياء عليهم السلام, جعلوا الإنسانية البناء والأساس وما سواها فروع تستمد قداستها من قداسة هذا الإنسان الذي يستمد قداسته من النفخة الإلهية ومن سجود الملائكة عليهم السلام لأبي البشر آدم عليه السلام.

لكن رجال الدين بعد ذلك حرَّفوا مبادئ الأنبياء والرسل, فجعلوا الإنسان بلا قيمة ولا كرامة سوى بدين أو عقيدة من خلالها يتحدَّد مصيرك إما أن تستحق الحياة وإما الموت!

"لم يسبق لفيلسوف أن قتل رجل دين, لكن رجل الدين قتل الكثير من الفلاسفة" دنيس ديدرو.


في زمانٍ سادت فيه لغة ومرض الكراهية, نحتاج إلى أخذ دروس مكثفة في لغة الحب لنُفنِّد بها لغة الكراهية، نحتاج إلى تناول جرعات عالية من مضاد الحب للقضاء على بكتيريا الكراهية.

أقولها وبوضوح تام: مناهجنا الدينية تحتاج إلى تطعيمها بلقاح الحب، ليكون مصلاً يحمي أبناؤنا من مرض التطرف, مجتمعنا يحتاج إلى محاضرات وندوات عن الحب أكثر من حاجته إلى المحاضرات الدينية التي تشبَّع بها في المنزل والمدرسة والمسجد, ولا سبيل لذلك سوى بإحلال مفهوم الإنسانية وترسيخه في النفوس, فلا طريق للحب سوى بإدراك معنى الإنسانية, في هذه المرحلة وهذا الوقت لم نعد بحاجة إلى دروس في الفقه وأصوله, نحن بحاجة إلى الإنسانية وأصولها.

إذا أردنا أن نبني مجتمعاً سليماً ومستقراً, يجب أنيتعلَّم أبناؤنا في المدارس لغة الحب, يجب أن نُعيدالنظر في بعض النصوص في المناهج الدينية, كالتي تتحدَّث عن القتال والجهاد وأحكام الردة, فمثل تلك النصوص يجب أن يتم إفهام الطلاب أنهافي سياقها التاريخي فقط, نظراً لخضوعها لظروفوعوامل استثنائية في تلك الحقبة, كذلك المسائل نحومسألة السلام على المسلم وغير المسلم وأحكامها, يجب أن يفهم الطلاب أنها في سياقها الديني ولاينبغي أن تنزل للواقع الاجتماعي, لأن تلك المفاهيمتعمل على تكريس الكراهية في نفوس الأجيال, وبدلاًعن ذلك يجب أن تسود في مناهجنا القيم الإنسانيةالنبيلة وتُرسَّخ في عقول الطلاب, فالمدرسة والتعليمهما المفتاح والطريق للمدينة الفاضلة كما يرىالفيلسوف برتراند راسل.

دعونا نتساءل ولنكن واقعيين, عندما يدرس أبناؤناتلك المسائل, كيف ستكون نظرتهم للآخر؟ هلسيتعودون على تقبل الآخر؟ هل ستنمو لديهممشاعر الحب والسلام تجاه الإنسان الآخر؟ لا أعتقدذلك, لأننا بتلك الطريقة سنصنع لديهم ازدواجية فيتعاملهم مع الآخر, سنعلمهم طريقة العيش معالآخرين وفق مقاييس معينة قد لا تتوافر لدى الكثيرمن الشعوب الأخرى التي سيلتقون بها ويعايشونهاخلال مسيرة حياتهم.

إننا من خلال تعليمنا لأبنائنا تلك المسائل, نكون قدشوَّهنا الفطرة الإنسانية لديهم المتمثلة في تقبلالآخرين ومحبتهم دون الالتفات لأديانهم أو إثنياتهم, ويصبح ذلك الطالب وتلك الطالبة يعيشون حياتهمبازدواجية, وكأني بذلك الطالب المسكين يتساءل: عندما أتعامل مع إنسان غير مسلم هل أعامله وفقاًلإنسانيتي وأكون حينها قد أسأت لديني؟ أم هلأعامله وفقاً لديني وأكون حينئذ قد أسأتلإنسانيتي؟

وكأننا بذلك نجعل من الدين عدواً للإنسانية!

إن الإنسانية عندما تكون هي المبدأ فإن نتاجها يكون إما الحب وإما الرحمة, وفي كليهما يسود السلام والخير,ويغيب العداء والشر, وإن من يتأمل التاريخ والحاضر سيدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن الأديان بكل ما فيها من تعاليم لم تستطع أن تجمع بني الإنسان وتؤلِّف بين قلوبهم. لو أخذنا على سبيل المثال السنة والشيعة, سنجد أنهم يتفقون جميعاً على أركان الإسلام الخمسة, وربهم ورسولهم وكتابهم واحد, ورغم كل ذلك لا يزال العداء والبغضاء بينهم بل وتنتقل من جيل إلى جيل!

كذلك الطوائف المسيحية من كاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت, لا زالت كل طائفة منهم ترى أنها الممثل الحقيقي لكنيسة المسيح.

لذا فإنني أعتقد أننا لم نعد بحاجة لما يُسمَّى ب(حوار الأديان), قال تعالى(لكم دينكم وليَ دين) انتهت المسألة.

وحدها الإنسانية القادرة على ترسيخ مبادئ المحبة والسلام والتعايش, وإن كان من السهل أن تخضع الأديان لعملية الأدلجة, فلا أعتقد أنه من السهل أن تخضع الإنسانية لها, فسموها ورقيها والفطرة المودَعة في النفس الإنسانية جميعها عوامل تحول دون ذلك. وفي الوقت الذي كان من المفترض أن تقوم الأديان بإعادة الإنسان إلى إنسانيته, أصبحت هي من يقف خلف كل مظاهر الإرهاب والتدمير والإجرام بفعل عقول سيَّست الدين وحوَّلته إلى أيديولوجيا قاتلة!