زاد موضوع الانتخابات في التشرذم السياسي العراقي. صحيح ان مواسم الانتخابات تشهد حتى في الدول الديمقراطية العريقة انقسامات وبروز تحالفات جديدة وضمور تحالفات قديمة ، لكن الفارق الجوهري هو ان ما يحدث في العراق ينطلق من الحسابات والانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية، مع ضعف مبدأ المواطنة. اما في الغرب الديمقراطي فان ما يحدث يقوم على مصالح وحسابات سياسية لا تخرج عن المبادئ العامة للديمقراطية ، إلا فيما يخص تحركات ومناورات أقصى اليمين الشعبوي.

ان أقصى ما يمكن ان ننتظره من الانتخابات بروز كتلة قوية في البرلمان تدعو للإصلاحات الجذرية ومكافحة الفساد وتعزيز مبدأ المواطنة، ولو حدث ذلك فسيكون خطوة الى الأمام. وهنا يجب التوقف مليّا لدى ظاهرة التشرذم السياسي العراقي، ما هي جذوره؟ وعوامله الأساسية؟

هناك الفرضية التي تركز على عواقب سياسات القمع البعثية ولاسيما منذ الانتفاضة وما سمي بالحملة الإيمانية وهنك الفرضية التي تركز على التخبط الاستراتيجي والتكتيكي للحرب الأمريكية على نظام صدام، ومن ذلك الاعتماد على الأحزاب الدينية. ويقول سياسي عراقي حضر اجتماعات المعارضة العراقية عشية الحرب ان المبعوث الأمريكي زلماي خليل زادة ، صرح في حلقة ضيقة (نحن مستعدون لتسليم مفاتيح بغداد الى المجلس الأعلى) واذكر أنني أرسلت رسالة لمام جلال احذر فيها من الثقة بالأحزابالدينية، عراقية او كردستانية. ولكن ماجرى هو ان الجبهة الكردستانية وضعت كل بيضها في سلة أحزاب الائتلاف الشيعية ، فكانت العواقب سلبية على العراق وعلى كردستان. اما الفرضية الأخرى وتركز على مسؤولية النخب السياسية العراقية نفسها ، في الحكم وفي المعارضة، وذلك منذ قيام العراق الحديث. وترى الفرضية ان هذه النخب لم تتمتع بحصافة سياسية وبعد نظر كافيين، ما بين حكام لا يحسنون الحكم وبين معارضة وطنية تبالغ في سقف المطالب وتسير وفق مبدأ (إما الكل وإلا فلا) ويرى الدكتور فاضل الجلبيالباحث العراقي والخبير النفطي المعروف، ان الأجيال السياسية السابقة تتحمل المسؤولية عما وصل إليه عراق اليوم. ان مايمكن قوله هو ان الحقيقة هي في مجموع العوامل مجتمعة، مع ميلنا الى إبراز دور النخب السياسية العراقية. ويجب التأكيد أيضا على ادوار التدخلات الخارجية وعلى تأثرالأوضاع العراقية بأوضاع المنطقة ، ولاسيما منذ صعود الإسلام السياسي واضطرابات ما سمي بالربيع العربي. 

وأخيرا فلنأمل بان تأتي الانتخابات القادمة بحالة سياسية جديدة لصالح التغيير والسير أماما نحو أفق الغد الأفضل.