في اليوم العالمي للمرأة , نعيد فتح الإدراج القديمة وبعثرة المحتوى ونفض الغبار بحثا عن كلاسيكيات الشعارات النسوية المطالبة بالمساواة والمشاركة والتماثل , لكن مع طلب المساواة نجد إن الثقافة هنا كما يقولون (تدين المرأة من فمها) !!

وكأن هناك نموذج ذكوري مثالي ومكتمل , ومحاولات نسوية متعثرة للمساواة به , كجوهر أبدي للكمال المطلق, وذلك عندما ينحصر جلّ مشروعها الحياتي للوصول لهذا الأنموذج الفحولي والتماهي معه , ويبدو إن الأجيال اللاحقة من النسويات قد تفطنت لهذا الفخ الذي تدسه الثقافة الذكورية في مسيرة العمل النسوي , فاستبدلت كلمة المساواة بالتمكين , حيث الوعي بالذات وقدراتها الشخصية على الاستقلال.

من أشكال النفوذ الذي تمارسه المجتمعات الذكورية , هي إخضاع الثقافة إلى رقابة دقيقية عبر باقة من اليقينيات الكبرى , بحيث تقبض عل محاور الهيمنة , بقوة وثبات , سواء من حيث تراتبية المواضع بين الجنسين أو توزيع الأدوار داخل المجتمع , بشكل يضمن بقاء الحضور الأنثوي على هامش وأطراف مدونة التاريخ.

أيضا فرضية ثنائية الكون بعيدا عن جذورها الأسطورية أو الفلسفية , فأنها تصبح الإطار المثالي الذي تقسم به الثقافة الذكورية الكون وتنظمه , حيث الخير/الشر, الأنوار/ الظلمة, الروح/ الجسد...الذكر / الأنثى , عندها يستأثر الرجل بعالم الخير والأنوار والروح , وتتقهقر هي بل تدفع لتصطف جوار الشر/ الظلمة / والجسد مصدر الغرائز والشهوات. 

ومازال هذا الانشطار يمارس حضورا قويا في الثقافة الشعبية عندما تستأثر الرجولة بقيم الشجاعة الفروسية والكرم , فلا يظل للنساء سوى الجبن والشح , حتى إذا لمحوا ليونة وخنوعا في فتى وصم بأنه تربية امرأة , إما المرأة القوية المبادرة ذات المواقف والشيم , فأن أرفع وسام يخلعه عليها الرجل هو قولهم (أخت الرجال) , شرط أن لا تطيل مكثها في مجلس الرجال الكبير , فالشاعر الفرزدق قال حول المرأة الشاعرة التي أظهرت نبوغا وتفوقا في قول الشعر:-

(إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها)

يتغلغل التمييز النوعي في الثقافة وصولا إلى اللغة ذاتها , ففي الميزان الصرفي , عندما نريد أن نعيد كلمة ما إلى آصلها لنحدد هل هي كلمة مزيدة أم مجردة من أحرف الزيادة , اختار اللغويون صيغة (الماضي, المفرد, المذكر) كصيغة مثلي للكلمة وكان المثال لايتحقق إلا داخل الالتفات إلى الماضي داخل ثقافة ذكورية أحادية . 

وهذا ما توسعت به في كتابي(ماضي . مفرد, مذكر ) حيث وضحت كيف إن هذه الميزان الصرفي المتواري داخل تلافيف اللغة , ينعكس بصورة واضحة على تموضعات المرأة على ضفاف وهوامش المدونة التاريخية , وعبر اللغة تعيد الثقافة استيلاد نفسها بصورة أزلية.

ولم تشتغل الدراسات النسوية كثيرا بتفكيك المكر اللغوي الذي تمارسه الثقافة ضد النساء , عبر الخطاب المهيمن الذي تم الاعتراف به باعتباره مركزيا , مطلقا ,وثابتا، وأزليا.

وقد تناول هذا المفكر نصر حامد أبو زيد في كتابه (دوائر الخوف) عندما آشار إلى إن التنوين أو التصريف يمنع عن الأسماء العلم الأعجمية والمؤنثة , وهذه المساواة بين المرأة والأسم الأعجمي هي نوع من العنصرية التصنيفية ضد الأنثى , عبر مساواتها بالآخر الذي هو بدوره مورس ضده نوع من العنصرية تطلق على غير العربي = أعجمي , مساواة له بالبهيمة العجماء. 

مبضع التفكيك والمراجعة النقدية لم تتحرك كثيرا في هذا الحيز اللغوي المستنقص للنساء.

وإلى أن يتم هذا فكل 8 مارس ونساء العالم بخير.