يعتبر العلم من الركائز الأساسية التي تقف وراء ازدهار الأمم، ومن المقومات الرئيسية التي تقوم عليها الأوطان كونه أداة حتمية لتشكل الحضارات الإنسانية ولمحاربة الجهل والفقر والتخلف والخوف والتبعية بأقوى الأسلحة المعتمدة على المعرفة والتفكير السليم، حيث ترتقي من خلاله العقول وتنبذ كل ما هو تقليدي ورجعي، وتمحو به كل ما يتعلق بالكراهية والعنصرية للغير. ومن مهام العلم كذلك انه يضمن وجود وجهات نظر خاصة بكل شخص، ويحارب التبعية والانسياق وراء الآخرين من غير تفكير وتدبر. كما يحارب الدكتاتورية في الحكم والسلطة، ويضمن مساحة عالية من الديمقراطية للشعوب، مما يضمن لهم عيشة كريمة ضمن بيئة مستقرة وملائمة.

أما فلسفة العلم، فهي الفلسفة التي تركز اهتمامها بمنطق ومنهج العلم وخصائص وشروط المعرفة العلمية وكيفية تقدمها، وكافة العوامل التي تساهم في عملية التقدم، حيث إن فلسفة العلم تقدم آليات معرفية ومنهجية في سبيل تشكيل العقل، لتمكينه من حل كافة المشاكل والعراقيل التي تعترضه، ثم إزالة العقبات التي تعرقل المسيرة العلمية التقدمية. تعتبر فلسفة العلم مبحثا أساسيا من المباحث الفلسفية، إضافة لهذا فهي الأصدق تعبيرا عن روح عصر العلم الذي تضاعفت فيه المعارف العلمية بشكل كبير، فهي تقدم رؤية نقدية وتصويبية تهدف في مجملها إلى تشكيل طوق نجاة في مرحلة بناء عقلية علمية منشودة. 

ولقد اختلف الباحثون في هذا المجال في تحديد المعنى المقصود بعبارة فلسفة العلم، لكنهم متفقون على أن فلسفة العلم ليست جزءا من العلم ذاته، وإنما هي ذلك الفرع من الفلسفة الذي يستهدف فحص العلم وتحليله بطريقة نقدية. وكذلك تسعى فلسفة العلم إلى فهم أهداف العلم ومناهجه ومبادئه وتطبيقاته وإنجازاته. إن فلسفة العلم ليست – كما يبدو للوهلة الأولى – مبحثًا ضئيل الشأن، ولا صاحبها باحثًا معزولا في برج عاجي كما يعتقد بعض الناس، بل إن فلسفة العلم كثيرا ما تمس مجالات مهمة في حياة الشعوب والأوطان. فعلى سبيل المثال، نجد أن فلسفة العلم على علاقة وثيقة بعلم النفس التجريبي، وأن نظريات العلوم السياسية تتقاطع مع علم الاقتصاد. وهكذا فإن فلسفة العلم تقيم جسرا متينا بين البحث الفلسفي والبحث العلمي. لقد ربطت فلسفة العلم نفسها أكثر فأكثر، لا بمجرد قضايا عامة عن طبيعة العلم وصحته، وإنما ارتبطت بالقضايا التي نشأت عن العلم وتمس بشكل مباشر حياة الناس.

ان العلاقة بين العلم والفلسفة ليست علاقة خصومة كما يعتقد البعض، فالخصومة أبعد ما يتصف بها المجال الفلسفي والمجال العلمي، ذلك أن النقد وممارسته كأساس لمنهج الفيلسوف لا يتعارضان مع منهج العالم في تحققه من الأسباب والعوامل المؤثرة لحدوث ظاهرة بعينها، فالعالم لا يسلم جدلا، بل يمحص الفرض بمحك التجربة والملاحظة، والفيلسوف كذلك يشك دائما في الأفكار المسبقة والمسلمات ويتأملها منطقيا بمحك العقل والاستدلال، فليس هناك تنافر أو تباعد عن حياة الفيلسوف وعن موضوعية العالم ووضوح فكرته، لذلك فإن الفلسفة هي صدى للأفكار العلمية المعاصرة لها، فكل تحول أو نشأة يعرضها الفكر العلمي، تكون لها آثارها على الفكر العلمي المعاصر لها، فيتأثر بالتحولات العلمية المرافقة له، لذلك يريد الفكر الفلسفي إعادة النظر في أسسه بإدخال نتائج العلم واحتوائها من طرف بنية المذهب الفلسفي، لذلك تصبح قضايا العلم هي نفسها التي تثيرها الفلسفة، لكنها إثارة لا يكون الهدف منها البحث العلمي فحسب، بل معالجتها من منظور النسق الفلسفي.

وكذلك ليست الفلسفة وحدها التي تتلقى تأثير العلم المعاصر لها، بل العلماء أيضا ومن أجل فهم ممارستهم العلمية والتفكير فيها يلجؤون إلى الفلسفة، سواء تلك التي يعاصرونها أو الفلسفات القديمة، وذلك من خلال طرح أفكار عامة حول العلم وطبيعة المعرفة العلمية، محاولين في ذلك البحث في تاريخ الفلسفة عن الأفكار التي تتشابه مع نظرياتهم فيعدونها فلسفة توافق العلم، وكذلك طرح أفكار تلتقي وبعض الأفكار الموجودة في الفلسفة، وبذلك يتحول العلماء إلى فلاسفة بوعي أو بدون وعي منهم.

لقد أصبحت الفلسفة أساس لتقدم الكثير من العلوم من خلال مدها بإشكاليات البحث التي ساهمت العلوم في الإجابة عليها وتبديد الغموض الذي تطرحه، ومن خلال نقد مناهجها ووسائلها ونتائجها ليظهر فيما بعد ما يسمى بفلسفة العلوم. كما ان العلم يخدم الفلسفة من خلال محاولة حل بعض الإشكاليات التي تطرحها. في الواقع ان الفلاسفة كثيرا ما يستندون الى العلم، كما ان الفلسفة كثيرا ما الهمت العلماء، وهذا ما أكده الفيلسوف الكبير "كارل بوبر" في قوله المشهور: "إن المشكلة الفلسفية الوحيدة هي عينها المشكلة العلمية وهي مشكلة فهم العلم.

من الملاحظ في نظام التعليم العربي بشكل عام، أن هناك افتقار إلى الفلسفة العلمية، فهو نظام يدرس مواد علمية مجردة دون إطار وثقافة وفلسفة تحكمه. وفي بعض الأحيان يكون هنالك خليط من العلم ونقيضه في العملية التدريسية. لا يمكن اختزال نظام التعليم في مواد يتم تدريسها، وإنما قوة أو ضعف هذا النظام تعتمد على مدى وجود فلسفة علمية تحكمه، تقوم على مبدأ التحليل والنقد والشك. حيث أن هذه الفلسفة أو الثقافة العلمية هي التي شكلت البيئة المناسبة وساهمت في ولادة وتطور كافة العلوم التي نعرفها اليوم.