ضريبة الفشل قاسية جدا، وليس بإمکان أحد أن يتهرب من دفع ثمنه مهما بذل من مساع. هانيبال عندما إنتحر فقد کان ذلك ثمن هزيمته التي کانت فشلا عسکريا. أما هزيمة الارجنتين أمام بريطانيا بسبب الصراع على جزيرة الفوکلاند، فقد کانت سببا وراء إستقالة الرئيس الارجنتيني بإعتباره فشل في إدارة الصراع. لکن هناك حالات شاذة لحالات فشل قاتلة مستمرة رغم إنها لم تعد تجد نفعا وهي أشبه ماتکون بالسباحة ضد التيار، ولعل القول المأثور للباحث و الشاعر الايطالي بترارك من أن"سقوط الإنسان ليس فشلا ، و لكن الفشل أن يبقى حيث سقط."، هي أفضل تعبير حن هذه الحالات، ذلك إن الاصرار على الفشل و إجبار شعب برمته أن يتجرع مرارة کأسه، هو أسوء أنواع السقوط الانساني ببعده الاخلاقي على وجه التحديد.

الفاشلون الذين يصرون على عدم الاعتراف بفشلهم و يحاولون بشتى الطرق التهرب من نتائجه و آثاره و إلقاء تبعاته على غيرهمأو السعي لإيجاد تبريرات واهية له، هم في الحقيقة نماذج غير عادية و تمتلك وجوها من مکونات غير تلك التي يمتلکها الناس، ذلك إن الانسان عندما يواجه حالة فشل فإنه تنتابه حالة من الارباك و تغطي سحنته معالم الخجل و الاحباط و الشعور بالندم، أما هؤلاء الفاشلون فإن وجوههم قد إنقلبت کالحديد الذي غطاه الصدأ، فلم يبق هناك من لحم و دم و إحساس و شعور حتى ترى حمرة الخجل و الندم، بل ترى صفاقة ليست بعدها من صفاقة.

التصدي لحالات الفشل السياسي ـ الاقتصادي ـ الفکري في بلدان العالم العالم ثالث، يجذب الباحث الى نماذج"مقززة" تثير الاشمئزاز و القرف في النفوس، خصوصا عندما نجد هناك شعوبا تعاني من وطأة هذه النماذج التي تصر على بقاءها في"خانة السقوط" في أدنى و أوطأ منازلها، لکن النماذج التي تلفت النظر أکثر من غيرها بل و تکاد أن تغطي على فشل الآخرين بإمتياز، هي تلك النماذج التي تطرح نفسها کقدوات يجب التأسي بها و النهل من مناهلها، کما يبدو واضحا في نموذج نظام ولاية الفقيه في إيران و الذي يسخر في أدبياته من کل أنواع الانظمة السياسية ـ الفکرية القائمة في العالم و ينعتها بالفاشلة و القاصرة وإنها لوحدها تمثل الحل للإنسانية برمتها!

الجمهورية الاسلامية الايرانية، التي تأسست على أساس نظرية ولاية الفقيه، وبعد عمر مديد طال لأکثر من 39، عاما، يتنافح قادتها و مسؤوليها في إلقاء تبعات الفشل السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي على بعضهم البعض، بل وإن الولي الفقيه الذي هو قلب و جوهر النظام و المهيمن و المسيطر على کل شئ، يلقي بتبعات الفشل الذي وصل إليه نظام ولاية الفقيه على هذا و ذاك من القادة و المسؤولين الذين کان للأمس يشيد بهم و يعتبرهم نماذج للبطولة و الفداء.

لن نورد هنا ماتذکره المقاومة الايرانية ولا حتى المصادر المحايدة من معلومات بشأن الاوضاع المزرية في داخل إيران وانما نور مايذکره المسؤولون الإيرانيون على وجه التحديد و مصادرهم و وسائل إعلامهم المسيرة و ننطلق من خلال ذلك من أجل الحکم على الاوضاع في إيران، فقد أعلن برويز فتاحي رئيس لجنة الخميني الإغاثية الحکومية في إيران اواخر العام الماضي، "أن 40 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر،" أي نصف مجموع السكان البالغ عددهم 80 مليونا. وبنفس الاتجاه فقد قال يحيى آل اسحاق، رئيس غرفة التجارية المشتركة الإيرانية – العراقية قال في تصريحات في "مارس" الماضي، إن 45 مليون مواطن من مجموع 80 مليون من سكان البلاد يعيشون ضيق العيش ولا يمتلكون قوت يومهم ويعانون من أصعب الظروف نظرا لارتفاع معدلات التضخم والغلاء وتزايد النفقات والبطالة. وأكد آل اسحاق بالأرقام أن أكثر من 60 بالمئة من المواطنين الإيرانيين لا يستطيعون إيجاد توازن بين دخلهم ونفقاتهم"، موضحا أن البلادتعاني من بطالة تتراوح نسبتها بين 2 و8 ملايين شخص وأن سكان كبريات المدن يصرفون ثلثي رواتبهم لدفع إيجار السكن".

 وقد يتم إدراك الى أي حد طغت القتامة على على المشهد الايراني من الناحية الاقتصادية عندما نطالع تصريحات حبيب اللهمسعودي، مساعد لشؤون الرعاية الاجتماعية في آب/أغسطس من العام المنصرم بوجود 600 وليد تم عرضهم للبيع من مجموع 1200 لدى هيئة الرعاية الاجتماعية.

أما عن بيع المواليد الرضع بأسعار مختلفة، فكتب موقع "عصر إيران" الحكومي في 26 تموز/يوليو 2016 أن "ترتيب أسعار بيع الوليد مختلفة ويتراوح بين 500 ألف تومان ومليون تومان. وإذا كان وليد مدمنا فينخفض سعره، وإذا كان سليما فيرتفع سعره. هناك حالات مروعة ومؤلمة عديدة حيث تقشعر لها الأبدان".

وفي حزيران/يونيو الماضي، نشرت وكالة "إيسنا" تقريرا عن الأطفال الذين يبحثون عن الطعام في النفايات، وكتبت أن الإحصائيات الرسمية تظهر أن مليوني طفل يضطرون للعمل لكسب قوتهم وقوت عوائلهم.

أما عن تجارة الأعضاء البشرية للأطفال فكتبت وكالة أنباء "فارس" في تموز/يوليو 2017 نقلا عن عضوة المجلس البلدي لطهران، فاطمة دانشور، أنه في العديد من حالات يختفي الأطفال ويتم تهريب أعضاء جسمهم وبعد فترة يتم العثور على جثث بعض منهم في صحارى بدون كلي وعيون".

وفي خضم هذا الوضع المزري الذي يعاني منه الشعب الايراني و الفشل الواضح جدا في إدارة الاوضاع في إيران، وفي ظل تراشق الجناحين الرئيسيين التهم ضد بعضهما من أجل التخلص من أعباء تحمل مسؤولية ماقد آلت إليه الاوضاع في إيران، يخرج الحاکم بأمره و رأس هرم النظام، آية الله علي خامنئي عن صمتهليدلي بدلوه هو الآخر ولکن باسلوب و طريقة من يسعى لإبعاد أصابع الاتهام الموجهة الى سوء و فشل قيادته المطلقة للبلاد و السعي لرمي کرة النار في أحضان آخرين، عندما صرح قبل فترةقائلا إن "أولئك الذين بيدهم إدارة البلاد وشؤونها التنفيذية اليوم أو أمس، ليس لديهم الحق في تولي دور المعارضة والمنافسين؛ بل يجب أن يتحملوا المسؤولية"، وذلك في إشارة واضحة إلى الرئيسين الحالي السابق حسن روحاني ومحمود أحمدي نجاد، اللذين لديهما آراء انتقادية تجاه صناع القرار والمؤسسات المقربة من خامنئي، خاصة تجاه رئيس القضاء صادق أملي لاريجاني المقرب من المرشد.

إنتفاضة عام 2009 و إنتفاضة أواخر عام 2017، هتفتا بشعار الموت لخامنئي، وتم إحراق و تمزيق صوره و المطالبة بتنحيه عن الحکم، بل وإن الشعب الايراني قد کان صريحا الى أبعد حد مع عندما هتف في شعار له"سيد علي أخجل و أترك الحکم"، ولکن سيد علي، عوضا عن أن يقدم الاعتذار للشعب الايراني و يعلن عن تحمله مسؤولية ماقد آلت إليه الاوضاع فإنه لايزال يدور في فلك نظرية المؤامرة، فيتهم تارة منظمة مجاهدي خلق بالتآمر ضده و قيادة الانتفاضة(رغم إن هذا النظام قد أکد مرارا على إن منظمة مجاهدي خلق قد إنتهت في داخل إيران ولم يعد لها من دور، وإن هکذا إعتراف هو بحد ذاته إقرار بالفشل في مواجهة المنظمة و إعتراف نوعي بدورها) و تارة أخرى يتهم قادة و مسؤولين إيرانيين بالفشڵ في إدارة الامور و إيصال البلاد الى هذا المفترق الخطير، لکنه لايزال يصر على البقاء في الحکم و التشبث بنظرية ولاية الفقيه التي ماتت منذ إنتفاضة عام 2009، رغم إن العديد من المسؤولين الإيرانيين قد إعترفوا ضمنيا بأن نظرية ولاية الفقيه قد صارت عاجزة ولم تعد تجد نفعا، لکن مع ذلك لايمکن أبدا توقع أن يبادر خامنئي للإعتراف بفشل هذه النظرية بل يجب الانتظار دائما حالة هروبه المستمر للأمام والذي صار سمة أساسية للنظام کله!