15 آذار الحالي، ستدخل الحرب السورية عامها الثامن ونيرانها مازالت مستعيرة . سبع سنوات من الحرب الكارثية العبثية ، لم تبقي شيئاً من شعارات وأهداف "الحراك الاحتجاجي الشعبي السلمي المدني" الذي انطلق ضد حكم الاسد ونظامه الدكتاتوري. "عسكرة" الحراك الشعبي ، بحجة الدفاع عن "الثوار" ورد عنف النظام، شكلت "المقبرة" التي دُفنت فيها "الثورة السورية"، حتى بات من السخرية الحديث اليوم عن "ثورة وطنية سورية". قطعاً ، ليس تبريراً لعنف النظام وبطشه بالمتظاهرين والمحتجين على حكمه وسياساته وطريقة إدارته للبلاد، "عسكرة الحراك الثوري" استدرجت التدخلات العسكرية الخارجية(اقليمية، دولية) في الأزمة السورية. تالياً ، فتحت ابواب "الجحيم" على السوريين وتسببت بتمزيق الوطن الى دويلات وإمارات للميليشيات وحولت سوريا الى مناطق نفوذ ومحميات للدول الغازية، ناهيك عن أن احتماء مسلحي المعارضة بالأحياء والمناطق المأهولة في المدن والبلدات السورية، جعلها عرضاً للقصف والدمار وتهجير ساكنيها من قبل قوات النظام وحلفاءه. موازين القوى والمعطيات الميدانية الراهنة، تشير الى أن (نظام الأسد) تجاوز خطر السقوط، رغم أن الحرب ما زالت مستمرة في أكثر من منطقة سورية ومازالت أحياء العاصمة دمشق تُقصف من قبل الفصائل الاسلامية المتحصنة في الغوطة الشرقية. قوات النظام ، مدعومة من قوات الحلفاء، بدأت معركة "تحرير الغوطة" وقد تمكنت حتى الآن تحرير أكثر من نصفها ومحاصرة البلدات التي يتحصن بها مسلحي الفصائل الاسلامية (جيش الاسلام ، فيلق الرحمن، أحرار الشام ، جبهة النصرة). 
المعارضون السوريون، ومعهم الكثير من المراقبين والمتتبعين للأزمة السورية ، يجمعون على أن التدخل العسكري الروسي المباشر والكبير في الحرب السورية الى جانب النظام، شكل "خشبة خلاص" لحكم الأسد ونظامه من السقوط، تحت ضربات فصائل المعارضة المسلحة المدعومة (عسكرياً ومالياً) من قبل الولايات المتحدة الامريكية و دول غربية وعربية واسلامية. وقد تفاخر رئيس الدبلوماسية الروسية(سيرغي لافروف) بالدور الروسي في إنقاذ حكم الأسد بقول "لو لا التدخل العسكري الروسي لسقط النظام في دمشق خلال ثلاثة اسابيع". كسوري متتبع لتطورات الأزمة السورية بكل فصولها ومحطاتها، ارى أن العامل الحاسم في إنقاذ حكم الاسد لم يكن الدعم الروسي والايراني- رغم أهمية وفعالية هذا الدعم- وإنما صعود "التنظيمات الاسلامية السلفية المتشددة" وسيطرتها على ساحات المعارضة وفرض نفسها البديل الحتمي لنظام الأسد في حال سقوطه، شكل "خشبة الخلاص" للنظام القائم في سوريا. البديل الاسلامي المتشدد لحكم الأسد والهاجس من فوضى قد يخلفها سقوط النظام الى جانب عوامل أخرى تتعلق بتعقيدات وتشعبات الأزمة السورية، جعلت امريكا ودول الغرب الداعمة للمعارضة ،تُوقف أو تُقنن دعمها العسكري لفصائل ما سمي بـ"الجيش الحر"، الذي تشكل من الضباط والجنود المنشقين عن الجيش السوري الحكومي. لو بقيت الساحة السورية خالية من التنظيمات الاسلامية المسلحة، لاستمرت أمريكا وحفائها الغربيين والعرب، بدعم فصائل المعارضة و لقامت امريكا بتوجيه ضربات عسكرية قوية وموجعة لقوات النظام لإضعافه . أو على الأقل كانت ستمارس ضغوط جدية وحقيقية على ( روسيا وايران) لإرغام الأسد على القبول بحل سياسي يفضي في النهاية الى رحيله عن السلطة، ولو على مراحل . ظهور "تنظيم الدولة الاسلامية- داعش" ،الأكثر توحشاً وارهاباً بين التنظيمات الاسلامية، واعلانه "دولة الخلافة الاسلامية" على المناطق التي سيطر عليها في كل من سوريا والعراق ومن ثم (الهجمات الارهابية)، التي شهدتها العديد من العواصم والمدن الأوربية نفذها متشددون مسلمون، تطورات دفعت بالأمريكان وحلفائهم الغربيين لإعادة النظر في مقاربتهم للأزمة السورية ووضع مهمة "القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية- داعش" على راس أولوياتهم في المنطقة ، وترك مسالة " مصير بشار الأسد والمستقبل السياسي لسوريا " الى الشعب السوري نفسه . هذا ما أكده وكرره مراراً اكثر من مسؤول امريكي وأوربي ،بعد تشكيل "التحالف الدولي ضد الإرهاب" بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.
أخيراً: بقاء (بشار الأسد ) على راس السلطة، لا يعني بالضرورة بأنه سيكون حاكماً لكامل سوريا، الممزقة بين الجيوش الغازية والميليشيات المحلية المرتبطة لها. قد يبقى الأسد رئيساً لسنوات أخرى، ربما حتى نهاية ولايته، والكثير من المناطق السورية ، شمالاً وشرقاً، خارجة عن سلطته ، خاصة إذا ما اصرت امريكا على البقاء في منطقة شرقي الفرات.

كاتب سوري
[email protected]