من أسوأ سلوكيات بعض المجتمعات الانصياع إلى العرف التقليدي أكثر مما يُعتقد بالفكر، فهناك قطيع يسير حول كل ماهو مناهٍ أو منافٍ للتعاليم والقيم الدينية وعلى سبيل المثال ما كانوا يعتقدونه بأن هنالك مخالفة شرعية ورخصة تنص بتحريم سماع الموسيقى والأغاني الموسيقية وهذه الرخصة أتت وفق اجتهادات دعاة متشددين ومنغلقين عن الحياة وأكثر. إن الذين يستمعون إلى نغمات الموسيقى يتمتعون بحب الحياة والمرح واحتواء كل الناس بعدما احتوت أفئدتهم بعكس الكارهين لها فإنهم يتسمون بالكراهية وألسنتهم تتلوَّى بكل شيء حاد وتتعقَّد بكل ماهو أمرّ وأعتقد أنكم عرفتم الذين أشرت إليهم وهم فئة المتشددين الذين اغتالوا حياتنا في أوائل الصحوة التي انتشلت منا كل شيء بعدما وعي الناس ومازالت تصارع اليوم من أجل البقاء ولن تبقَ قيودها متغلغلة بعدما اتسع الناس معرفة وآفاقًا واستيقظوا أنهم أصبحوا أسرى لها فتحلل البعض منها جذرياً والبعض ما زال يقاوم .

لماذا الحرمان من العزف على هذه الآلات فلا وجود لها بمدارسنا التعليمية ولا لدور الفنون والمعاهد مع أننا مجتمع محافظ معتدل. والدين الإسلامي لم يحرمها فكل هذه الآلات مستحدثة ولا يوجد بها فتوى ضمنية أو صريحة على تحريم الأغاني الموسيقة إلا من عبث المتشددين الذين غلوا في ديننا وأنتجوا لنا أحكامًا ليس لها مراجع حقيقية لا من الكتاب ولا السنة، وانتج لنا هذا التشتت جيلًا يحاول بنفاق أن يحلِّل اللهو السماعي من خلال قصائد مبطنة بموسيقًى حادةٍ كما يسمى بال "دي جي" الراقص وألبسها اسم "الشيلة" حلال.!

مقطوعة أغنية أم شيلة راقصة؟! كلاهما يمتلكان كلمات شعرية مع وجود المعازف والمؤثرات الموسيقية مع أن الثانية الأخرى المتحللة أكثر تهييج للرقص ومن سلبياتها أنها تخلق العنصرية كثيرًا حيث تتطرق كلماتها إلى التعصب القبلي وأكثر الناس أصبحت ولائمهم ومناسبتهم تقوم على صخب هذه الشيلات والأغاني العادية يرفضونها بحكم أنها حرام والشيلة حلال، وشيلات القصائد لم تكن هذه النوعية من الفنون الأدبية بل هي دخيلة عليها وتفتقد بعض المهارات الصوتية وكذلك لحن كلماتها ليست بتلك السهولة عندما يقوم هواة شل القصائد وقتلها بهذا الفن الهابط ولكن بقي علينا أن نحترم ذائقيَّتهم في كل ما تستهويه مسامعهم بشرط ألا يحرِّومون الأغاني والفنانين فالشيلة دي جي راقص بكل محضرات الآلات الموسيقية، يُحرِّمونها ولم ينتبهوا أن الشيلات الملغمة بالموسيقى هي نفسها الموسيقى بكل أنواعها وانها هي نفسها العلاج الذي يستخدمه الأطباء النفسيون في علاج مرضاهم.

 أليست الموسيقى علاج؟ فلم التناقض وخلق التخلف في تحريم الموسيقى والآلات وتحليل الشيلة الملغَّمة بأجود أنواع الموسيقى والإيقاعات المؤثرة!! يا له من تناقض جعلنا أمام المجتمعات العربية في دائرة التعجب!

من يقل إن الموسيقى حرام عليه ألَّا يستخدم هاتف جواله فالرنات في جزء من الموسيقى وأيضًا لا تقوم الجيوش العسكرية بالاستعراضات الوطنية إلا من خلال عزف هذه الآلات فهي تدفع الجندي وتُجيِّش مشاعره للوفاء لوطنه، وأيضًا السلام الوطني الذي يقرع عند كل رئيس أو حاكم يبدأ بالعزف الموسيقي ويستجاب له بالوقوف والاستجابة لهذا العزف الممتزج بالكلمات الوطنية .. فليس هنالك سبيل لإقناع هذا المجتمع الذي حُرم من تعلُّم الموسيقى!

نحن بأشد الحاجة لكي يتقدم هذا المجتمع حضارياً وفكرياً للموسيقى حيث أنها تُهذٍّب الأخلاق وتزرع الحب لكل من لديه كراهية.