من معركة جالديران إلى عزوة غصن الزيتون: 
تزاد الاوضاع خطورة يوم بعد يوم في سوريا والعراق والشرق الاوسط بشكل عام نتيجة اشتداد هيمنة واشنطن وروسيا في المنطقة ودعمهما اللامحدود لسياسات الدول الاقليمية ومنها تركيا (الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي)التي ادخلت المنطقة في مأزق ينذر بعواقب وخيمة من شانها تهديد الامن والسلام في هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة ودفعها الى دوامة حروب وصراعات جديدة، بالضد من مصالح الشعوب وطموحها إلى توطيد استقلالها وبناء انظمة حكم ديمقراطية وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية ورسم سبل تقدمها وتطورها المستقل... 
قبل يومين ظهر السلطان التركي ( اردوغان المدعوم من روسيا وامريكا والدول الاعضاء في حلف الناتو )،ظهر مبتهجا مع احتلال مدينة عفرين وقال ما حرفيته: ( لقد فتحنا مدينة الإلحاد وجنبنا العالم ويلات بنادقهم ), وفي نهاية خطابه رفع السلطان المحتل يده الى السماء متضرعاً مبتهلاً، وقال: (شكرا لك يا الله على النصر والفتح المبين)، وتزامنا مع خطاب السلطان اردوغان اقدمت مرتزقة القوات التركية، على نهب وفرهود عدد كبير من المحال التجارية والاسواق والمؤسسات والدوائر الحكومية والمنازل ومزارع المواشي في عفرين، وقد وقع هذا كله امام أنظار العالم ومجلس الأمن والأمم المتحدة ومنظماتها المدافعة ( جداعن حقوق الانسان) و التي التزمت الصمت المشين جراء عمليات القتل والبطش والتنكيل والانتقام والإبادة الشاملة والتطهير العرقي في عفرين من قبل تركيا ( الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي ). 
لقد ازدحم الطرق وشوارع عفرين المحتلة بارتال من اللصوص وقطاع الطرق من بقايا داعش واخواتها، حيث شهدت عفرين حوادث نهب وفرهود مروّعة لغنائم (الكفّار حسب تعبيرهم )، وكأنهم يعيشون في العصر الجاهلي أو عصر الفتوحات والغزوات والغنائم، متجاهلين أنهم يسرقون وينهبون املاك المدنيين ( الاكثرية المسلمة ) ويساهمون في تفتيت المجتمع ونشر الفساد والنهب والفرهود باسم الله، وتحت مشروعية مبتذلة لا يرضى بها إلا من يقبل بالذل والقهر لدينه اولا ولنفسه وثم للانسانية. 
وللاسف ان جرائم القتل والنهب وتقسيم الغنائم باسم الله مستمرة ضد كوردستان ( ارضأ وشعبأ )منذ معركة جالديران 1514 الى غزوة غصن الزيتون،والشيء الوحيد الذي يتبدل في كل غزوة هو الزمان والمكان واسلوب القتل والابادة وهوية القاتل.
غزوة غصن الزيتون: 
شنت تركيا حربا ضد مقاطعة عفرين بهدف واحد معلن كما ادعت مرارا، وهو القضاء على وحدات حماية الشعب الكوردية التي دحرت داعش وانتصرت عليها، والتي تصنفها أنقرة زورا وبهتانا على أنها منظمة أرهابية, ولكن الحقيقة هي عكس ذالك تماما، ولاثبات ذالك نستند هنا الى وثائق وتصريحات لكبار مسؤولين اتراك, حول اطماع تركيا التوسعية من خلال سيطرتها على عفرين وإقامة شريط أمني داخل سوريا على امتداد الحدود مع تركيا، بعمق 30 كم، بشكل أساسي ودائمي والسعي للسيطرة على مناطق أخري من بينها مدينة (منبج) السورية ومدن وبلدات اخرى في ( اقليم كوردستان ).
فخلال عملية ( درع الفرات Fırat Kalkanı Harekâtı ) كشف وزير الداخلية التركي (سليمان سويلو) عن تعيين محافظين ومسؤولي أمن في 3 مدن شمالي سوريا سيطرت عليها تركيا خلال عملية "درع الفرات" والتي انطلقت في 24 أغسطس 2016، وانتهت بسيطرة الجيش التركي والفصائل السورية المعارضة على مثلث (جرابلس إعزاز الباب) داخل سوريا، ومن الجدير بالذكر ان تصريحات وزير الداخلية التركي جاءت خلال مؤتمر لحزب العدالة والتنمية الحاكم ببلدة مركز أفندي في مركز للمؤتمرات والفعاليات الثقافية بمدينة (دنيزلي) والذي اشار( سويلو ) إلى آمال بلاده في أن يحظى 3.5 ملايين لاجئ سوري بالأمان والاستقرار داخل أراضيهم من خلال العمليات العسكرية القائمة في سوريا.
والسؤال حينها كان: لماذا عينت تركيا ولاة ومسؤولين في كل من إعزاز وجرابلس ومارع السورية؟ ولماذا توسعت عملية (درع الفرات) لتشمل إبعاد المقاتلين الكورد إلى شرق نهر الفرات بعد ان استعادت مدينة جرابلس السورية الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات والمتاخمة للحدود التركية بريف حلب الشمالي- من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية؟ ومن من هم تحديداً الذين تعتبرهم تركيا (السكان الشرعيين) في المنطقة؟ 
فكان الجواب على لسان وزير الدفاع التركي السابق (فكري إيشيق Fikri Işık ) وقتذاك ما حرفيته: ( إن الأولوية الإستراتيجية لتركيا هي منع الكورد من الربط بين ضفتي نهر الفرات، ولذلك تسعى تركيا جاهدا لتفادي إنشاء االكورد شريطا استراتيجيأ لهم على طول الحدود السورية التركية يربط بين مناطق سيطرتهم شرقا وغربا، وضمان عدم قيام كيان لهم غرب الفرات باعتبار أن ذلك يهدد وحدة وامن تركيا ) واضاف: ( ان تركيا لاتتخلى عن اكثر من 3 ملايين ونصف تركماني سوري، ينتشرون في معظم المناطق السورية، والذين تحملوا من بداية الأحداث عبئا كبيرا نظرا لرابط الدم واللغة مع تركيا ). 
التغيير الديموغرافي: 
لقد انتهج أردوغان سياسات طائفية وعرقية خطيرة في سوريا، بدعمها للجماعت الإرهابية كـ"داعش" و"النصرة" و"الجيش الحرو القاعدة المتمثلة بـ( هيئة تحرير الشام ) وذالك من اجل تمرير مخططه التوسعي في سوريا تحديدا، حيث اتبع النظام التركي سياسة التهجير والتغيير الديموغرافي بشكل ممنهج مع بدء عملية درغ الفرات وثم عزوة غصن الزيتون، غايته تهجير السكان في المناطق ذات الاغلبية الكوردية في شمال سوريا واسكان عوائل عربية وتركمانية في مدن وبلدات قام بتهجيره قسرا، ولنجاح هذه الخطة الشوفينية (التغيير الديموغرافي) للمناطق والقرى والبلدات ذات الغالبية الكوردية في سوريا نفذت تركيا اخيرا خطة مدروسة ومحكمة مكونة من ثلاث مراحل هي: 
1 ( النزوح الجماعي القسري):ـ شنت تركيا حملات عسكرية شرسة للسيطرة على الموقف الميداني في مناطق ذات الغالبية الكوردية طبعا باتفاق مع روسيا وبتواطؤ مع قوى إقليمية وبدعم من الناتو، وتم تهجير سكانها الاصليين بحطة استراتيجية متكاملة ومقصودة للتغيير الديموغرافي القسري، بحجة ( محاربة الارهابيين والدفاع عن امنها )، وان ما حدث في عفرين مع احتلالها وتهجير سكانها و ازالة التماثيل للرموزالكوردية الوطنية منها تمثال ( كاوا الحداد رمز الامة الكوردية، هذا البطل الكوردي الذي أنهى ظلماً تعرض له الكورد على يد ملك فارسي جائر يدعى أزديهاك ضحاك الثعبان الخرافي ) و هدم المدافن والمقابر والاضرحة التاريخية الكوردية وتسويتها بالأرض لمحو أي أثر للكورد في هذه المناطق اشارة واضحة وصريحة لتنفيذ سياسة تغيير التركيبة السكانية لهذه المناطق، بالضبط كما فعل الحكومات العراقية المتعاقبة في تعريب وتهجير واستقطاع المناطق الكوردستانية والحاقها بمناطق ومحافظات اخرى...
2 (تغيير الملكية عن طريق إعادة الإعمار): انتهجت تركيا في مناطق ريف حلب الشمالي، بعد ان اطلقت عملية عسكرية تحت مسمى (درع الفرا ت )والتي انتهت في آذار 2017، انتهجت تركيا بحجة محاربة داعش سياسة تدمير القرى والمناطق والبلدات في سوريا وثم بدأت بالسيطرة عليها اقتصاديا تحت يافطة (إعادة التأهيل والإعمار) بإشراف تركي بحت على مستوى الخدمات كافة،وذالك لبسط سيطرتها (عسكريا وسياسيا واقتصاديا واداريا ) على المنطقة، حيث لايخفي على احد إن تركيا لا تريد فقط فرص وصايتها على هذه المناطق كون لها مصالح استراتيجية فيها، وأهمها منع تشكيل دولة كوردية موحدة على حدودها في المستقبل، بل تريد مستقبلًا ضم هذه المناطق إليها اضافة الى مطالبتها بعودة ولاية الموصل اليها ( وكل من يتابع تصريحات اردوغان والمسؤولين المحيطين به هذه الايام يخرج بانظباع واضح، لا لبس فيه، مفاده ان اردوغان يسعى لاستعادة الإمبراطورية العثمانية ) 
3 (توطين واستقدام اللاجئين السوريين من خارج المناطق المنكوبة ): وهنا يكفي أن نُذكّر القارئ الكريم بتصريح اردوغان مع بدء عملية غصن الزيتون ما حرفيته: ( أن تركيا تسعى من خلال عملية غضن الزيتون لضمان إمكانية عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى ديارهم فور تطهير الحدود من المسلحين ). 
وعليه يمكن تسجيل بدء هذه المرحلة مع احتلال عفرين واستقدام العرب والتركمان اليها بهدف تعريبها و تتريكها بعد ان اصبحت عفرين واكثرية مناطقها تحت وصاية تركيا ( كامر واقع de facto (بحجة ( اعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى ديارهم ).
اخيرا.. اننا اليوم امام ا أخطر مخطط إجرامي توسعي تركي روسي امريكي يستهدف احتلال مدن وقرى وبلدات سورية ويشمل هذه المرة مئات الكيلومترات طولا وأكثر من 30 كيلو مترا عمقا وهذه المرة بدعاوي محاربة الارهاب والدفاع عن تركمان سوريا والاقليات الاخرى في المناطق ذات الغالبية الكوردية، وتزامنا مع احتلال عفرين تحاول تركيا تنفيذ مؤامرة إخلاء المزيد من القرى الحدودية في اقليم كوردستان عبر الاجتياح العسكري و القصف الهمجي المستمر لمعظم القرى الكوردستانية الحدودية بحجة محاربة الارهاب وبالتعاون وموافقة بغداد واربيل ( راجع حديث رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري اثناء لقائه مع رئيس مجلس الأمة التركي إسماعيل قهرمان)...
ان تصريح إردوغان الاخير والذي قال: أن العمليات العسكرية التركية في سوريا ستستمر إلى الشرق حتى يجري تطهير بلدات تمتد لمئات الكيلومترات صوب الحدود العراقية)، اثبت على ارض الواقع صحة مقولتنا السابقة بان كوردستان (ارضا وشعبا ) لاتزال تدفع ثمن لعنة الجعرافيا ولعنة الانظمة والدول والمعاهدات الاقليمية والدولية التي قسمت الشعب الكوردي وأرضه كوردستان في حدود أربع دول إقليمية ( ايران، تركيا، سوريا والعراق). 
فهل إلى خروج من سبيل؟