الإنتفاضة الشعبية ضد سلطة حزب البارزاني دخلت اسبوعها الثاني. وما ميز التظاهرات الحالية إحتجاجا على قطع رواتب الموظفين بإقليم كردستان، هو دخول مواطني أربيل ودهوك وهما المعقل الرئيسي لحزب مسعود البارزاني الى الخط لتحدي السلطة الدكتاتورية الحاكمة، وهي المرة الأولى منذ الإنتفاضة الشعبية الأولى ضد نظام صدام حسين الدكتاتوري في آذار عام 1991، تتجرأ أربيل ودهوك بالتعبير عن الإحتجاج ضد سلطة بارزاني، وهذا التحدي بالذات أقض مضاجع العشيرة البارزانية بخروج الأمر من أيديهم، وأنذر بسقوط آخر الركائز الأمنية لهذه السلطة الغاشمة، مما ينبيء بقرب سقوط هذا النظام العشائري المتخلف الى الأبد.

أثناء الإنتفاضة العربية ضد السلطات الدكتاتورية في ليبيا ومصر واليمن وسوريا، كان المنظر المألوف هو خروج أبناء الدكتاتوريين الى الشعب مهددين بالويل والثبور، حتى رفع بعضهم أصابعهم بالتهديد، ولكن في المحصلة بترت تلك الأصابع، وقبر الدكتاتوريين هناك الى الأبد منهم القذافي وعلي عبدالله صالح وحسني مبارك وبشار الأسد ينتظران مصيرهما الأسود، ويبدو أن أبناء الدكتاتور مسعود البارزاني لم يقرأوا تلك الأحداث جيدا ولم يتعظوا من دروس تلك الإنتفاضات الشعبية.

بنفس المنطق الدكتاتوري أخرج البارزاني ومنذ اليوم الأول لإندلاع الإنتفاضة في أربيل ودهوك جلاوزته وبلطجيته الى الشارع لقمع المتظاهرين، وفي حوادث مقززة رأى الناس الكثير من هؤلاء المرتزقة والبلطجية وهم يعتدون على معلمي ومعلمات المدارس وموظفي وموظفات القطاع الصحي الذين خرجوا في تظاهرة سلمية للتعبير عن إحتجاجهم على قطع رواتبهم الشهرية وسرقة السلطة لأموال النفط وإفقار شريحة مهمة في المجتمع هي شريحة الموظفين. وإمتلأت صفحات التواصل الإجتماعي بمشاهد وصور إعتداءات بلطجية نظام البارزاني على المتظاهرين في منظر يبعث على الخزي والعار.

وبحسب بعض نشطاء التظاهرات تواصلت تهديدات وتجاوزات السلطة البارزانية الحاكمة الى مايفوق الذي حصل في بقية بلدان الربيع العربي، وتناقل هؤلاء النشطاء الكثير من الأخبار المخزية تكشف ردود فعل السلطة البارزانية ضد المتظاهرين، منها ركل وضرب عدد من المعلمين المتقاعدين الذين أفنوا زهرة شبابهم لتعليم الأجيال الكردية، ومنها الإعتداء اللفظي على النساء، وكذلك طعن بعض المتظاهرين بالسكاكين والمدي من قبل عناصر أمن النظام. ووصل الأمر الى حد تهديد إحدى الناشطات بالإغتصاب الجنسي في حال عدم توقفها عن المشاركة بالإنتفاضة وهي صحفية وناشطة سياسية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل خاطب أحد أعضاء قيادة حزب بارزاني بصلافة ودون حياء أو خجل إحدى المتظاهرات بقوله" إذا كان مطلبك هو المال، فتعالي الى منزلي وسأعطيك ما تريدين "؟. والأهم من ذلك هو أن رئيس الحكومة وهو نائب رئيس حزب بارزاني الذي وصف من قبل أعوانه بأنه مهندس الاعمار قال بصراحة ووضوح في مؤتمر صحفي معلن" إذا إستخدم المتظاهرون المسدس أو السكين، فإننا سوف نرد عليهم بالمسدس والسكين "؟. هذا هو منطق الدكتاتور الكردي، مواجهة مطالب الشعب بالمسدسات، في حين أن المعلم لا يحمل سوى قلمه وطباشيره، والموظف لا يحمل سوى جزدانا فارغا وجهاز موبايل خالي من الرصيد! ومن جهة أخرى تناقلت وسائل الإعلام المحلية هذه الأيام خبرا يشير الى تلقي أكثر من 30 ناشطا سياسيا وصحفيا تهديدات بالقتل والتصفية جراء مشاركتهم أو دعمهم للإنتفاضة الحالية.

منذ ثلاث سنوات وأنا محروم من دخول مدينة أربيل التي عشت وترعرت فيها خوفا من بلطجية هذا النظام الدموي الذي يحكم مدينتي، فقبل أيام لم يتحرج متحدث حكومة الإقليم من الإدلاء بتصريح يقول فيه " أن الشخص الذي إعتدى على المعلم المسن بالضرب والركل لا يمكننا التعرف عليه وإعتقاله للمحاسبة " وهذا في وقت أن جميع بلطجية نظام البارزاني معروفون، كما أن الشخص المعتدي نشرت صوره على نطاق واسع بمواقع التواصل الإجتماعي. ويحدث ذلك في وقت طالما تشدق فيه حكومة بارزاني بأن الإقليم يرفل بالأمن والأمان، وسمعنا كثيرا البيانات التي يصدرها جهاز الباراستن في السنوات السابقة التي يدعي فيها زورا وبهتانا أنهم تمكنوا من كشف العديد من مخططات تخريبية لداعش، وإذا بهم اليوم يعجزون عن كشف هوية البلطجي الذي إعتدى على المعلم المسن؟

لقد خرج المارد الكردي من قمقمه ولا تستطيع أية سلطة دكتاتورية مهما تفوقت على سلطة الدكتاتور صدام والقذافي وصالح ومبارك أن يوقفوا تقدمه نحو يوم الخلاص وطي صفحة الدكتاتورية الكردية في إقليم كردستان. وسوف لن تنفع سياسة القمع وتكميم الأفواه هذه السلطة القمعية وإن غدا لناظره قريب.