لنبدأ من حيث انتهت أوضاع هذه البلاد التي أسسها قبل ما يقرب من قرن ككيان سياسي موظفين في وزارتي الخارجية البريطانية والفرنسية سايكس وبيكو، وتم إدخالها في مدرسة الديمقراطية الأمريكية منذ ثلاثة عشر عاما، خاضت فيها ثلاثة امتحانات اقصد انتخابات كانت نتائجها جميعا ما نشهده اليوم في بلاد تم وصفها بالدولة الفاشلة والافسد في العالم؛ حيث ثلثها مدمر وثلثها الثاني يعاني من فقر وعوز، وثلث ثالث محاصر ومحارب لكونه أراد الخروجمن هذه العجقة المريبة، المهم اليوم تخوض بلادنا امتحانها الرابع بأكثر من ثمانية آلاف مرشح يتهافتون على امتيازات لا نظير لها في كل العالم المتقدم منه والمتخلف، وينتظرون موافقة ما يزيد على أربعةوعشرين مليون ناخب، غالبيتهم تنخر في مكنوناتهم العميقة ثقافة العبودية والقطيع القبلي أو المذهبي أو التكسبي، ولا يهمهم إطلاقا إلا رضا الشيخ أو المرجع أو الجيوب، بعيدا عن أي مفهوم ناضج للوطن والمواطنة الحقة.

مدارس الديمقراطية الغربية التي فتحتها امريكا وبعض بلدان اوربا في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا وقبلهم أفغانستان، أتت أكلها وأنتجت بلدانا خربة تعبث فيها أفواجا من الفاسدين والانتهازيين، وكرست ثقافة القرية والعشيرة والتناحر المذهبي والديني تحت غطاء الحرية والديمقراطية العرجاء، مدارس بمستويات عالية تفتتح لمجتمعات تعاني في الأصل من أمية أبجدية وحضارية وثقافية واجتماعية، ولا تقدر على ادراك مفاهيم قبول الآخر، واستبدال نمط حياتها بحياة جديدة لا تقبل رؤساء آلهة ولا أحزابا مخولة من الإلهةفي حكم البشر، مجتمعات أدمنت على النظم التربوية والدينية والقبلية التي تكرس ثقافة الشمولية والعبودية وتلغي بشكل مطلق أي توجه نقدي، بل تعتبره كفرا وإلحادا، أو عمالة للأجنبي والمستعمر!

في هذه المدارس تتساوى ( الكرعة وأم الشعر - القرعاء ) كما يقول الدارج المحلي، أو مثل ما وصفه الرئيس العراقي السابق جلال طالباني (إن صوته وصوت أي نكرة آخر في الانتخابات واحد!) بمعنى إن أفواجا لا نهاية لها من الناخبين المسطحين من الذين لا يعرفون الخميس من الجمعة، يقودهم شيخ القبيلة او رجل الدين بفتاويه المزاجية، أو الحاجات الأساسية وخاصة المال، هم الذين سينتخبون المرشح الفلاني دون النظر أو ربما حتى دون أي دراية عن أي شيء، إلا ما ينحصر في ما ذكرته وعلاقته بالثلاثي الديمقراطي (الشيخ والملا والدولار).

الشيخ الذي حاول الرئيس احمد حسن البكر تهميشه ومن ثم إلغاءدوره في محاولة لتأسيس دولة مواطنة، اغتالها صدام حسين القروي وأنشأ بدلا عنها دولة العشيرة والقرية، هذا الشيخ الذي نُفخ فيه في تسعينيات القرن الماضي حتى أطلق على موديلاته الثلاث ألف وباء وجيم بشيوخ التسعين، أصبح الأداة الضاربة والآمرة لرئيس العشائر والقرى. 

والملا بشطريه السني والشيعي وتحت ظلال حكم الطبقة السياسية الحالية، أصبح هو الأخر أداة كما كان أيام الحملة الإيمانيةالوطنية التي أنتجت هذه الأفواج من الملالي والمعممين والإرهابيينوالفاسدين حتى النخاع، يساق من قبل هذه الطبقة كواحد من أهموسائل النفوذ الاجتماعي، وسلم رباني للصعود إلى جنات السلطة والمال.

والدولار وما إدراك ما الدولار وما سحره وتأثيره في صناديق الاقتراع ونتائج الانتخابات، ولكي لا نقسِ في جلدنا لذاتنا هنا، فهو أي هذه العملة العالمية التي دست انفها في انتخابات أعظم الدول وأعرقها في المضمار الديمقراطي، فما بالك فيمن إيراده السنوي لا يتجاوز ألف دولار، أي اقل من ثلاثة دولارات يوميا، ويدفع له مائة دولار لشخطة قلم أو لشراء بطاقته الانتخابية، هذا الدولار الذي يستخدم في شراء مناصب الدولة العراقية، ابتداء من مدير الناحية ووصولا إلىرئيس الحكومة، فما بالك بالأغلبية التي تتاجر على قد حالها بأصواتها، ولم يعد يهمها أو أساسا لا يهمها من سيجلس على الكرسي سواء في برلمان التهريج أو حكومة الصفقات والأكاذيب.

مظلوم هذا العراق بآفاته وحليمته التي تعود إلى عادتها وسلوكياتها، وان تغيرت وسيلة العودة من الزعيم الأوحد والحزب القائد والرئيس الضرورة إلى مختار العصر وقائد النصر، تحت ظلال أحزاب الله والإسلام تارة وأحزاب الأمة الخالدة تارة أخرى، حيث تجتمع اليوم الأدوات الثلاث؛ شيخ القبيلة وشيخ المذهب والدين وسيد الجيوبالدولار، لرسم خارطة العراق الجديد!