( نادية مراد) تناضل من اجل مكافحة العنف الجنسي كسلاح في الحرب: 
لم تكن تتخيل (نادية مراد باسي طه مواليد 1993 قرية (كوجو الواقعة جنوب غرب شنكال بنحو 20 كلم) لم تكن تتخيل هذه الفتاة البسيطة والخجولة والمسالمة والتي كانت تحلم أن تصبح مدرسة تاريخ أو أن تفتح صالون تجميل خاص بها في قريتها الصغيرة، لم تتخيل (مراد ) أن اسمها سيسطر يومًا ما بحروف من نور فى تاريخ العمل النضالي في الشرق الاوسط، وتصبح الأيقونة الايزيدية والعالمية رغم صغر سنّها وحداثة تجربتها في النضال ضد العبودية والاستعباد والاسترقاق .
لم تكن تتخيل (مراد ) أن العالم سيقف يوما ليصفق لها تمجيدا واحتراما لشجاعتها وتضحيتها وارادتها القوية وصدقها وصبرها وتحملها من اجل انتصار الانسان والانسانية على الارهاب والحروب والدمار وهي تلقي كلمتها في قاعة مجلس الوصاية، التابع للأمم المتحدة، بالمقر الرئيسي للمنظمة في نيويورك وبحضور الأمين العام السابق السيد(بان كي مون )، لم تكن تتخيل (مراد ) يومأ ما، ان تترجم قصتها الماساوية الى اللغات العالمية وتدخل التاريخ كاصغر ناشطة إيزيدية في مجال حقوق الإنسان وسفيرة للنوايا الحسنة لمناصرة الناجين من الاتجار بالبشر, خاصة اللاجئين والنساء والفتيات في العالم .
نادية مراد، لم تكن تتخيل يوما ان تكون إحدى المرشحات لنيل جائزة نوبل للسلام، كما اختارتها مجلة تايم كواحدة من الشخصيات الـ( 100) الأكثر تأثيراً في عام 2016. 
لم تكن تتوقع ابنة ( كوجو المغدورة ) ان تلتقي يوما مع عدد كبير من الرؤساء ورؤساء الوزراء في العالم، وتظهر في عدة قنوات عالمية وعربية، لتنقل لهم قصتها وقصة اهلها ومحنة المكونات الرئيسية في العراق والأيزيديات خصوصاً، وتتحدث بجراءة عن الإبادة الجماعة التي تعرضوا لها على يد وحوش داعش . 
لم تكن تتخيل نادية مراد ان تصبح يوما فريسة الاستعباد والبيع والتاجير والاغتصاب لعشرات المرات في (الموصل وتلعفر والحمدانية) لا لشيء الا لانها ايزيدية ... .
لم تتخيل( مراد ) هذه الفتاة المحافظة والخجولة ان تناقش يوما ما في المحافل الدولية قضية الاستعباد الجنسي و الاغتصاب الجماعي والاتجار بالبشر والسبايا وان تكون متحدثة باسم الأيزيديات المغدورات أمام مجلس الأمن والمحافل الدولية الاخرى ...
لم تكن تتخيل ( مراد )ان تكون يوما ما شاهدة على جريمة العصر( غزوة داعش ) وضحية من ضحايا الاستعباد الجنسي على يد وحوش ضارية على شاكلة الانسان، و لكن سرعان ما انكشفت الوجوه وبانت الحقيقة وظهر ما لا في الحسبان، وجرت الرياح بما لا تشتهي سفينة الشابة الايزيدية نادية مراد، حيث تحولت بين ليلةٍ وضحاها من فتاة عادية إلى اسيرة فُرض عليها العبودية الجنسية والرق والذل مع الآلاف من الفتيات والنساء من المكون الايزيدي بعد احتلال "داعش" لمدينة الموصل والقرى الايزيدية التابعة لمحافظة نينوى في آب 2014 .

كتاب (الفتاة الاخيرة ) : 
عن مطبعة بوليتكن ( Politikens forlag ) في الدانمارك صدر قبل ايام للقدسية الايزيدية والناجية من مسالخ داعش الارهابي ( نادية مراد ) كتاب بعنوان ( الفتاة الاخيرة ) . 
استطاعت القديسة نادية مراد من خلال كتابها ان تجذب الاهتمام العالمي الى قصتها المؤلمة وشجاعتها الكبيرة وارادتها القوية تحت الاسر، ونضالها الدؤوب ضد داعش بعد ان استطاعت ان تهرب من جحيمهم . 
كتبت محامية حقوق الانسان الدولية ( أمل كلوني) التي تدافع منذ عام 2014 عن الايزيديات اللواتي كن ضحايا جرائم الاغتصاب والاستعباد الجنسي والابادة التي ارتكبها في العراق ( الدولة الاسلامية ) امام المحكمة الجنائية الدولية، كتبت (كلوني) في مقدمة الكتاب : ( انا لست فقط محامية نادية مراد واسعى إلى محاكمة تنظيم داعش أمام الجنائية الدولية، وانما نادية هي صديقتي ايضا ) . 
تستطرد المحامية الدولية ( كلوني ) قائلة : ( في عام 2014 احتلت داعش قرية نادية مراد، وتعرضت هي وعائلتها الى ابشع انواع التعذيب، رأت نادية بأُم عينها مقتل والدتها و ستة من إخوانها، على يد الإرهابيين وشاهدت جريمة ابادة اهل قريتها بأم عينها, اما من بقوا على قيد الحياة ونادية واحدة منهم فقد تم ترحيلهم إلى الموصل، معقل تنظيم داعش. 
ظلت( نادية مراد )ثلاثة أشهر أسيرة لدى مقاتلي داعش، الذين استولوا في صيف عام 2014 على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق واجتاحوا المناطق الإيزيديين والمسيحيين وغيرها من غير المسلمين . 
( مراد )هي إحدى ضحايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تعرضت خلال اسرها للتعذيب النفسي والجسدي، والاذلال والاهانة وقبل اغتصابها كانت تجبر على الصلاة، وثم ارتداء ملابس غير محتشمة ووضع مساحيق التجميل، كما تعرضت للاغتصاب الجماعي الوحشي، ومازالت آثار التعذيب وامكان غرز أعقاب السجائر شاخصة على جسدها . 
قالت لي نادية في اول لقائي معها في لندن : خلال فترة اسري كانوا يتعاملون معي كجارية،و يطلقون عليه اسم (الكافرة النجسة ) . 
وتضيف (كلوني): أن آلاف الأيزيديات استعبدن من قبل تنظيم (الدولة الإسلامية داعش ) الذي ارتكب جريمة الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين في سوريا والعراق وسعى إلى تدمير الجماعة الدينية العرقية من خلال القتل والاستعباد الجنسي وجرائم أخرى. ولم يعاقب على جريمته بعد) 
وفي السياق ذاته تضيف المحامية (كلوني ) قائلة : بعد ثلاثة أشهر من الأسر والتعذيب الوحشي والاغتصاب والانتهاكات، تمكنت (مراد ) من الهرب واستقرت بعد معاناة قاسية في ألمانيا لتكون بمثابة صوت لمن لا صوت له، وبهذا انتصرت نادية على داعش، لانها كسرت جدار الصمت ولم تسكت عن فضح الارهابيين في المحافل الدولية على الرغم من الام الاغتصاب وفقدان الاهل والاقارب، وعليه أخطأ الذين اعتقدوا ان (مراد )تسكت وتختار الصمت بسبب المعاناة والانتهاكات الجنسية التي تعرضت لها خلال فترة اسرها، نعم، لم تسقط (مراد ) كما اراد داعش، بل وقفت بشموخ وقاومت بشجاعة وعادت أقوى من قبل، وها هي اليوم تمثل المجتمع الايزيدي بجدارة لاتوصف، وان كتابها ( الفتاة الاخيرة ) الذي بين يدكم الان خير دليل على ذالك ) . 
ومن الجدير بالذكر, ان كتاب ( الفتاة الاخيرة ) مُهدى الى المجتمع الايزيدي، وقد تُرجم إلى العديد من اللغات العالمية من قبل دار( تيم دوكن) للنشر، التابع لمؤسسة ( راندوم هاوس كراون ), يقع الكتاب ( الطبعة الدانماركية ) في (364) صفحة من الحجم المتوسط، و مُقسّم لعدّة فصول, وكلّ فصلٍ فيه عبارة عن مجموعة قصص ماساوية من لخطة اسر الكاتبة وافتيادها مع اكثر من 150 امرأة ايزيدية من مناطقهم ألى الموصل، معقل داعش، الى يوم هروبها من مسالخ داعش . كما تم تخصيص فصل كامل لصورها وصور صديقاتها وعائلتها وقريتها ( كوجو ) ومدرستها قبل غزوة داعش . 
تقول الكاتبة الايزيدية نادية مراد : ( ان ربح الكتاب والجوائز أيضا، سيستخدم في انشاء مبادرة خيرية وانسانية تحت مسمى (مبادرة نادية) والتي تهدف إلى استمرار الحملة التي بدأتها قبل عامين من الناحية القانونية لمحاسبة عناصر داعش وتعريف العالم بالإبادة الجماعية وبجرائم داعش، وتقديم الدعم الإنساني والتعليمي والنفسي للناجيات ولضحايا الإبادة والاتجار بالبشر والضحايا في مناطق الصراع والحروب ) . 
( الفتاة الاخيرة تدافع بشجاعة عن حقوق شعبها وتناضل من اجل كسر سلاسل العبودية ) : 
شاركت نادية مراد العالم مأساتها في كتاب جديد بعنوان "الفتاة الأخيرة" لافتة إلى أن الهدف التي تسعى إليه من خلال قصتها هو المطالبة باقتلاع داعش نهائيا، تحكي ( مراد )بمرارة لاتوصف عن احتجازها في مسلخ داعش مع عدد كبير من النساء الإيزيديات اللواتي تم تبادلهن كـ(هدايا) و( غانم الغزوة ) . 
تقول (مراد ): (أن مشاهد وصورإجهاض النساء واغتصاب القاصرات امام عيني وفصل الأطفال الرضع عن أمهاتهم، لن تُمحى من ذاكرتي إلى الأبد ) .
وفي محاولة هروبها الأولى من الاسر، تروي مراد أنها أرتدت النقاب وزحفت إلى خارج الغرفة من النافذة الخلفية لتفلت بجلدها، لكن الحارس المدعو (الحاج سلمان) قبض عليها ووجه لها صفعات على وجهها وقام (بجلدها وضربها )، ثم تعرّضت للاغتصاب الجماعي مرّات عديدة ما تركها في حالة من الألم الجسدي والنّفسي . 
وبعد تلك الحادثة المأساوية ظلت (مراد) مصرة على النجاة بروحها من العبودية الجنسية والتعذيب والإذلال، واستمرت في التخطيط حتى تمكنت من الهروب بعد 3 أشهر من تاريخ اختطافها، قبل تقديمها لرجل كان يخطط لنقلها إلى سوريا . 
كما وثقت ( مراد ) في كتابها، حقائق كثيرة عن المخطوفات الإيزيديات الأخريات اللواتي تحوّلن بين ليلةٍ وضحاها من نساء عاديات إلى (سبايا) لدى التنظيم الإرهابي، وكيف اغتصبهن عناصر التنظيم لتدميرهن وضمان ألا تعشن حياة طبيعية مرة أخرى. 
تقول (مراد)، أن سرد قصتها التي تتحدث بها بكل صراحة، هو أفضل سلاح لديها ضد الإرهاب والارهابيين، كونها تسعى لإستخدامها من أجل محاكمة تنظيم داعش أمام الجنائية الدولية . 

الارقام تتحدث : اكد المديرالعام لشؤون الإيزدية في وزارة الأوقاف بحكومة اقليم كوردستان السيد (خيري بوزاني ) في لقائي معه، اكد وجود اعداد كبيرة من الايزيديين لاسيما من النساء والاطفال في مناطق لا تزال بقبضة داعش، كما كشف عن احدث احصائية للضحايا الإيزديين على يد تنظيم داعش الارهابي منذ( 3 اب 2014 وحتى 28-12-2017 ) وقال السيد( بوزاني) : ( 
1 كان عدد الايزيديين في العراق نحو 550,000 نسمة . 
2 عدد النازحين من جراء غزوة داعش نحو 360,000 نازح . 
3 عدد الشهداء في الايام الاولى من الغزوة 1293 شهيد . 
4 عدد الايتام التي افرزتها الغزوة كما يلي : الايتام من الاب : 1759، الايتام من الام : 407، الايتام من الوالدين: 359، الاطفال الذين والداهم بيد داعش: 220، المجموع الكلي للايتام : 2745 . 
5 عدد المقابر الجماعية المكتشفة في (شنگال )حتى الان( 66 )مقبرة جماعية، إضافة الى العشرات من مواقع المقابر الفردية .
6 عدد المزارات والمراقد الدينية المفجرة من قبل داعش : ( 68 )مزار . 
7 عدد الذين هاجروا الى خارج البلد يقدر بنحو (100.000) ايزيدي . 
8 عدد المختطفين 6417 منهم : الاناث 3547، الذكور 2870
9ـ أعداد الناجيات والناجين من قبضة ارهابيي داعش كالاتي : المجموع : 3244، منهم النساء : 1146، الرجال: 335، الأطفال الإناث: 920، الأطفال الذكور : 843
10ـ عدد الباقين في الاسر المجموع : 3173، منهم الاناث : 1482، الذكور : 1691 ) . 

خلاصة القول وزبدته : انتصرت القديسة نادية مراد بجراءتها وارادتها الفولاذية وسطرت بنضالها المستمر والدؤوب ضد الارهاب والارهابيين القتلة ابرز معاني الكفاح والنضال والتضحية. 
تحية للقدسية نادية مراد التي تحمل رسالة صريحة ضد الارهاب والارهابيين القتلة و تناضل من أجل تصنيف الانتهاكات التي ارتكبت بحق المكون الأيزيديين في العام 2014 في خانة الإبادة اجماعية وتسعى إلى محاكمة تنظيم داعش أمام الجنائية الدولية, كما تناضل من اجل محنة الملايين من ضحايا الاتجار بالبشر، خاصة اللاجئين والنساء والفتيات وتكافح من اجل انتصار الفلسفة التي تضع الإنسان والقيم الإنسانية فوق كل شيء.