منذ أواخر العقد السابع من الالفية الماضية، إجتاحت بلدان المنطقة عموما موجة دينية تميزت بتوجيه إنتقاداتها اللاذعة للنظام الرسمي العربي بصورة خاصة و لنمط الحياة الاجتماعية ـ الثقافية السائدة، ولئن کانت هذه الموجة تسعى لکي تبدو بدثار إصلاحي و بصورة حمل وديع، لکنها کانت بين الفترة و الاخرى تکشف عن وجهها کذئب دموي يسعى لفرض أفکاره و قيمه کأمر واقع على الجميع.

خطاب هذه الموجة الذي کان موجها لشعوب المنطقة، إستخدم الوعظ"الارهابي" إن صح التعبير، فهو کان يسد معظم الطرق على الانسان و لايجعل أمامه من سبيل إلا الخيار الذي المطروح من قبل هذه الموجة، وقد کانت للکتب و المؤلفات المختلفة للداعية المصري"يوسف القرضاوي"، الاب الروحي للأخوان المسلمين، والتي تؤکد على إن"الاسلام السياسي"، هو الحل الوحيد، خصوصا عندما نقرأ کتابيه(الحلول المستوردة و ماجنته على أمتنا)، و(الحل الاسلامي فريضة و ضرورة) فإن القرضاوي لايکتفي برفض کافة الطروحات و الفلسفات الاخرى بل و يضع المسلم أمام مايحدده له، وفي هذا يختلف عنه المرجع الشيعي العراقي الراحل، محمد باقر الصدر، في کتابه فلسفتنا، إذ يدعو للإهتمام بالجوانب الإيجابية من الافکار الانسانية و الاستفادة منها، وهو مايمکن أن نسميه إنفتاحا و سعيا للتواصل مع الآخر، على عکس القرضاوي تماما.

الموجة الدينية التي إعتمدت في خطابها على مجريات الاوضاع في أفغانستان أبان الغزو السوفياتي لها في أواخر السبعينيات أيضا و توظيف الامريکيين للعامل الديني في مواجهتهم و الذي إنقلب وبالا ليس عليهم فقط وانما حتى على المسلمين، وهذا الخطأ الاستراتيجي لأمريکا يجعل من المنطق مطالبتها بتقديم إعتذار لشعوب المنطقة و العالم، فهي من ساعدت على وضع اللبنة الاولى للإرهاب الديني في أفغانستان، لکن الثورة الايرانيةالتي وقعت في ١١ شباط ١٩٧٩، وتمکن التيار الديني المتشدد فيها من السيطرة على مقاليد الامور و القضاء على الاطراف الاخرى أو إقصائها، وجعل من نظرية ولاية الفقيه الاستبدادية الاقصائية أساسا للحکم، وقد إلتقت الموجة الدينية التي کانت سائدة في المنطقة مع النظام الديني في إيران خصوصا بعد إستحواذ الاخوان على الحکم في مصر و سعيهم للإستفادة من التجربة الايرانية ولاسيما من حيث تأسيس جهازا مشابها للحرس الثوري وقد کان الالتقاء أساسا على المراهنة على مبدأ القوة في فرض الامور.

الجمهورية الاسلامية الايرانية التي إستخدمت العامل الديني عموما و الورقة الطائفية خصوصا بصورة ملفتة للنظر و تمکنت من إختراق الامن القومي العربي و ضربه في الصميم وإن إلقاء نظرة على البناء الديموغرافي للشعب العراقي في مناطق ديالى"المحاذية لإيران بشکل خاص" و مناطق في محافظة صلاح الدين و الانبار، وبغداد نفسها، تظهر بوضوح تغييرا واضحا في البناء الديموغرافي في هذه المناطق، من المهم جدا الانتباه الى إنها نجحت بشکل ملفت للنظر في إختراق القوى السنية العربية بل وحتى الکردية في العراق وجعلها تسير بإتجاه و سياق يتناغم و يتناسب مح توجهاتها السياسية و الفکرية.

سقوط نموذج الدولة الدينية الافغاني و کذلك النسخة المصرية للأخوان، کان مترادفا مع صعود و تقدم النموذج الايراني الذي إستطاع بفعل عوامل و دوافع إيرانية و إقليمية و دولية متباينة من أن يرسخ حکمه و يعززه ساعيا من أجل جعل نفسه أمرا واقعا، لکن مايجب أن نأخذه بنظر الاعتبار و الاهمية هو إن النموذج الايراني وفي الوقت الذي کان يسعى فيه حثيثا من إستغلال تدخلاته الاقليمية لفرض نفسه کأمر واقع على المنطقة و العالم و صار واضحا جدا نهجه و اسلوبه المتطرف و دوره في صناعة الارهاب و دعمه وتورطه في أکثر من عملية إرهابية إستهدفت بلدان المنطقة، فإنه وفي نفس الوقت کان يعاني من ترهل فکري ـ سياسي ـ إجتماعي في الداخل، حيث صار واضحا إن الشعب الايراني لم يعد يحبذ الدولة الدينية وقد أکد ذلك بقوة من خلال إنتفاضتين کبيرتين، وولموضوع صلة.