لم يعلم الشعب الايراني عندما إستقبل الخميني القادم من باريس في عام ١٩٧٩، بأن هذا الرجل سيصبح کابوسا مروعا و يجعل من إيران سجنا کبيرا بحيث تصبح الحياة بمثابة جحيم لايطاق، ومن الواضح أن أکثرية الشعب هم نادمون لقيامهم بالتصويت لصالح دستور نظام ولاية الفقيه والذي کان بمثابة قبول بمصادرة حرياتهم في مختلف المجالات.

ماهي الامور الايجابية التي جاء بها النظام الديني الذي أسسه الخميني لکي يتم تفضيله على النظام الملکي الذي سبقه؟ بعد ٤٠ عاما من حکم الجمهورية الاسلامية الايرانية، يبدو أن الاوضاع المزرية على مختلف الاصعدة تتضمن أفضل و أکثر اجابة وضوحا على هذا السؤال، إذ لم تصل الاوضاع في إيران الى ماهي عليه الان من حيث الوخامة کما الحال مع بيع الاطفال و أعضاء الجسد و الفساد الذي بيض وجه نظام الشاه.

عند النظر الى الاوضاع المعيشية للشعب الايراني و التأمل في نظام الرعاية الاجتماعية و الخدمات العامة و برامج و مشاريع التنمية، نجد إن معظمها قد وصلت الى طرق مسدودة و تواجه أزمات عويصة، وأن يعيش أکثر من نصف الشعب الايراني تحت خط الفقر و يکون هناك خمسة ملايين يعانون من مجاعة حقيقية بإعتراف مسؤولين إيرانيين، فإن ذلك يعني إن النظام الديني الذي کان الخميني قد منى به الشعب الايراني و مسلمي العالم من إنه النظام النموذجي الذي سيمنح الامن و الخبز و الحرية للإنسان، صار واضحا فشله وليس عجزه کما يزعمون، خصوصا وإن هذا النظام ولحد الان لايزال يفتقر الى البنى التحتية المناسبة و الاقتصاد المتين الذي يجعله مؤهلا لکي يصبح نظاما نموذجيا يمکن أن يقتدى به.

الاشکالية الاکبر التي واجهت و تواجه النظام الديني الايراني و التي واجهت نظام طالبان أفغانستان و نظام الاخوان في مصر، تتعلق بالحرية، إذ إن تقييد الحرية بالنص الديني من دون تقديم تبريرات مقنعة تتلائم و تتناسب مع روح العصر، مسألة غير مقبولة و غير قابلة للفهم مع الاجيال الشابة الجديدة التي تعيش عصر الانترنت و التقدم العلمي غير المسبوق، ولعل العديد من المشاهد التي رافقت الانتفاضة الاخيرة في إيران حيث قمن فتيات و نساء بنزع حجابهن في أماکن عامة في طهران نفسها، إعلان صريح بعدم تقبل الاسلوب القسري وعدم إستساغته، وإن العجز في مخاطبة الاجيال الجديدة و محاججتها من أجل إقناعها بالطروحات الفکرية للنظام الديني القائم في إيران و الاکتفاء بفرض الطروحات عن طريق قوانين صماء لايمکن مناقشتها أو رفضها، يمثل ذروة العجز و الازمة الفکرية لهذا النظام و من کونه مجرد نظام ديکتاتوري يغني لوحده خارج السرب الانساني، والذي يثير الشفقة على هذا النظام أکثر من اللازم، إنه ومن أجل إستيعابه للأجيال الجديدة و کذلك لحالات الرفض و الانتقادات الموجهة له، طرح مايسميه بالتيار الاصلاحي و المعتدل، لکن المشکلة إن الشعب الايراني بصورة عامة ولانقول الاجيال الشابة فقط، حانق و ساخط على هذا التيار و رفع شعار الموت له الى جانب شعار الموت للمرشد الاعلى للنظام، ولذلك يمکن القول بأن هذا التيار قد ولد في الاساس ميتا وليس في إمکانه تقديم أي شئ للشعب الايراني سوى المزيد من البؤس و الشقاء و الموت البطئ.

الإشکالية الاخرى التي يعيشها النظام الديني في إيران(والذي نتخذه نموذجا لأنه الوحيد الذي إستطاع الاستمرار بسبب أموال البترول) و تجسد ذروة عجزه و فشله، إنه يضع الموت بديلا للحياة لکل من يفکر بمواجهة هذا النظام و السعي لتغييره، وإن قانون المحاربة و الفساد في الارض، والذي تم و يتم تطبيقه على أبناء الشعب الايراني في الالفية الثالثة بعد الميلاد الى الحد الذي تم بواسطه قتل أکثر من ثلاثين ألف سجين سياسي من أنصار و أعضاء منظمة مجاهدي خلق خلال فترة قياسية، لايوجد لهما نظيرا إلا في القرون الوسطى و الغابرة، وإن هکذا قوانين ذهبت مع عصرها لايمکن إحيائها و فرضها على هذا العصر، بل وحتى إن عزل إيران عن العالم والذي هو الآخر أمر صعب جدا في هذا العصر، لايمکن أن يساهم أبدا بفرض هکذا قوانين مجحفة و هکذا نظام فاشل و عاجز و تخنقه الازمات على الشعب.

الدين، أي دين، عندما يتم تسيسه، فإنه يصبح کابوسا للإنسان، لأنه سيدخل سياقا يجعل منه ندا و خصما للإنسان وأسوأ مافي هذه الخصومة، إنها تفرض على الانسان أن يصادر عقله و رٶيته الخاصة للأمور و يجعل من الرٶية الدينية المسيسة بديلا لذلك، وهکذا حالة لايمکن أن تستمر لفترة طويلة، ومخطئ من يعطي للإسلام ميزة أو إستثناءا عن الديانات الاخرى فيدعي بأنها تسمح أو توفر مجالات أرحب و أفضل من الديانات الاخرى، وإن تجارب أفغانستان و مصر و إيران، أکثر من کافية لکي تٶکد هذه الحقيقة. الدين بحد ذاته و بعيدا عن التسييس، مسألة روحية وجدانية تساعد على سمو الانسان و إرتقائه الاخلاقي و النفسي و تمنحه دفقات من الطمأنينة و راحة خاصة لايجدها في أي مجال آخر، لکن وفي حالة تسييس الدين، فإنه يصبح مصدرا للشر و العدوانية و الحقد و الفناء و الکراهية و إقصاء الآخر.