هل نصحو يوماً على إعلان جديد لأبي بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش" الارهابي يعلن فيه قيام كيان ارهابي جديد في منطقة جديدة! هذا أقل ما يمكن استنتاجه من تقرير نشرته مؤخراً صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية وقالت فيه إن الاستخبارات الأمريكية مقتنعة بأن زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي أبو بكر البغدادي ليس على قيد الحياة فحسب بل ويعمل على استراتيجية جديدة طويلة الأمد للتنظيم

نقلت الصحيفة عن مسؤولين استخباراتيين أمريكيين، قولهم أن البغدادي يسعى، على ما يبدو، إلى طرح استراتيجية طويلة الأمد سوف تتيح لتنظيمه البقاء، على الرغم من الانتصار عليه عسكرياً في سوريا والعراق. 

وأكدت الصحيفة أن البغدادي، حسب معطيات استخباراتية، ركّز جهوده في الأشهر الأخيرة على وضع أسس إيديولوجية متينة من أجل حماية التنظيم من الانهيار الكامل رغم تدمير الخلافة المزعومة في سوريا والعراق، كما يقف، على الأرجح، وراء سلسلة رسائل تهدف إلى تسوية الخلافات داخل "داعش".

المسؤولون الاستحبارتيون يحذرون من انسحاب تكتيكي لتنظيم "داعش" من المشهد، وتغيير استراتيجية العمل التنظيمي من "الخلافة" إلى حرب سرية تحت مظلة شبكة ارهابية عالمية جديدة!.

نقلت الصحيفة الأمريكية عن عنصر ينتمى لتنظيم "داعش" اتصلت به عبر الانترنت قوله إن قادة التنظيم قرروا منذ البداية التعويل على تلقين الأطفال والشباب أيديولوجيا التنظيم، وازدادت أهمية هذه المساعي في ظل هزائم "داعش" بالشرق الأوسط، معربا عن قناعة التنظيم بأن فكرة الخلافة ستبقى قائمة حتى إذا انهارت "الدولة الإسلامية"

المعلومات الاستخباراتية الأمريكية تشير إلى أن البغدادي لا يزال حياً، ويقوم بتنسيق عمل التنظيم من أحد آخر المناطق الخاضعة لسيطرته في سوريا، فيما يرى خبراء أن عدم ظهور البغدادي إعلامياً منذ أواخر سبتمبر الماضي لا يدل على مقتله، بل على سعي زعيم "داعش" إلى تخليص التنظيم من التعويل على قادة محددين!

هذا التقرير يثير تساؤلات عديدة أولها: هل فشلت جميع أجهزة الاستخبارات العالمية التي تتحرك وتنشط في سوريا والعراق طيلة السنوات الأخيرة في تعقب زعيم تنظيم "داعش" أم أن هناك نوع من "التفاهم" على الابقاء على حياته حتى الانتهاء من مخطط تقاسم المصالح والنفوذ في سوريا؟ وهل استعصى قائد تنظيم بدائي مهما كانت قدراته الحركية والتنظيمية والتخطيطية على جميع أجهوة الرصد والتعقب والاتصالات التي تديرها الكثير من الدول في سوريا والعراق أم أن هناك ضرورة للابقاء على خطر "داعش" والاستفادة من درس مقتل ابن لادن حيث تفكك التنظيم وانهار عقب غياب زعيمه الروحي عن الساحة؟ 

الأرجح أن ظهور "داعش" وإعلان دولته المزعومة ثم هزيمتها ثم ما نسمعه عن اتفاقات بين النظام السوري والتنظيم حول السماح بخروج عناصره من مناطق محيطة بالعاصمة السورية إلى مناطق أخرى في البلاد، وقبل ذلك اتفاقات معلنة بين التنظيم الارهابي وقوات تركية وميلشيات إيرانية وحزب الله اللبناني ونقل عناصر التنظيم بشاحنات تحت سمع وبصر هذه الميلشيات والقوات التي ذهبت بدعوى استئصال شأفة الارهاب، كل ذلك يدعو للتساؤل ويثير تساؤلات مشروعة حول حقيقة مايحدث في سوريا، وحول علاقات الارهاب المشبوهة بدول وأطراف اقليمية عدة، تدخلت في هذا البلد العربي تحت شعار مكافحة الارهاب، ثم يكتشف الجميع الآن أن لها علاقات غامضة ومشبوهة مع تنظيمات الارهاب.

الارهاب مجرد أداة من أدوات تحقيق المصالح الاستراتيجية للدول، ومن السذاجة التحليلية استبعاد وجود ارتباطات تنظيمية بين الارهاب وبين أجهزة الاستخبارات في دول ومناطق عدة من العالم، ومن السذاجة التسليم بأن هؤلاء الارهابيين يسعون إلى نصرة الاسلام والدفاع عنه، وأنهم يمتلكون أجندة تستهدف صالح المسلمين، فكل قارىء جيد للتاريخ والعلاقات الدولية على مر العصور، يدرك أن هذه التنظيمات المستنسخة ليست سوى أدوات يتم توظيفها لتحقيق مصالح استراتيجية للدول، وأن تحقق هذا المصالح لابد وأن يتم تحت شعارات أيديولوجية براقة مثل الدولة الاسلامية والدفاع عن الاسلام ونصرة المسلمين وتحرير المقدسات وغير ذلك من دعايات براقة تمثل وقوداً لخداع البسطاء وأنصاف المتعلمين، وكذلك الباحثين عن الشهرة والمال والمجد المزعوم!

في ضوء ماسبق ليس بعيداً أن يخرج البغدادي من قبوه معلناً مؤامرة جديدة قد تستهدف بلد جديد، لذا فإن تطهير الجسد الاسلامي والعربي من الفكر المتطرف والارهابيين والمتآمرين الذين يستخدمهم الآخرين في تدمير الدول يمثل أولوية قصوى كي نتخلص من هذا الكابوس إلى الأبد.