دخل "ايناكي اوردانغارين" صهر العاهل الإسباني السجن يوم الاثنين من الأسبوع الماضي بعدما حكم عليه في الاستئناف بالسجن (خمس سنوات وعشرة اشهر) بتهمة اختلاس اموال، في ختام قضية شوهت صورة العائلة الملكية الإسبانية. وكان المسلسل القضائي قد بدأ في مطلع سنوات 2010م فيما كانت إسبانيا غارقة في الازمة الاقتصادية، ما مس بصورة العائلة الملكية. وكانت محكمة اسبانية قد حكمت في البداية على "اوردانغارين" في فبراير 2017م بالسجن "ست سنوات وثلاثة اشهر" بتهمة اختلاسه (مع شريك له) بين عامي 2004م و2006م اعانات قدمت إلى «نوس» المؤسسة غير الربحية التي كان يرأسها. 

ثم خفضت هذه العقوبة بشكل طفيف في الاستئناف امام المحكمة العليا في مدريد إلى السجن "خمس سنوات وعشرة أشهر" ولا يزال امامه امكانية تقديم طعن امام "المحكمة الدستورية". وقبل هذه القضية كان "اوردانغارين" على مدى 14 عاما (من 4 أكتوبر 1997م تاريخ زواجه من الأميرة كريستينا دو بوربون) عضوا من العائلة الملكية يتمتع بكامل الحقوق. إلا انه منذ 12 ديسمبر 2011مأعتبر شخصا غير مرغوب فيه في القصر واستبعد بسبب «سلوك غير نموذجي»، وكان الزوجان يقيمان منذ 2013م بعيدا عن المصورين مع ابنائهما الاربعة في جنيف بسويسرا. منذ صدور الحكم، اكتفى القصر الملكي بالإعراب عن «احترامه المطلق لاستقلالية السلطة القضائية».

دولة القانون أو الدولة القانونية هي كلمة من أصولٍ ألمانية، ويطلق عليها أيضا اسم "دولة الحقوق ودولة العقل"، وهي عبارة عن مفهوم يوضح الفكر القانوني الأوروبي. وتعرّف دولة القانون على أنها الدولة الدستورية التي يتم فيها تقييد ممارسات السلطات الحكومية للقوانين، ويرتبط هذا المفهوم في كثيرٍ من الأحيان بمفهوم (الأنجلو - أميركية) لسيادة القانون. تقتصر سلطة الدولة في دولة القانون على حماية الأفراد فيها من الممارسات التعسفية للسلطة، حيث يتمتع المواطن في ظل هذه الدولة بالحرية المدنية بشكلٍ قانوني، ويتمكن بموجبها من استخدامها في المحاكم. ومن هنا يتضح بأنه لا يمكن لأي دولة التمتع بالديمقراطية والحرية دون أن يكون بها أولا "دولة قانون".

الدولة (حسب تعريف مونتسكيو) هي الإطار القانوني للمجتمع المدني السياسي، لذلك فهي تعتمد في طبيعة عملها على ثلاثة أنواع من السلطات: سلطة تشريعية لسن القوانين، وسلطة تنفيذية متعلقة بحقوق الانسان حيث تسهر على إقرار السلم وتوفير الأمن والحماية للمواطنين، وسلطة قضائية تعمل على الفصل في النزاعات بين الأفراد ومعاقبة الخارجين على القانون، والفصل في الخلاف الذي قد ينشأ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. الغاية من تأسيس الدولة ليس فرض السيادة والنفوذ أو إرهاب الناس، وإنما الغاية الحقيقة من قيامها هي الحرية، وذلك بتحرير الفرد من الخوف وتمتعه بكل حقوقه الطبيعية الفكرية والجسدية بشرط أن يكون مواطنا صالحا وألا يتصرف ضد سلطتها. وهذه الحرية ليست بمعناها المطلق واللامحدود، بل هي الحرية الأخلاقية التي لا تتعارض مع قوانين العقل والأخلاق.

تقوم دولة القانون على سيادة الدستور وضمان الحقوق الدستورية لجميع مواطنيها وسلامتهم، ويعتبر المجتمع المدني شريكا يتساوى مع السلطة التنفيذية في إدارة شؤون الدولة. ومن سمات دولة القانون الفصل الكامل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) للحد من تسلط او تغول بعضها بعضا، وعملها كفريق واحد مترابط لخدمة مواطنيها بعد توفير التوازن والضوابط فيما بينها. دولة القانون هي الدولة التي يتساوى فيها الحاكم والمحكوم، الغني والفقير، وقيمة الانسان فيها تقاس بما يقدمه من اعمال الخير لصالح وطنه وأبناء شعبه.

السؤال: متى نرى مثل هذه الأحكام القضائية تصدر وتنفذ في عالمنا العربي والإسلامي ضد الغارقين في الفساد والمتلاعبين بالمال العام دون حسيب او ورقيب؟