قالت: حدثني عن الحرية!

قال: في غياب الحرية:

يكون الإيمان مزيفاً، والأخلاق ليست نقية، في واقع يسوده توحش العبيد ضد بعضهم البعض.
في غياب الحرية: تتكاثر أشكال المؤمنين الذين يختفي إيمانهم، عدا الإيمان بالقبح والكراهية، و يزداد عدد أشكال الشجعان الذين تختفي بطولاتهم سوى مايعكر صفو الحياة بمكرهم وسوء أخلاقهم.
في غياب الحرية:

تسود أخلاق العبيد.. وتغيب شخصية الإنسان الحر، وتصبح الحياة كالمقبرة:&

المدفون فيها غير قادر على الخروج منها.. والساكن خارجها لايريد الدخول إليها!&
قالت: وهل الحرية الواجبة لكيان سوي.. مطلقة.. أم نسبية؟!

قال: ينعدم وجودالشيء المطلق.. والأمور تقاس بنسبيتها.

ليس هناك واقع حر بنسبة مائة في المائة.. وانما هناك حرية نسبية، وكلما إرتقت في نسبيتها كان الواقع أفضل من الذي يقل عنه.. لكن الحرية التي لا تتعدى نسبتها خمسين في المائة هي حرية ناقصة.. نصفها الآخر استبداد وعبودية.

وما نقص عن ذلك لا يعتبر واقعاً حرا.
قالت: وكيف يكون الحال في واقع مُستَبِد.. لا حرية فيه، كحال واقع الاتحاد السوفيتي سابقا وكذلك العراق ورومانيا.. أيام مراحلهم الإستبدادية مثلا؟!

قال: كان الاتحاد السوفيتي دولة عظمى تملك آلاف الصواريخ النووية القادرة على تدمير العالم، وبسبب انعدام الحرية: تفشى الخوف في الناس فتشوهت أخلاقهم وهبط مستوى العطاء الإبداعي عندهم وتهدم الكيان من الداخل بقنابله الاستبدادية دون تأثير من الخارج.&

الخوف: كالفيروسات التي تهاجم مناعة الجسم لتحيله الى كيان آيل للموت، ومؤشر كبير على انخفاض مستوى الحرية الى حدها الأدنى.

في واقع الإستبداد الخالي من نسبة عالية من كولسترول الحرية النافع: تكون المحكمة فيه.. وكرا للصوص العاملين في ظلمتها بدءا من أصغر موظف الى القضاة.. فرئيس المحكمة.

ويكون المحقق والضابط المناط بهم محاربة الفساد والجريمة والمساعدة في تحقيق العدالة: شركاء في الفساد والجريمة، أما عنوة.. طمعا في رشوة، أو تحت تأثير سلطة فاسدة، أو بسبب الإهمال الناتج عن غياب القوانين العادلة.

حتى البرفسور في الجامعة.. والمعلم في المدرسة.. والطبيب في المستشفى، يخترق عقولهم فساد الاستبداد بسبب الخوف وانعدام الحرية.. فتتحول الجامعة الى مرمى لنفايات العقول المريضة، وتصبح المدرسة معتقلاً لبراءة الطفل ونبوغه المبكر... والمشفى: لا يكون سوى عيادة لانتشار المرض!
قالت: وهل هناك فساد للإستبداد غير الفساد الذي نعرفه؟!

قال: نعم.. حتى واقع الحرية فيه فساد ولكن بنسب قليلة قابلة للفضح والمحاسبة.

أما فساد الإستبداد: فإنه ممنهج يمتهنه القاضي والمعلم ودكتور الجامعة والموظف.. صغيرا كان أم كبيرا.. وهذا ماحدث في رومانيا حتى لحظة شنق تشاوسيسكو وزوجته.. وفي قوة عظمى كالاتحاد السوفيتي... حتى ساعة إنهياره.
قالت: وهل يخلو مايسمى بالواقع الأكثر نسبية في مستوى الحرية كأمريكا والغرب مثلا.. من الفساد والإستبداد؟!

قال: أبدا.. لكن نسبة الفساد في الواقع الأكثر ممارسة للحرية تكون كنسبة حريته.. وبسبب النسبية المرتفعة لحرية الإعلام واستقلال القضاء يسهل كشف فساد الرئيس فمابالك بمن هو أصغر منه.. أما الإستبداد بالسلطة فإنه يكون على مستوى السياسة الخارجية فقط.. حين تمارس القوة غطرستها على الضعفاء في المجتمعات المُستَبَّد بها!

لكن استبداد السلطة يختفي كليا داخل المجتمعات التي تتمتع بنسبة عالية من كولسترول الحرية النافع.

وعندما ينحرف استبداد السلطة الخارجية للدول القوية ذات النسبة العالية لمستوى حرية شعوبها، فإن تلك الشعوب الحرة تقسر السلطة أن تعود الى رشدها وتتوقف عن استبدادها مما ينقذ السلطة نفسها من الإستمرار في استبدادها الخارجي الذي قد يسوقها نحو الغرق.

أي: أن المستوى المرتفع لحرية شعب ينقذ استبداد السلطة كلما أوشكت الدولة أن تغرق.

لو كان سقف الحرية عاليا في دولة الاتحاد السوفيتي العظمى.. ماسقطت بكل سهولة، ولا أحتاج قورباتشوف الى محاولات متأخرة لم تنجح أن تنقذ دولته من الإنهيار، وقد صدق العرب وهم الغارقون منذ قرون في الفساد حين قالوا: وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟!

لكن العرب جديرون بصنع الأمثلة، وفاشلون في تطبيقها أو حتى تصديقها!


قالت: لكنك قلت.. أن الإيمان في غياب الحرية مزيف.. والأخلاق غير نقية.. ماذا تقصد؟

قال: أقصد.. أنه في غياب الحرية يكثر من يدعون الإيمان الحقيقي دون أن يمارسونه وعيا بقلوبهم وعقولهم ( إن أكثرهم لا يعقلون) و( إن أكثرهم لا يؤمنون).. وتسود أخلاق العبيد.. فتجد الناس في أغلبهم وليس بالضرورة كلهم: مشغولين بإيمان بعضهم البعض أكثر من الإيمان بأنفسهم أولا ثم بربهم.. أو يكون الناس ملحدين بالقسر خوفا من قمع سلطة تفرض فكرها أو ايديلوجيتها مثلما حدث في مرحلة المنظومة الشيوعية المدعومة بقوة الاتحاد السوفيتي.

لذلك فالإيمان الحقيقي.. لايكون بالقسر ولا بالخوف ولا بالمال أو السلطة.. وأقدس إيمان: هو الإيمان بالحرية.. التي يترعرع في واقعها الإنسان المحب والمبدع والعاشق للحياة كهدية إلهية ومحطة جميلة ينتقل عبرها الى حياة أجمل.

ففي واقع الحرية: يتعرف الإنسان على ربه بكل قناعة وإيمان دون وسيط أو رقيب.. ويختار الطريقة التي تناسب إيمانه وصدقه مع نفسه كي يكون قريبا الى ربه دون أن يدعي امتلاك الحقيقة و مفاتيح الجنة.. أو يعتقد أنه ملاك وغيره شيطان أخرس.

الأحرار: لا يعشقون الإمتلاك..

أما العبيد: فإنهم يناضلون من أجل أن يتملكون سيدهم عبر الخضوع تحت قدميه.. فيكون السيد: عبداً لجهلهم.. وخنوعهم، ويكونون عبيدا للخوف منه.

وجميعهم عبيد.. السيد والعبد... في واقع تغيب عنه الحرية.. حيث تنشأ العلاقة بين السادي والماسوشي.. كل يمارس استبداده ضد نفسه.. وضد الآخر.

لكن الحرية: كحق إلهي مقدس.. كلما ارتفع عدد اعتناق الناس لها.. كلما ارتفعت نسبة شفائهم من الأمراض الروحية والعقلية.. وأصبح واقعهم صحيا تتعايش فيه الأنفس.. ولا تؤمن بغير الله إلها،

وتكون المعرفة الخالية من زيف وخرافة: مُلهماً.. ودليلاً يقودهم نحو النجاة من الجهل المؤسس.. والمقدس..والمركب!
قالت: ومن المسؤول الأول عن غياب الحرية.. وفساد الأخلاق وزيف الإيمان؟!

قال: العبيد.. أنفسهم، لأنهم أعداء الحرية.

هم: من يصنعون المستبد.. حتى لو كان إنساناً شريفا... لعبدوه كي يستبد بهم.

أخلاق العبيد: لا تتلاءم وأجواء الحرية.. ودائما: الإستبداد دينهم.. والمستبد ربهم.. والجمال والحق والعدالة: أخطر أعدائهم!!

&salam131 @hotmail.com