انطلقت الحرب ضد الإرهاب عالمياً عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر&2001، والآن وبعد مرور&17&عاماً على هذه الجريمة الإرهابية التي نفذها تنظيم&"القاعدة"، فإن الإرهاب لا يزال يمثل التهديد الأكثر خطورة عالمياً، ما يثير تساؤلات حول فاعلية الاستراتيجيات المستخدمة في التصدي لهذا التهديد الاستراتيجي.

من خلال استعراض مسيرة الأعوام الطويلة الماضية في الحرب ضد الإرهاب نلحظ أن هناك أخطاء وثغرات لا تزال تعرقل فاعلية الجهود الدولية المبذولة على هذا الصعيد، أول هذه الثغرات والأخطاء الخلط بين الإسلام والإرهاب في الغرب، حيث تسبب هذا الخلط في فقدان تعاطف شريحة كبيرة من المسلمين وضمهم للجهود الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب، كما وفر هذا الخلط الذرائع لتنظيمات الإرهاب التي استخدمت الكثير مما يتردد في الغرب من اساءات ضد الإسلام في ترويج الفكر المتطرف وكسب متعاطفين ومواصلة كسب متعاطفين وأنصار لمخططاتها الاجرامية.

إحدى الإشكاليات في هذا الخلط تتمثل في التوظيف السياسي للحرب ضد الإرهاب، حيث استغلت تيارات اليمين المتطرف في الغرب أجواء مابعد الحادي عشر من سبتمبر في نشر العداء ضد الإسلام والمسلمين، واستغلت عدوانية تنظيمات الإرهاب المحسوبة على الإسلام في الإساءة إلى هذا الدين الحنيف ونحو أكثر من مليار ونصف من أتباعه، ما تسبب في تنامي ظاهرة&"الإسلاموفوبيا"&في الغرب وتدهور جهود الاندماج التي تبذلها الدول من أجل تعزيز ولاء المواطنين المسلمين في الغرب لدولهم، كما فتح الباب أمام استغلال تنظيم&"داعش"&الإرهابي للكثير من أبناء الجيلين الثاني والثالث من أبناء المهاجرين المسلمين في الغرب، ونشر الفكر المتطرف بين بعضهم وجذب البعض الآخر للقتال إلى جانب التنظيم في العراق وسوريا.

هناك أيضاً ثغرات تتعلق بالإطار القانوني الدولي للحرب ضد الإرهاب حيث أخفقت كل الجهود التي بذلت حتى الآن في التوصل إلى توصيف مفاهيمي يحظى باجماع دولي حول ظاهرة الارهاب، وذلك بسبب الخلط بين أمور كثيرة، فضلاً عن وجود مصالح واهداف لبعض الدول الممولة للإرهاب، حيث تعمل هذه الدول على حماية بعض الفصائل والتنظيمات والجماعات وإبعادها عن خطر الملاحقة الدولية عبر اثارة الجدل حول ارتباط هذه التنظيمات والجماعات بالإرهاب رغم الدلائل والقرائن التي تثبت ذلك!&الأمر يتعلق أيضاً بأهداف ومصالح بعض الدول الغربية التي لا تزال تتردد في تحديد ماهية بعض التنظيمات والجماعات الإرهابية وإدراجها ضمن قوائم الإرهاب سواء لتغلغل هذه التنظيمات والجماعات في داخل هذه الدولة وامتلاكها تأثيراً على صنع القرار، أو لأن هذه الدول ترى مصالح لها مع هذه التنظيمات والجماعات على المدى البعيد، بحيث تستخدمها كورقة ضغط وقت اللزوم ضد الدول والأنظمة الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط تحديداً.

هناك أيضا العلاقات المشبوهة بين بعض الدول وتنظيمات الإرهاب، حيث بات من الثابت أن هناك من يستخدم هذه التنظيمات في خوض حروب بالوكالة في دول أخرى، وهناك علاقات تمويل وتسليح لم تعد خافية على المتخصصين في هذا الشأن، وهي أمور تحد من فاعلية أي جهد دولي لمكافحة الإرهاب وتجعل من الحرب ضد هذه الظاهرة الخطيرة مسألة مشكوك في فاعليتها.

على صعيد العالمين العربي والإسلامي، هناك جهود كبيرة بذلت في الحرب ضد الإرهاب، وهناك دول تخوض هذه الحرب بفاعلية على الصعيد الأمني والعسكري، ولكن هناك بالمقابل ضعف واضح على صعيد المجابهة الفكرية والثقافية والدينية للفكر المتطرف، فلم تكن الجهود المبذولة لاستئصال الفكر المتطرف على الصعد الفكر والتعليمية والتوعوية بنفس فاعلية نظيرتها على الصعيد الأمني والعسكري، حيث استغرقت الدوائر الفكرية في التنظير كثيراً، ولا تزال تجادل في جذور الظاهرة وتفرعاتها وتشابكاتها ولم تنتقل بعد إلى تحديد آليات العلاج واستئصال التطرف مجتمعياً، واكتفت الكثير من النخب والمعنيين بما يدور في أروقة المؤتمرات والندوات والمحاضرات وبما يدور في وسائل الاعلام من دون ترجمة الأفكار والمقترحات المتداولة في هذه الأروقة إلى خطط عمل واستراتيجيات لتنقية الخطاب الديني واستئصال التطرف من المناهج الدراسية!