التطرف والاعتدال مفهومان نسبيان يثيران جدلا مستمرا في تاريخ الفكر الفلسفي بدءا من أفلاطون الذي رأى في الاعتدال وسطا ذهبيا. الاعتدال في اللغة معناه: التوسط والتوازن في التفكير والعمل والسلوك، وعكس الاعتدال هو التطرف والغلو والتشدد وسائر النقائص المتعارضة مع مفهوم الاعتدال. يقول عالم&الاجتماعالأمريكي&إريك هوفر:&"المتطرف الحقيقي هو من يدعي انه يملك الحقيقة المطلقة ولا يقبل بنسبية الحقيقة الاجتماعية، وهو احادي التفكير لا يقبل التعددية، ويرى ان القضية التي يطرحها مقدسة بغض النظر عن اراء الاخرين، ومن ثم هو فهو يملك حق الوصاية عليهم".&

وإذا تتبعنا جذور التطرف في تاريخنا العربي والإسلامي فإن الخوارج مثلوا اول تطرف ديني سياسي ضد غيرهم،&إذ لم يكتفوا بالخلاف السياسي وتكفيرهم للخليفة الراشدي "الإمام علي" بل استحلوا دماء المسلمين واموالهم. إن ما يشهده الواقع العربي والإسلامي في الوقت الحاضر من احداث وتطورات&خطيرة ناتج عن انهيار قيم التسامح والاعتدال، واستشراء التطرف والغلو في الدين والسياسة، ولا يمكن الخروج من هذا النفق المظلم إلا بإعادة الاعتبار الى الفريضة الغائبة في المجتمعات العربية&والإسلامية&وهي فريضة&"الاعتدال والتواصل"&الإنساني المتنوع والمتعدد.

الاعتدال هو طريق إجلاء الحقائق والوصول الى صيغ لتفعيل المشترك الإنساني، وسبيلنا للحفاظ على مكتسبات الأمة والوطن. الاعتدال هو مفهوم ديني واجتماعي لا يستقيم الكون ولا تنضبط الحياة البشرية إلا بتفعيله والعمل به. قال تعالى: " وكذلك&جعلناكم أمة وسطا&لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا".

الشعوب المتحضرة&في الدول الديمقراطية لم تنعم بالاستقرار السياسي والاجتماعي والتطور العلمي والاقتصادي إلا لأنهم اخذوا بمنهج الاعتدال الفكري&والسياسي&وطبقوه على كل ما يرتبط بشؤون حياتهم ومجتمعاتهم. لقد عانت الشعوب العربية والإسلامية في الماضي ولا زالت تعاني في الحاضر من العنف&والعنف المضاد&والتطرف والقتل المجاني بسبب التطرف والتعصب وسوء الظن والنزعة&الاستبدادية&والعقلية المتحجرة.

تبدو مفاهيم ومصطلحات من قبيل&التطرف&والاعتدال واضحة ومحددة في الثقافة الغربية، لكن لا يمكن اقتباسها في&ثقافة&العالمين العربي والإسلامي&إلا باقتباس الفلسفة والفكرة المنشئة لها، إذ تبدو لدى فهمها في الخطاب الإسلامي السائد أو المتبع مختلفة اختلافا كبيرا،&وعليه&تحتاج إلى خطاب إسلامي جديد أو مختلف يستوعبها ويطبقها على النحو الذي تعمل فيه في بلاد المنشأ.

والمؤكد عند علماء الاجتماع منذ بداية الخلق&وحتى يومنا هذا&ان التطرف والتعصب يفسدان&كل دين سماوي&وكل&فكر انساني وينحرفان&بهما عن اهدافهما السامية، وما طغى التطرف والتعصب والغلو في أمة إلا قطع اوصالها ودمرها.&الاعتدال&هو سلاحنا للقضاء على هذا المسلسل الدامي والقاتل، وهو سبيلنا الى التطور والتجديد وصولا الى دينامية سياسية وفكرية واجتماعية جديدة تتجه صوب التطلعات الكبرى للوطن والأمة.

ومن وصايا الحكيم "لقمان"&لابنه&قوله له: "يا بني، كذب من قال إن الشر بالشر يطفأ، فإن كان صادقا فليوقد نارين ولينظر هل تطفئ&أحدهما&الأخرى، بل يطفئ الخير الشر كما يطفئ الماء النار". &