أقصد بالكهنوت هنا، كهنوت العالم الاسلامي الذي سار على درب كهنوت عصور الظلام المسيحية قرونا بعد أن تمرد العقل الغربي على عصور الظلام وخلع جلباب الخرافة الذي غلف عقله قرونا من الزمن في عصر كان يُكفَّر فيه العالم والمفكر والفلسوف كي يظل العقل أسير الظلمة وأربابها. فأعلن الانسان الغربي أن الدين لله وأن الأوطان والحرية حق إلهي للجميع، لا يمنحه مشعوذ ولا مسيطر بإسم الله.&

تحرر الإنسان الغربي من عقد التاريخ وقيود العبودية ليطلق العقل حراً في فضاء العلم والمعرفة، حتى تفجرت تحت أشعته بحور العلوم، وغزا الانسان بخياله الفضاء، وبخس الكثير من أسرار الحياة.&

والفرق بين كهنوت عصور الظلام المسيحية وكهنوت الظلام الإسلامي، أن الانسان الغربي خلع رداء ظلمته بنفسه وكفر بكهنوته، أما الإنسان الشرقي فبرغم موت كهنوته لايزال متمسكاً بذكريات ظلامه ومظلميه ويرفض الإنعتاق من قيده الذي أورث له الخوف والتخلف.

فعندما يستمد العقل نوره بإرادته، ويقهر الشر المتفشي في ثقافته، فإنه من الطبيعي أن تتجلى صورة الحق الحقيقي أمام مخيلته قبل أن يجعل من المستحيل حقيقة فيرى وجه الله في كل ومضة تخرج من عقله بفعل إرادته وليس بفعل فكرة يقسرها أمرٌ خارج عن إرادة ذلك العقل الذي وهبه الله الحرية ليفكر متجردا من كل القيود. ويتسلل الإيمان الحقيقي الى قلبه المؤمن نورا قادما من عقله الذي تحرر من مسلمات الخرافة فاستلهم الفكر الذي ينير له الدروب المظلمة والموصدة نوافذها وأبوابها أمام نسائم صباحات العقل في ظل كهنوت بشري يدعي الوكالة نيابة عن الخالق.

والحرية، مصدر وجوهر كل نور يكشف سرائر النفس قبل سبر أغوار الكون.

وفي غياب الحرية قد يموت الكهنوت ولا يموت فعله الراسخ في عقول أدمنت الخوف من الركوب فوق ظهور الأشعة، ولأن الحرية أيضاً مصدر كل فعل أخلاقي عظيم وبدونها لا يكون للأخلاق وجود حقيقي فتنتفي صفة الإنسان الحر الذي بإنعدامه تنتفي حقيقة الإيمان الصادق.

قد يخلط البعض بين فكرة الكهنوت الاسلامي وبين الدين الاسلامي ذاته، أو بين الكهنوت المسيحي وبين الدين المسيحي. ليجعل من الفكرة الأسمى،أي الإيمان المتجرد من عبودية لغير الله والمتجرد من قداسة حق غير (الحرية ) مجرد سبب لتسطيح العقل وليضع الحوار والفكرة في فخ القيود ليتم تدويرها وإعادتها للعقل الذي سلبت إرادته فلا يخرج من شرنقته.

بينما المقصود هنا، بموت الكهنوت الإسلامي، هو موت مسلمات الخرافة التي علقت بعقل ووجدان الإنسان المسلم قرونا طويلة حتى جعلت من ذلك الإنسان جسداً بلا روح أو عقل، يدور في فلك عقول كهنوتية سلبت من وجدانه عاطفة التذوق لكل شيء جميل، وعطلت في عقله ملكة التفكر الحر، حتى أصبح كالآلة التي تؤدي أدواراً ولا تنتفع بها، وأغلب من ينتفع من تلك الآلة صانعها الذي يمارس قهره عليها دون أن تبوح أو تشتكي.

وبفعل حضارة العقل الغربي، ذلك العقل الناتج عن ثورته ضد كهنوته المسيحي منذ خمسة قرون، نشهد موت الكهنوت المتأسلم. لكن العقل المسلم لا يستفيد من تلك الفرصة العظيمة التي تسنح له كي يخرج من عباءة موته.&

فبرغم ما تقدمه الحضارة الحديثة التي لم يصنعها العقل الشرقي، من أدوات ووسائل وأشعة، كي يخرج حياً من موته، إلا أنه بفعل إدمانه لمخدر الكهنوت الذي استوطن في خلايا فكره وثقافته وعاطفته، يرفض أن يخرج ليرى النور الحقيقي متجلياً بكل صوره العظيمة حين يتمرد العقل على قسره وخوفه فيرى الله الحقيقي وليس الله الكهنوتي.

الكهنوت الإسلاموي أصبح في ذمة التاريخ ولم يعد حياً سوى كخرافة في عقل لم يتذوق طعم التفكر الخالي من شعوذة.

والمتمسك بخيوط الكهنوت،ميت أيضا، يسير في كفنه وسط عالمه الذي يعتقد أنه عالم حي وقد فارق الحياة.

فهذا العصر الذي ربط القارات بضغطة زر جهاز صغير وجعل من وسائل التواصل مايقرب البعيد القابع خلف آلاف الأميال لتصل صورته في غمضة عين وانتباهتها : هو عصر لا مكان فيه لمنتج الكهنوت، ولا حياة لمن تنادي وعقله قد مات في بحور الظلمة والخرافة والشعوذة.

وما على الانسان الشرقي الذي يظن أنه لايزال فيه شيء من حياة، إلا أن يمتطي صهوة عقله وينطلق في رحاب التفكر،

وأن يدرك أنه لا إله له سوى الله الذي قال له : أفلا يعقلون..؟!

أفلا يتفكرون..؟!

أفلا يتدبرون..؟!

لأن استخدام العقل فعل ضد ارادة الكهنوت وخروج عن تعاليمه،

والتفكر آلية لاستخدام العقل بدون قيود،

والتدبر مراجعة لكل النتائج المترتبة عن استخدام العقل بآلية التفكر.

وحين يتفكر الانسان ويتدبر متجرداً من كل المسلمات العالقة في خلايا ذهنه المبرمج مسبقاً بشيء من خرافة : سيرى الحقيقة ماثلة أمامه بشكلها النسبي، ومعها سيرى عظمة الله تتجلى في عظمة العقل وقداسة الحرية!

أي أنه، لا شيء أعظم من عقل يفكر بدون قيود، ولا حق أقدس من الحرية!!

مات الكهنوت الاسلامي.. فمتى يولد الانسان المسلم؟!

متى ينبعث عبد الله.. ويختفي عبد الخرافة؟!

متى يختفي عبد القيد.. ويولد إنسان الحرية؟!


salam131 @hotmail.com