بعد النتائج التي تمخضت عنها انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، لم يعد هناك أدنى شك في أن أحزاب اليمين المتطرف&الأوربية&في تصاعد مستمروفي نجاحات انتخابية متوالية، من المؤكد أنها ستترك بصمتها على&فضاء السياسة الأوربية قريبا.

في ألمانيا كان الرابح الأكبر في تلك الانتخابات حزب الخضر والليبراليين الأحرار،&أما حزب البديل اليميني المتطرف فقد حقق أيضا نجاحا نسبيا،وجاء كل ذلك على&حساب اليسار والمحافظين &الذين استمروا في الخسارة.

في فرنسا وانجلترا وإيطاليا كانت نسبة نجاح أحزاب اليمين&اكثر بكثير من ألمانيا، فقد تصدر&التجمع الوطني بفرنسا وحزب الرابطة بإيطاليا وحزب بريكسيت في بريطانيا&والقوميون المناهضون للهجرة في المجر بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان تقدما كبيرا،&مما يعطي الانطباع بأن أوربا في طريقها للتغيير، وهو ما دعا قادة تلك الأحزاب إلى الدعوة إلى انتخابات برلمانية عاجلة في بلدانهم.

المراقبون للشأن الأوربي لم تفاجئهم تلك النتيجة، &فهم يعرفون أن التقدم اليميني المتطرف في الساحة البرلمانية والحزبية الأوربية ليس وليد اليوم،&إنما بدأ&مع فشل الحكومات الأوربية في حل مشاكل&القارة المزمنة،&خاصة قضيتي الهجرة واللجوء، ومن ثم ترك الساحة الأوروبية&خالية لأحزاب اليمين المتطرف للمتاجرة السياسية بتلك القضايا وتحقيق النجاحات السياسية المتوالية.

لا شك أن اليمين المتطرف الأوروبي كان محظوظا باعتلاء ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد وجدوا مساندة من اكبر وأقوى&دولة لتيارهم المتشدد حيال الأجانب واللاجئين،&لقد كانوا سعداء بنجاح ترامب،وكانوا أول من هنأ دونالد ترامب بفوزه بمنصب الرئاسة.

ما أفرزته الانتخابات الأوربية يمكن النظر إليه من منطلق أن هناك&إتجاها عالميا الآن تغذيه الولايات المتحدة &يتمثل في وضع أو تشكيل خريطة جديدة للعالم، لكن هذه المرة ستكون ببصمة عنصرية، تتضاءل فيها حقوق الإنسان، وتزداد فيها الفواصل بين أجناس البشر، وتقوى&أحزاب اليمين المتطرف، وقد يكون من نتيجتها أن المتطرفين سيحكمون فيها مزيدا من دول العالم، وسيتم سحق الباحثين عن فرص للعيش في أوروبا أو أمريكا،&

في ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا، &لم يتوقف زعماء أحزاب اليمين في دعوة الناخبين الأوربيين إلي اقتفاء&أثر الأمريكيين في التصويت لأحزابهم&وقدتنبأ"&جان&ماري لوبان"&العنصري&المتطرف&بذلك&بعد فوز ترامب عندما قال"اليوم في الولايات&المتحدة&وغدا&في فرنسا."

لا يشك أحد في أن ذلك النوع من الخطابات الشعبوية التي تحض على الكراهية والانقسامات تلعب دورا كبيرا في تغير المزاج الانتخابي الشعبي،الذي يخاف بشدة من الغرباء الذين وفدوا إلى بلادهم باعتبار أنهم أتوا لمزاحمته في باب الرزق والعمل.

هذا المناخ المسموم الذي خلقه اليمين المتطرف من قبل ساعد في نجاح العنصريين دائما، كما أنه& أشعل الخطاب العنصري الذي أصبح يلعب دورا في تشكيل الرأي العام في أوربا تحت مسمى االشعبويىة& والقومية، وهى عبارات تدغدغ عواطف الناس لضمان تأيديهم، &خاصة عندما تركز على الإيمان بالعرق ونبذ المختلف،&& فساعد ذلك كثيرا على الانشقاق والاضطهاد، &وسادت روح العنصرية، &وأصبحت روتينا يوميا نشاهده في مختلف أوجه الحياة اليومية الغربية.

الاضطرابات&الاقتصادية والأزمات المالية هي أيضا من&أكثر الأشياء&&التي تلعب دورا في تغير&مزاج الناس، فالأحزاب&اليمينية&في أوروبا تستغلها في كسب الأصوات&لمؤيديها&في الانتخابات تحت زريعة أن&المهاجرين&واللاجئين اضروا بالاقتصاد&الأوروبي،&وهذا قد يساعد في الإجابة علي&السؤال&الحائر بين الناس الآن:&لماذا&إذن ينجح المتشددون؟ والإجابة&إنها&بالتأكيد الأوضاعالاقتصادية&المتردية والخطاب الشعبوي&الذي&يشدد علي أن أوربا للأوربيين&،إنها نفس الأجواء التي سبقت الحرب العالمية&الثانية&فقد كان هتلر ينتهج نفس الخطاب&الانتقامي&لتعويض&الخسائر التي&تكبدتها&ألمانيا&في الحرب العالمية الأولى، وسوء&تردي&الأوضاع&الاقتصادية&بسبب&التكاليف الباهظة للحرب، وإبرام&معاهدة&فيرساي، والكساد&الاقتصادي&العالمي&.&

هل يأتي عنصريون أوروبيون إلي سدة الحكم كما حدث في الولايات المتحدة؟ وهل تشهد دول أوربية نفس السيناريو الذي أتى&بترامب؟ &لا شك أن&السنوات التي سبقت بزوغ نجم ترامب ووصوله إلى سدة الحكم كانت قد مهدت لها حالة عدم الاستقرار الدولي، وحالات اليأس التي انتابت الناس من النخب السياسية والاقتصادية، &التي فشلت في حل&مشاكل العالم وأزماته المتلاحقة،& فالقارة الأوروبية ما زالت تغلي وتتخبط بسبب مشكلة تدفق اللاجئين ومشاكل القارة الداخلية كشبح الإفلاس الذي يهدد اليونان وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووصول الإرهاب&الداعشي إلى قلب القارة، &كل ذلك قابله تطرف مضاد أسفر عن تأسيس عدة حركات يمينية متطرفة، &استطاعت فيما بعد دفع ممثلين لها إلى مقاعد السلطة عبر صناديق الاقتراع بعد أن نجحت في تكوين رصيد شعبي ساعدها في ذلك.

ليس غريبا إذن أن نقارن& أجواء أوربا الآن &بأجواء الحقبة النازية &التي سبقت وصول هتلر إلى سدة الحكم مستشارا لألمانيا &عام 1933، &فقد كان -خطابه عنصريا يركز على الجنس الأري وتفوق العرق الألماني مما متعه بشعبية طاغية أوصلته بطريق ديمقراطي إلى للحكم، بعدها قوض هذا النظام وحوله إلى نظام ديكتاتوري يعصف بالمعارضين ويقيد الحريات العامة ويفرض الرقابة على الناس، &حتى انتهي نهاية درامية &بنهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945& بعد أن شهد العالم اكبر خسارة بشرية عرفها الكون حتي الآن،& مات فيه اكثر من& 51مليون من البشر، أي تقريبا 2% من عدد سكان العالم في ذلك الوقت.

لا أحد يتفاءل بمستقبل هذا العالم في ظل جنون هؤلاء الحكام وتلك الأحزاب المتطرفة، غير أن الشعوب وحدها هي القادرة علي إدراك الحقيقة ومن ثم التغير إلى الأفضل حتي وان كان قد تم التلاعب بها من اجل المصالح الحزبية.