النسوية ليست مذهبا دينيا، ولا حزبا سياسيا،& ليست عصيانا للمجتمع ولا انقلابا على القيم.&

و الخائفون من النسوية لا يجيدون قرائتها ولا يفهمون مكمن قوتها.&

صحيح أن الحركات النسائية مؤثرة في العالم. فهي تصنع التغيير و تثير الجدل حول المسلمات و تحدث حراكا سياسيا و فكريا و اقتصاديا، و كأنها صوت يصدر من الصمت و الغياب و من حيث لا يعلمون. لكن السر الكبير وراء كل هذا هو قوة& المرأة نفسها، تلك القوة الطبيعية التي اكتسبتها منذ وجودها الأول.&

و حتى نفهم الأمر بشكل أكثر وضوحا علينا أن لا نفصله عن سياقه الزمني، فأسلافنا في الأزمنة السحيقة كانوا يقدسون المرأة و يعتبرونها مصدر الحياة و المحبة و الخصب و الحليب و الانبعاث، فنشأت& الأسرة البشرية& أسرة أمومية لا أبوية، كان الأطفال يحملون أسماء امهاتهم حيث العلاقة بالأم علاقة طبيعية تبدأ منذ لحظة التكوين و تستمر بالملامسة و الرضاعة و الرعاية، بينما تتشكل العلاقة مع الأب لاحقا كأحد الأنماط& الاجتماعية&.&

هذا الانبهار بالمرأة جعلها الأكثر استحقاقا للسيادة في المنزل و البلاط و المعبد& فكانت الآلهات إناثا و الملكات إناثا و لم يظهر الذكور وفقا لمعظم الدراسات الميثولوجية& إلا متأخرين. و لكن هذا لا يعني أن الرجل في ذلك العصر كان مجرد تابع ضعيف&.& إلا أنه لم ينازع المرأة هذه المكانة تقديرا و احتراما لها و اعترافا بقدسية وجودها.& بل و يذكر أن رجال تلك المرحلة كانوا أكثر عزة و انفة و فروسية من رجال العصر الذكوري البطريركي، كما وصف ذلك أرسطو في كتابه (السياسة) بقوله أن أغلب الشعوب العسكرية الميالة للقتال هي شعوب منقادة للنساء.&

تلا ذلك انقلابا ذكوريا على المجتمع و استمر هذا الانقلاب يتشكل في القوالب السوسيولوجية& و الأيديولوجية حتى يومنا هذا.&

و في كتابه ( لغز عشتار ) يذكر فراس السواح أن حرمان المرأة من حقوقها السياسية و المدنية بدأ مبكرا عند جذور التاريخ الإغريقي.&

و بالطبع لم يمر كل هذا دون مقاومة فمنذ& ذلك الزمن البعيد نشأت الحركات النسائية& و في كل عصر& كانت قضيتها مختلفة باختلاف العصر و متطلباته و تشريعاته.

نستنتج إذا& أن النسوية كفكرة تأتي ضمن تجربة إنسانية كبرى تهدف لإعطاء المرأة مكانا طبيعيا يناسب تأثيرها.&

بل إنني أكاد أن اجزم بأن أكبر كارثة حلت على الإنسانية كانت اقصاء المرأة و اعتبارها مصدرا للفتنة و الخطيئة. لقد انتهكت هذه الفكرة بالذات التوازن الطبيعي في النوع البشري.&

و لأن النسوية فكرة حقوقية في جل جوانبها فإن كثيرا من الرجال& يتبنونها و يناضلون لأجلها مما ينفي تماما عنصرية النسوية او مناوئتها للرجل.&

و الواقع إن النسوية السعودية& ليست عريقة جدا&، و لكنها مؤثرة جدا إذ ارتبطت بفكرة العدالة و الانعتاق من التطرف و انسجمت مطالبها مع شكل المجتمع العصري الذي يراهن عليه الجميع لتحقيق التنمية و الازدهار.&

وأخيرا، أقول لمن يحاولون النيل من النسوية أعيدوا النظر في مواقفكم في ضوء قراءة واعية للتاريخ القديم و الحديث، فالمرأة لا تختصر و الحركات النسائية لا تقهر بل انها تدريجيا تحظى بمباركة المجتمع و صناع القرار.