يَذهب الكثيرون في اعتقادهم بان تفتيت الاتحاد السوفياتي عام 1991 كان لِصالح منافستهم أمريكا وبريطانيا بشكل خاص ، والغرب بشكل عام ، إضعاف الخصم دائماً هو فوز كبير للطرف الأخر، أكان ما جرى تفتيتاً لقوى عظمى ام اسقاطاً ام رمياً لثقلِ كبير حتى تستطيع السفينة الابحار بسهولة والوصول لبر الامان ؟

الجواب تقدمهُ قوة روسيا الحالية في الشرق الاوسط ، لم يكن الاتحاد السوفياتي دولة مبنية على القوميةلتحافظ على وحدة اراضيها ، بل كانت دولة شيوعية اشتراكية مبنية على الفلسفة العميقة البسيطة في آن معاً ، رمت العاصمة موسكو جميع حمولتها الثقيلة عن كاهلها امام عجزها الاقتصادي ، برميها لتلك الجمهوريات المتحدة معها استطاعت اعادة توازن سيرها في خارطة العالم ، عادت اقوى من قبل ، وتحدت العالم برمته من خلال سلاحِها القانوني "الفيتو" ، ومن خلال سلاحها العسكري النووي ، هو ذاك العجز الاقتصادي الذي واجهته دمشق من خلال العقوبات المفروضة عليها من قِبل المجتمع الدولي منذ بداية الثورة اواخر عام 2011، رمت دمشق ثقلها في كردستان سوريا للأكراد مدركةِ ان هناك من سيمنع قيام كيانهم القومي في اية لحظة " نظام ولاية الفقيه ونظام اردوغان الاسلامي المتشدد " ، احتفظت بكل ما تملك داخل العاصمة دمشق وما حولها وصولا الى حضنها الدافئ الساحل العلوي "الروسي" ، واصبحت صاحبة القرار في اي تسوية سياسية مقبلة ، تملك سيادة الدولة من خلالالاعتراف الاممي لها بانها ما زالت دولة ذات سيادة ، وتملك الترسانة النووية الروسية بعد ان استطاعت موسكو من خلال اسرائيل تدمير مفاعلها النووية ومن خلال القانون الدولي نزع اسلحتها الكيمياوية واضعافها ووضعها تحت الوصاية ، وهو نفس الحال لما جرى في العراق ، اسقاط النظام الديكتاتوري البعثي عام 2003 وتدمير الجيش العراقي واعطاء الاكراد الحرية المزيفة بانهم باتو على وشك اعلان دولتهم ، ما لبث ان أخرجوا الامريكان من غرفة القيادة وعادت ايران حليفة روسيا لاستملاك العراق وإعادة الكرد الى ما قبل 2003 وكأن شيئاً لم يكن ، وهو حال الاكراد في سوريا بعد ان تدخلت تركيا في احتلال عفرين واربكت قواعد اللعبة ليبدأ الكرد من البداية كأن شيئاًلم يكن .

استطاعت روسيا ومن خلال الضوء الاخضر من اليهود " أصحاب القوة الاقتصادية العالمية " ان تستملك ثلاثة مفاتيح للسيطرة على الشرق الاوسط ، احتضنت نظام ولاية الفقيه وأخرجت القوات الامريكية والبريطانية من العراق من خلال تكثيف الهجمات الارهابية عليهم الاتية من خلال السيارات المفخخة الداخلة عبر الاراضي السورية بالإضافة لجميع العناصر الارهابية وتسليم حكومة بغداد لطهران ، وبعد تمدد ولاية الفقيه بتوسيع إمبراطورتيه وربطها مع سوريا ولبنان وتمرده على الدب الروسي ، احتضن الروس نظام الاسلام المتشدد من خلال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وادخلتهم الى سوريا كمواجهة وتنافس على السلطة والنفوذ بينها وبين ايران ، واربكت الامريكان ايضاً حيث اصبحت الاخيرة في حالة خوف وهلع ان تفتح تركيا باب الارهابيين والمتطرفين للهجوم على قواعدها المتواجدة في سوريا وهو ما ادى الى خروج الرئيس الامريكي دونالد ترامب بتصريح مفاجئ عن انسحاب قريب لقواته من سوريا .

مهما خَسِرت دمشق حدوداً من الشمال حتى الجنوب فلن يُضعفها ذلك في شيء طالما انها بوابة الامان لإسرائيل ، ونافذة الهلال الشيعي للبنان ، وشاطئ الأمان "قانونياً" لروسيا من خلال التعاقد بين البلدين ببقائها الى اجل غير مسمى في البحر الابيض المتوسط ، ومن خلال هذه التقسيمات اصبح الكرد والعرب وقود تفاهمات مستقبلية او تنافسات عسكرية ، لا يوجد لهم بدءاً من ايران وصولا الى لبنان اية حقوق على الارض ، المنطقة بركان " شيعي متطرف " – سني متطرف متشدد " ، عملياً الحرب العالمية ابتدأت منذ عدة اعوام ومستمرة يتخللها هدنات غير معلنة ، امام المجتمع الدولي مهام انسانية واجب عليه التحرك دون قيد او شرط لمنع الزلزال الذي يستهدف الوجود الانساني للكرد والعرب ولن يسلم منه الخليج وحتى الغرب ايضاً، وامام الكرد والعرب طاولة حوار مبنية على اسس التفاهم والمصالح المشتركة في المرحلة المقبلة قبل ان تصبح دمِاء أبنائهم وقوداً لخارطة روسيا وتركيا وايران . 

كاتب وباحث سياسي كردي