قرأت مقتطفات من كلمة لرئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني خلال افتتاحه لمعرض للمساعدات الإنسانية أقامه الهلال الأحمر الاماراتي بمقر البرلمان الأوروبي بروكسل مؤخراً، قال فيها إن دولة الامارات تعمل بجد لمصلحة التضامن والسلام، وأن جهودها في مجال المساعدات الإنسانية والاغاثية تمثل رسالة سلام تخدم الحوار العالمي والسلام والاستقرار وحقوق الانسان، معبراً عن دعمه القوي لهذه الجهود.

عبر رئيس الرئيس البرلماني الأوروبي في كلمته أيضاً عن أهمية الحوار بين العرب وأوروبا، وقال&"نحتاج للعيش بسلام، ومن دون التسامح يستحيل العيش بسلام، أعمل على حوارات بين الأديان في أوروبا، نحن مؤمنون بالله، وأن تؤذي الناس باسم الله هو اعتداء على الذات الإلهية، لذلك من المهم تبني التسامح، أن تفهم التحديات والعقليات والثقافات التي تحكم تصرفات البشر، إننا مسيحيون ويجب أن نفهم المسلمين، ومن المهم أن يفهم المسلمون أفكارنا وعقيدتنا، وأن يفهم كلاهما اليهود، وأن نعيش جميعاً بسلام".

هذه الأفكار التي عرضها رئيس البرلمان الأوروبي تمثل خارطة طريق يجب أن نقراها جيداً لفهم الآخر الأوروبي على وجه الخصوص، فرغم صعود التيار اليميني المتطرف في الكثير من دول القارة العجوز، فإن التيار الأغلب والأرجح يمثل عقل أوروبا، الذي يدرك جيداً قيمة التعايش بين الثقافات والحضارات والأديان، ومن هنا تنبع أهمية مد جسور التلاقي والتواصل مع هذا التيار في أوروبا، باعتبار ذلك سبيلاً مهماً للتصدي للفتن التي يشعلها دعاة صراع الأديان بين الفينة والأخرى.

أهمية هذا الكلام تنبع من كونه ورد على لسان رئيس برلمان أكبر تكتل في العالم يضم&28&دولة، ويمثل أكثر من&600&مليون أوروبي، فضلاً عن كونه يأتي في وقت تتزايد فيه الأصوات الداعية للانعزالية، وتلك التي تطالب بإقصاء الإسلام والمسلمين.

في وجود مثل هذه القناعات الرشيدة، فإن لدينا في دولة الامارات فرصة تاريخية ثمينة كي تتحول زيارة البابا فرانسيس المرتقبة إلى الدولة الشهر المقبل بمنزلة إعادة تدشين لجهود الحوار بين الأديان، لاسيما في ظل ما عرف عن قداسة البابا من حرص على نشر السلام والتصدي للتطرف وجهد كبير يبذله من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في مختلف أرجاء العالم، وما يصدر عنه من دعوات لنزع فتيل الصراعات وتسوية الأزمات ودعم ومساندة ضحايا الحروب والنزاعات والأزمات، ووجود قناعات إنسانية وحضارية مماثلة في العالم الإسلامي يمثلها الأزهر الشريف، وعلى رأسه شيخه الجليل الأمام الأكبر د.&أحمد الطيب، الذي يترأس أيضاً مجلس حكماء المسلمين، حيث يمتلك فضيلته رؤيته دينية منفتحة تستوعب متغيرات العصر، وتعبر بعمق عن قيم الدين الإسلامي الحنيف، في وقت يتعرض فيه ديننا إلى هجمة شرسة من أعداء الحضارة والإنسانية وخوارج العصر الحديث من دعاة التطرف والإرهاب، الذين تسببوا في إشعال الفتن بين الطوائف والأديان في منطقتنا والعالم.

صحيح أن هناك حاجة ملحة إلى نشر التسامح والوسطية والاعتدال والتعايش وقبول الاخر، ولكن هذه الحاجة ستزداد في المستقبل، وستتحول إلى تحد أكثر صعوبة وتعقيداً ما لم يتم تعزيز جهود التعاون والتضامن في مواجهتها في العالمين الإسلامي والغربي على حد سواء.

التصدي للتطرف والإرهاب لا يجب أن يقتصر على المحسوبين على الدين الإسلامي، ولكن يجب أن يشمل أيضاً اتباع جميع الديانات السماوية، حيث يجب أن يسود فهم متبادل، وأن يسود التسامح والتعايش، ويجب أن يفهم العالم المسيحي الإسلام الحقيقي، وبالمثل يجب أن يتفهم المسلمون أفكار الآخر سواء كان مسيحياً أو يهودياً، باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق التعايش الحقيقي بين سكان العالم.

الامارات لها دور حيوي وفاعل في هذه النقاشات باعتبارها نقطة التقاء مركزية للحضارات والأديان، وبما استطاعت أن تغرسه من مقومات وركائز لنموذج يحتذى به في التعايش والتسامح وقبول الآخر، ليس بين اتباع الديانات السماوية فقط، بل بين مختلف العقائد والمعتقدات، حيث يتعامل أتباع أكثر من مائتي جنسية على أرض الامارات من منطلق انساني، لا ديني، فالجميع يشعر بالأمان والاستقرار ويستظل بمظلة قائمة على القيم والمبادئ وأيضاً التشريعات القانونية الضامنة لهذا التعايش من خلال تجريم الحقد والكراهية والعنصرية وغير ذلك من مقدمات تنتهي عادة بالتطرف الفكري والثقافي والديني.

عام التسامح سيكون محطة تاريخية مفصلية مهمة في مسيرة التعايش الإنساني بين سكان القرية الكونية الصغيرة، ولاشك أن مأسسة الجهود الإماراتية المعنية بالتسامح ستثمر خيراً وفيراً للبشرية جميعاً.