تجمع اليوم اكثر من 30 ألف من ذوي الأصول الآسيوية المسلمة التي تدين للطائفة القاديانية التي اعتبرتها هيئات إسلامية عديدة خارجة على الدين الإسلامي ومبادئة، لا بل أنها أصدرت فتاوى بتكفير كل من يتبع مبادئ هذه الفرقة التي انشئت في مطلع القرن الفائت في شمال الهند.

وحسب منظمي التجمع الكبير الذي ضم أكثر من 30 ألفا من باكستانيين وهنود وبنغاليين ينتمون لتلك الطائفة التي تعيش مطاردة في المنافي في بلدان الغرب وخصوصا بريطانيا، فإن الهدف الأساس لتجمع اليوم كان هو إعطاء صورة أوضح للعالم "عن مبادئ التسامح في الإسلام، وأنه ليس هو دين العنف والقتل والإرهاب، كما تحاول شبكات إرهابية تقديمه للعالم، أو كما تحاول جهات غربية توصيفة ومعاداته على هذا الأساس".

وتعتبر فرقة القاديانية أو الأحمدية، هي الأكبر عددا في بريطانيا بين الطوائف الإسلامية الكثيرة، متفوقة على الطائفة الإسماعيلية التي هي الأخرى لها وجود كثيف وفاعل على الأراضي البريطانية، ولها أتباع كثيرون منهم بريطانيو الأصل. وللقاديانية مراكز تعليم ومساجد تعد بالعشرات في العاصمة لندن ومدن بريطانية أخرى، كما أنها تمتلك محطة بث تلفزيونية فضائية تبث بمختلف اللغات.

وكان اجتماع حاشد مماثل لهذه الفرقة عقد في مدينة أونتاريو الكندية في يونيو (حزيران) الماضي بمشاركة من عشرات الآلاف من أبناء الفرقة المتواجدين في كندا. ويبدو أن اجتماع منطقة ساري الحاشد مثل نظيره الكندي بالنسبة لهذه الفرقة التي ترغب أ تكون وجها "مشرقا للدين الإسلامي في الغرب رغم اختلافاتها الجوهرية معه في كثير من المبادئ الفقهية".

ومن هذه الاختلافات بين الدين الإسلامي الأصل، والقاديانية هو ما تعبر عنه هذه الخيرة في مواقفها المتكررة منذ نشأتها وهي تقول "يوجد خلافان رئيسان بين القاديانية والمسلمين، وهما: أن المسلمين الأصوليين يعتقدون أن النبي محمد هو آخر الأنبياء، بينما القاديانية يعتقدون إمكانية مجيء أنبياء بعد النبي محمد ليجددوا دينه".

وأما الخلاف الثاني فيتعلق بنزول المسيح، حيث تخالف فرقة القاديانية ، المسلمين بأنها تعتقد أن الذي سينزل ليس المسيح نفسه لكنه شخص يشبهه، "لأن المسيح نفسه صلب".

وكما في اجتماع اونتارو الكندي، فإن لقاء منطقة ساري الحاشد، ناقش مجموعة من القضايا المتعلقة بالجهاد ومعاملة أسرى الحرب من وجهة النظر الإسلامية، حسب ما تراها الفرقة في فلسفتها بالتعامل مع الدين الإسلامي، وعبر المتحدثون عن رفضهم واستيائهم لـ "فهم الجهاد كما تقوم به الجماعات المتشددة التي تنفذ أعمال إرهابية باسم الإسلام المتسامح". مؤكدين على أن الجهاد "هو الكفاح عامة وليس بالضرورة أن يكون بالسلاح والقتل والإرهاب".

يشار إلى أن علماء المسلمين أجمعوا على خروج فرقة القاديانية (الأحمدية) من ملة الإسلام، حيث صدرت بذلك فتاوى متعددة من عدد من المجامع والهيئات الشرعية في العالم الإسلامي، ومنها: المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية،كما صدرت فتاوى مماثلة لعلماء مصر وبلاد الشام والمغرب والهند وغيرها.

وكانت فرقة القاديانية نشات في الهند في عهد الاستعمار البريطاني، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشرن وحسب الباحث والكاتب أحمد تميم، فإن الإنجليز أخمدوا الثورة التي اشتعلت ضدهم في الهند (سنة 1274هـ = 1857م)، وكانت ثورة عارمة كادت تعصف بالوجود البريطاني كله هناك، وكان المسلمون في الهند وراء إشعال لهيب الثورة، التي يغذيها روح الجهاد وحب الاستشهاد وفتاوى العلماء بأن الهند دار حرب وبعد أن أحكم الإنجليز سيطرتهم، وقضوا على الحكم الإسلامي في الهند، عكفت حكومة الاحتلال على دراسة الأوضاع في شبه القارة الهندية، وإرسال البعثات لجمع المعلومات وتقصّي الحقائق؛ بحثا عن الأسباب التي أدت إلى اشتعال الثورة بهذه القوة والضراوة، ووضع الوسائل والآليات التي تمنع حدوثها.

وأضاف الباحث تميم، أن الحكومة البريطانية أرسلت وفدا يضم مفكرين وزعماء مسيحيين في سنة (1286هـ = 1869م)، فمكث في الهند فترة يدرس الأوضاع، ويحلل الأسباب وقدم تقريرا إلى الحكومة خلص فيه إلى أن أكثر المسلمين في الهند يتبعون زعماءهم الدينيين اتباع الأعمى، وقال أعضاء الوفد في تقريرهم لحكومة لندن "لو وجدنا شخصا يدّعي أنه نبي لاجتمع حوله كثير من الناس، ولكن ترغيب شخص كهذا أمر في غاية الصعوبة، فإن حلت هذه المسألة، فمن الممكن أن ترعى نبوة هذا الشخص بأحسن وجه تحت إشراف الحكومة، والآن- ونحن مسيطرون على سائر الهند- نحتاج إلى مثل هذا العمل لإثارة الفتن بين الشعب الهندي وجمهور المسلمين".

ويقول الباحث أحمد تميم "وقد درست السلطات البريطانية ما جاء في التقرير وحددت المواصفات لمن يقوم بهذا الدور، وفضلت أن يكون من بين الأسر التي توالي الإنجليز، وأن يكون مسلما تتوافر فيه مقومات الزعامة، خطيبا لبقا، يجيد الجدل والمناظرة، ووجد الإنجليز ضالتهم في "أحمد القادياني".

المولد والنشأة

ولد "أحمد مرتضى بن عطاء" سنة (1225هـ = 1839م) في قرية قاديان، إحدى قرى منطقة البنجاب التابعة الآن لباكستان، وإلى هذه القرية نُسب أحمد واشتهر باسم "أحمد القادياني". وهو نشأ في أسرة تدين بالولاء للإنجليز وترتبط بصداقات مع طائفة السِّيخ، ألدّ أعداء الإسلام والمسلمين في الهند، وتعلم تعليما دينيا، فحفظ شيئا من القرآن، وتعلم اللغتين الفارسية والعربية، ودرس المنطق والحكمة، والأدب، والطب القديم، ولما بلغ أشده عمل موظفا في محكمة ابتدائية إنجليزية في مدينة "سيالكوت" القريبة من لاهور، ثم استقال منها بعد أربعة أعوام لمعاونة أبيه في إدارة شؤونه الخاصة، وطوال هذه الفترة لم يتوقف عن القراءة والمطالعة.

ثم خاض أحمد القادياني غمار الجدل والمناظرات الدينية التي تحتدم في إقليم البنجاب، الذي كان يموج بالإرساليات التبشيرية التي تعمل على تنصير المسلمين وتهاجم الإسلام ونبيه، فضلا عن المناظرات بين أصحاب الأديان المختلفة، وكان المسلمون ينظرون إلى من ينهض للدفاع عن دينهم، ويجيد آليات الجدل ومقارعة الخصوم- نظرة إجلال وتقدير، وكان هذا هو المدخل الذي نفذ من خلاله أحمد القادياني، ويبدو أن هذا كان بتدبير الإنجليز الذين كانوا يبحثون عن الشخص الذي يجعل ما جاء في تقرير لجنتهم موضع التنفيذ.

دعوة القادياني

لقد نجح أحمد القادياني في جذب الأتباع والأنصار إليه باعتباره واحدا من المدافعين عن الإسلام، فالتفوا حوله، وأنزلوه في نفوسهم منزلة رفيعة، ولما رأى شهرته تتسع وأتباعه يتزايدون، أضفى على عمله صفة القداسة، وزعم أنه مأمور من الله تعالى بالدفاع عن الإسلام، وحماية عقيدته، مستغلا ضعف الثقافة الدينية لدى أتباعه، وبراعته في الجدل والإقناع، ثم أتبع ذلك بالدعاية لنفسه بأنه قادر على كشف الغيب، والتنبؤ بأحداث المستقبل، وأنه مستجاب الدعوة.

غير أن هذه الدعاوى لم تصادف قبولا تاما، وأغضبت علماء المسلمين وأثارتهم ضده، وهو الذي يزعم أنه يعمل لصالح الإسلام، فخشي غضبة العلماء وثورة الجماهير فعدل عن ذلك، وتراجع عن ادعاءاته، حتى تحين الفرصة المناسبة، ونسب لنفسه صفة المجدد، مستغلا الحديث المعروف بأن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها.

وفي هذه الفترة ألّف كتابين يخدم بهما فكرته، ويهيئ الأذهان للخطوة التالية التي سيقدم عليها؛ حيث جمع في أحدهما آراءه ومناظراته مع خصوم الإسلام، وحشد في الآخر الأدلة الدامغة على ثبوت المعجزات، وإمكانية وقوعها، وليس للعقل البشري المحدود أن ينكر وجودها.

أنا عيسى ابن مريم !!

كان حديثه عن إمكانية حدوث المعجزة التي هي من خصائص الأنبياء التمهيد للخطوة الأخرى، والتوطئة للدعوة إلى نفسه بأنه المسيح الموعود لهذه الأمة الذي بشرت به الأحاديث النبوية، فزعم أن له شبهًا بالسيد المسيح، وأضفى على نفسه صفات المسيح التي جاءت في المرويات، فأعلن في سنة (1309هـ=1891م) في بلدة "لودهيانة" أنه المسيح الموعود الذي بعثه الله من جديد لتخليص العالم من آلامه وشروره، وأنه الأمل الذي طال انتظاره، وقد واجه علماء المسلمين في لودهيانة ادعاءات القادياني بالرفض والتفنيد، وقاد هذه الحملة الصادقة "مولوي محمد حسين" صاحب جريدة "إشاعة السنة"، ودعا إلى مناظرة القادياني حتى يتبين للناس كذب ما ادعاه، لكن والي المدينة حال دون وقوعها، فقد كان من أتباع القادياني، وأجبر العلماء على مغادرة لودهيانة.

ثم انتقل القادياني إلى "دلهي" العاصمة الهندية يدعو لنفسه، ويبشر بمذهبه، فأنكر عليه العلماء دعواه، وطلبوه للمناظرة، فلم يستجب لهم، واستمر في دعوته، محميا بالإنجليز الذين أحاطوه برعايتهم، وأسس في سنة (1316هـ = 1898م) مدرسة بقاديان لتعليم أبناء شيعته مبادئ نحلته، ووضع قانونا لأتباعه يدعوهم فيه ألا يزوجوا بناتهم إلا من كان على شاكلتهم ويدين بمذهبهم.

ادعاؤه النبوة

انتقل القادياني إلى المرحلة الثالثة بعد ادعائه الولاية والصلاح، وأنه المسيح الموعود، فأعلن في سنة (1318 هـ = 1900م) النبوة المستقلة، قاطعا شوطا كبيرا، إلى الهدف الذي رسمه الإنجليز في صنع رجل يخدم مصالحهم في الهند، وكان لهذه الدعوى دويّ كبير، لم يخفف منه ادعاؤه بأنه نبي يدور في فلك النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وتابِع له، فانصرف عنه كثير من المخدوعين به، وبقي معه أصحاب المنافع والأهواء.

ولم يمض عام على هذه الدعوى حتى أعلن أنه نبي مستقل، مثله مثل سائر الأنبياء والمرسلين، قائلا: إنني صادق كموسى وعيسى وداود ومحمد (صلى الله عليه وسلم)، وقد أنزل الله لتصديقي آيات سماوية تربو على عشرة آلاف، وقد شهد لي القرآن، وشهد لي الرسول، وقد عيّن الأنبياء زمن بعثتي، وذلك هو عصرنا هذا.

إلغاؤه فريضة الجهاد

استهدف القادياني من إعلانه النبوة تحقيق أمل الإنجليز في حياة مستقرة بالهند، دون ثورات وقلاقل، كان يقف وراءها المسلمون، ولم يكن هناك ما يحقق هذا الغرض سوى الإعلان بأن الجهاد قد أُلغي ونُسخ، ولما كان القادياني قد أعلن نفسه نبيا، فإنه أصبح في المنزلة التي تسمح له أن يكون صاحب تشريع يُلزِم به أتباعه.

أعلن القادياني إلغاء الجهاد للحفاظ على الإنجليز في الهند، فيقول لأتباعه: "اليوم نُسخ الجهاد بالسيف بإذن الله، فمن حمل السيف على كافر بعد اليوم وسمى نفسه غازيا فقد عصى رسول الله، الذي قال قبل ألف وثلاثمائة سنة: إن الجهاد بالسيف ينتهي بعد مجيء المسيح الموعود.. فلا جهاد الآن بعد ظهوري".

ويكتب إلى الحكومة الإنجليزية سنة (1320هـ = 1902م) هذه هي الفرقة القاديانية التي تسعى ليل نهار لإزالة عادة الجهاد المعربدة من أفكار المسلمين.

ويؤلف الكتب والرسائل التي تحارب الجهاد، وخاصة إذا كان ضد الإنجليز، ويقول هو عن ذلك: "لقد ألّفت عشرات من الكتب، فيها أنه لا يحل الجهاد أصلا ضد الحكومة الإنجليزية التي أحسنت إلينا".

ومن العجيب أن القادياني الذي نسخ الجهاد وحرمه أوجبه بالاشتراك مع الإنجليز ضد المسلمين، وكأن جهوده كلها كانت مصروفة لصدّ المسلمين عن محاربة الإنجليز؛ ولذا كان القادياني يجعل طاعة الإنجليز وموالاتهم شرطا لمن يدخل في دعوته، بل وجعل طاعتهم من طاعة الله، فيقول: إن خروجنا ضد الحكم الإنجليزي خروج على طاعة الله ورسوله.

نهاية القادياني

ومنذ عام (1320هـ = 1902م) بدأ القادياني يميز أتباعه بإحصاء عددهم، وتقييد أسمائهم في سجلات خاصة بهم، والتمييز بينهم وبين المسلمين، وأنشأ في قاديان مسجدا، جعله قبلة للحج لأتباعه بدلا من الحج إلى مكة، وأقام مدرسة لتخريج الدعاة إلى مذهبه، وأصدر مجلة لنشر أفكاره، أطلق عليها "الأديان"، وطاف بمدن الهند للدعوة إلى مذهبه ونحلته، وكان علماء المسلمين يتصدون له في كل مكان ينزل به، ويفندون أفكاره، ويحذرون الناس من دعوته، إلى أن استقر في لاهور سنة (1326هـ = 1908م)، وهناك كان علماء المسلمين يجتمعون بعد صلاة العصر في مكان قريب من بيته، يلقون الخطب والمحاضرات يحذرون الناس من الاغترار بمزاعمه، وبقي القادياني في لاهور إلى أن تُوفي في (23 من ربيع الآخر 1326هـ = 26 من مايو 1908م)، وتم نقل جثته إلى قاديان، حيث دُفن بها.

وبعد موته تولى ابنه "بشير الدين محمود أحمد" أمور فرقة القاديانية وتنظيم شؤونها، وكان مجلس الأمة الباكستاني أصدر قرارا باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة، وهو قرار اتخذته دول وهيئات إسلامية عديدة، حيث هنالك دول تصدر قرار "التكفير ضد هذه الفرقة التي صارت مطاردة في الشرق ولكنها تحظى بقبول غربي ويمارسون طقوسهم بكل حرية وديموقراطية من دون تدخل من السلطات الأمنية أو الرسمية أو الدينية".