بشار دراغمه من الضفة الغربية: تسلمت لجنة قضائية فلسطينية، من اللجنة البرلمانية في المجلس التشريعي الفلسطيني، ملف التحقيق في فضيحة الإسمنت المصري، التي تورطت فيها شركات وشخصيات فلسطينية بارزة، ويشمل الملف أدلة مصرية وإسرائيلية وفلسطينية بينها وثائق مكتوبة وصور فيديو وصور فوتوغرافية، تثبت الفضيحة، بحيث تظهر أشرطة الفيديو شاحنات تنقل الإسمنت من معبر العوجا إلى مدينتي ديمونا ورأس العين الإسرائيليتين، والصور التقطتها شركة إسرائيلية منافسة.

وكانت مصادر فلسطينية قد أكدت لجنة قضائية مؤلفة من المدعي العام واثنين من مساعديه بالتحقيق في قضية تحويل شركتين فلسطينيتين إسمنت مصري مستورد إلى شركة إسرائيلية، يعتقد أنها استخدمته في بناء الجدار الفاصل.

وتسلم النائب العام ملفات الشركتين المتهمتين من وزارة الاقتصاد الوطني، بعد أن تسلمت ملف التحقيق من اللجنة الثلاثية البرلمانية المؤلفة من النواب حسن خريشة وجمال الشاتي وسعدي الكرنز، وتقريرا آخر من وزارة الاقتصاد موجها إلى الحكومة.

كما تضم وثائق لجنة الرقابة العامة الفلسطينية، التي تصرح واحدة منها موجهة للرئيس ياسر عرفات، بأنه جرى تحويل كميات من الإسمنت المستورد من مصر إلى بناء الجدار.

وكانت اللجنة البرلمانية الفلسطينية قد التقت في القاهرة عددا من الإعلاميين الذين أثاروا الفضيحة، وقدموا للجانب الفلسطيني وثائق تثبت حصول شركتين فلسطينيتين، واحدة مقرها في مدينة رام الله، والثانية في غزة، على أذونات استيراد غير قانونية من وزارة الاقتصاد تسمح لها باستيراد كميات غير محدودة من الإسمنت المصري في مدة زمنية مفتوحة.

وشكلت الوزارة لجنة تحقيق داخلية اثبتت ضلوع موظفين كبار في التزوير. وبينما تؤكد الوزارة اتخاذ إجراءات عقابية بحق هؤلاء الموظفين فإن اللجنة البرلمانية تشكك في جدية هذه العقوبات.

وقال الدكتور حسن خريشة: "معلوماتنا تفيذ أن أحد هؤلاء الموظفين رقي إلى درجة وكيل مساعد بدلاً من معاقبته، بينما جرت محاولات لالصاق التهمة بموظف صغير".

وتبين الوثائق التي حصلت عليها اللجنة في مصر أن الموظف الكبير المذكور، زار القاهرة برفقة وزير في الحكومة له صلة بالشركة المتهمة ونزلا في فندق فخم، وهناك التقيا رجل الأعمال الإسرائيلي بلنسكي، صاحب الشركة التي حصلت على الإسمنت بعد دخوله معبري العوجا ونيتسانا، وهما معبران مصريان إسرائيليان.

وتبين الوثائق البرلمانية أن الشركتين حصلتا على أذونات باستيراد 420 ألف طن من الاسمنت في الفترة بين أيلول 2003 وآذار 2004. أما تقرير وزارة الاقتصاد فيشير إلى أن الكمية التي ثمة شكوك بتحويلها إلى إسرائيل تبلغ 14.5ألف طن من أصل 65 ألف طن جرى استيرادها في الفترة بين أيلول وتشرين أول العام 2003. ولفت النائب خريشة إلى أن الاذونات غير محددة بتاريخ ما قد تكون الشركتان قد استغلتها في استيراد كميات أكبر من الكمية المذكورة.

وتشير تقديرات متطابقة من اللجنة البرلمانية ووزارة الاقتصاد الوطني أن الدافع وراء صفقات الاسمنت هذه هو الربح المادي الخالص. لكن النائب خريشة يقول: إنه حتى لو كان الدافع هو الربح المادي الخالص فإننا نعتبر تسريب اسمنت مصري ـ خصص لبناء بيوتنا ـ إلى إسرائيل لمساعدتها في بناء الجدار على أرضنا قضية خيانة وطنية. واضاف: "سنطالب، في حال إدانة هاتين الشركتين، تحويل الارباح المتحققة إلى الصالح العام وخصوصاً إلى المتضررين من الجدار".

وتشير وثائق اللجنة البرلمانية إلى أن المستورد الفلسطيني كان يشتري الإسمنت المصري بسعر 22 دولارا للطن الواحد ويبيعه، فور دخوله المعبر، للتاجر الإسرائيلي بسعر 34 دولارا، علما أن سعره في السوق الإسرائيلية يبلغ مائة دولار. وقال خريشة: تقديراتنا أن الشركتين جنتا في غضون أربعة أشهر بين 8-9 ملايين دولار أرباحا من وراء هذه الصفقة.

وقللت وزارة الاقتصاد من حجم الكميات المستوردة مشيرة إلى أن الكوتا الفلسطينية السنوية من الإسمنت المستورد تبلغ 200 مليون طن من مصر، ومثلها من الاردن، إضافة إلى الاسمنت المستورد من إسرائيل والذي يبلغ حوالي 7 ملايين طن. لكن اللجنة البرلمانية تقول إن الاستيراد من مصر كان بأذونات مفتوحة من وزارة الاقتصاد.

واشار خريشة إلى أن سبب اهتمام إسرائيل بالإسمنت المصري عن غيره من الإسمنت المستورد من المنطقة مثل الأردن وتركيا، هو أن الإسمنت المصري يحمل ذات المواصفات التي يحملها الإسمنت الإسرائيلي.

وتجنب وزير الاقتصاد الوطني ماهر المصري الإدلاء برايه في تقرير اللجنة البرلمانية، مشيراً إلى أن الكلمة اليوم هي للقضاء بعد أن شرع النائب العام في التحقيق في القضية.
واضاف: القضاء هو صاحب الشأن، وهو الذي سيوجه الإتهام وليس أنا ،لكننا في الوزارة نتعاون مع القضاء ومستعدين لتقديم كل معلومة يحتاجها التحقيق.

وحسب ما أفادت به صحيفة الأيام الفلسطينية فأن المستشار حسين أبو عاصي النائب العام أعلن أن النيابة العامة شرعت فعلياً بالتحقيق في قضية الاسمنت المصري، متوقعاً الانتهاء من التحقيق في هذا الملف وإغلاقه في غضون فترة تتراوح من شهرين إلى ثلاثة أشهر مقبلة.
وبين أبو عاصي أن النيابة العامة في الضفة الغربية باشرت مؤخراً بالاستماع إلى أحد الأشخاص الذين أوكلت إليهم مهام التحقيق في ملف الاسمنت.

ونوه إلى أن النيابة العامة في غزة ستباشر خلال الأيام القريبة المقبلة باستدعاء مختلف الأطراف من ذوي الاختصاص والعلاقة المباشرة بهذا الملف بداية من مراقب الشركات ثم المسؤولين عن الاستيراد والشركات، موضحاً أن التحقيقات التي سيتم إجراؤها ستتضمن الإطلاع والتحقيق في هوية الجهة الإدارية المسؤولية في هذا الشركات وهوية الشخص المسؤول عن الجوانب الإدارية والتوقيع، وكذلك المسؤول المالي وذلك طبقاً لما يقتضيه قانون الشركات مع الأخذ بالاعتبار دقة التقارير المالية ومحاضر مجالس إدارات الشركات.

وتابع، كما سيتضمن التحقيقات بحث الأسس المتبعة في الاستيراد والمعايير المعمول بها في تحديد كميات الاستيراد من الاسمنت "الكوته" والإجراءات المتبعة في البيع وتسجيل الفواتير.
ولم يستبعد أبو عاصي تشعب التحقيقات التي ستقوم بها النيابة العامة لتشمل أطرافاً خارجية، مؤكداً أن التحقيق في هذه القضية سيسير بطريقة تكفل تحقيق العدالة.

ولفت إلى أن النيابة العامة طالبت في وقت سابق مختلف الجهات المختصة "المجلس التشريعي، ومجلس الوزراء، وهيئة الرقابة العامة" بتوفير كافة الملفات المتعلقة بقضية الاسمنت، موضحاً أنه "أبو عاصي" كان قد تسلم صورة عن ملف قضية الاسمنت وتم العمل على إعداد وتصنيف أوراق هذا الملف وتثبيت المراكز القانونية لكل من ورد ذكره في هذا الملف.

وأوضح أن جزءاً من هذا الملف يتعلق بشركات موجودة في الضفة الغربية وأخرى في غزة وبالتالي تم تشكيل لجنة من وكلاء النيابة في الضفة الغربية للتحقيق في قضية الشركات القائمة في الضفة في حين أن ما يتعلق بمحافظات غزة سيتولى بنفسه التحقيق فيها.

وأكد أبو عاصي أهمية ما يوليه الرئيس عرفات من دعم ومساندة للنيابة العامة في تمكينها من القيام بدورها في التحقيق في قضية الاسمنت المصري، مشدداً على أن النيابة العامة ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق أية شركة سيثبت ضدها الضلوع في توريد كميات من الاسمنت إلى الجانب الإسرائيلي.

وبين أنه لم تتضح بعد حقيقة الكميات التي جرى الحديث عنها بشأن توريدها إلى الجانب الإسرائيلي، منوهاً إلى أن ذلك سيتم توضيحه من خلال فحص الكميات التي حصلت عليها كل شركة على حدة، وأين اتجهت هذه الكميات.