عندما حمل فدائيو صدام راية "ابن لادن"
خبير أمني يروي قصة "القاعدة العراقية"


نبيل شرف الدين من القاهرة: هناك ثمة اتفاق بين كافة المراقبين على اختلاف توجهاتهم بأن البنية التحتية لمرتكبي أعمال العنف في العراق تتألف من مجموعات وحركات، من كل التيارات السياسية، القومية والبعثية والاسلامية السنية والشيعية ومن المستحيل الحديث عن استراتيجية موحدة رغم وجود اهداف مشتركة في غالب الاحيان"، لكن استمرار العمليات الموجهة ضد الأهداف والشخصيات العراقية والقوات الأميركية وبقية قوات التحالف في العراق، والتصعيد النوعي والكمي لعمليات العنف حتى طالت الكنائس على نحو لم تعرفه العراق من قبل، وعمليات اختطاف الرهائن ووقائع ذبحهم بشكل وحشي، كل هذا وغيره طرح تساؤلات حول الدور الجديد لتنظيم "القاعدة" بالعراق، خاصة بعد أن اتهم عدة مسؤولين عراقيين دولا مجاورة بالعبث بأمن البلاد، وهو الأمر الذي لا يستبعده مراقبون انطلاقاً من فرضية مؤداها أن لكل من دول الجوار العراقي أجندته الإقليمية الخاصة وحساباته المعقدة ومخاوفه من الوجود الأميركي، وبالتالي فإن مسألة استخدام "القاعدة" في المسرح العراقي ليست مجرد خيال خاصة أن لهذا التنظيم امتداده المحلي بالعراق ممثلاً في جماعة "أنصار الإسلام"، التي سبق أن استهدفتها القوات الأميركية والكردية في الأيام الأولى للحرب، ناهيك عن أن التنظيم لم يكن يوماً كياناً مركزياً، بل ظل منذ نشأته يعتمد على "تكنيك" يجعله مجرد مظلة تضم تحتها "خلايا عنقودية"، أو ما اصطلح على تسميته بـ "الخلايا النائمة" المرتبطة به لمواصلة المعركة ضد من يصفونهم في الكثير من أدبياتهم بـ "اليهود والصليبيين" في إشارة للولايات المتحدة وحلفائها، فضلاً عن كافة الأنظمة الحاكمة في بلدان الشرق الأوسط، التي يتهمونها بالرضوخ و"العمالة" للقوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة بالطبع.

من جانبه حذر ديفيد جومبيرت، الذي كان احد كبار المستشارين الامنيين للحاكم الاداري السابق للعراق بول بريمر، الكونغرس الاميركي من ان التهديد الامني في العراق قد نما واصبح اكثر حدة بالتاكيد منذ بداية العام الحالي، وبأن حركة التمرداصبحت اكثر تطورا وخطورة خلال الشهور القليلة الماضية، مشيراً إلى ان التهديد الذي يشكله الموالون للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، والمقاتلون الاجانب، اصبح اكثر خطراً، كما حذر أيضاً من ان التهديد الراهن لا يمكن ان يهزم عسكريا بدون دعم اقوى بكثير من الشعب العراقي خلافا لما خاضته قوات التحالف من خبرات.

واكد جومبيرت ان بقايا الاجهزة الامنية لصدام حسين هم ''قتلة شرسون'' اصبحوا يعتمدون على الهواتف النقالة وشبكة الانترنت، وأقوى إحكاما، واكثر مرونة، واكثر عيشا في المدن، وهذا يعتبر تهديدا من الصعب دحره عسكريا، دون دعم قوي من جانب الرأي العام.

فدائيون ومجاهدون
وتقودنا رؤية جومبيرت إلى متغير آخر كشفت عنه مصادر أمنية عربية لـ (إيلاف)، وهو أن هؤلاء "الفدائيين" هم عناصر القوات التي كانت ترتدي زيا اسود، ويبدو انها لم تتشتت تماماً رغم انهيار النظام العراقي السابق، في إشارة إلى ان القوات الخاصة المعروفة باسم "فدائيي صدام" تفاعلت بشكل أو آخر مع عناصر "القاعدة" ، ليتقاسموا معاً أجندة مشتركة تبدأ أول بنودها بتنفيذ هجمات وتفجيرات، في ما يمكن وصفه حالة مثالية حققت معها أجهزة الاستخبارات العسكرية الأميركية، وخلصت المصادر الأمنية إلى القول إنه "من الصعب تحديد دافع وحيد لهذا المقاتل الذي أصبح يعتبر نفسه "مجاهداً في سبيل الله" رغم انخراطه سلفاً في صفوف الجيش العراقي السابق ستة أعوام انتهت عام 1999"، موضحة أنه من خلال الأقوال التي أدلى بها هذا "المجاهد النموذجي"، فإنه لا يبدو عليه أي حماس سواء لشخص أو لنظام صدام حسين، بقدر ما بات يقدم على ذلك وفق قناعة جديدة أنه "يجاهد في سبيل الله"، ضد "النصارى واليهود".

وحسب المصادر ذاتها فإن هذا "المجاهد" يعتقد أن المبادئ قائمة على اساس الولاء الديني والقبلي، موضحاً أن الدين يؤكد صراحة أنه ليس هناك أي مجال لقبول العيش مع الكفار، وأضاف معبراً عن قناعته بأن "الرسول أمر بقتال الكفار"، كما أعرب عن اعتقاده بأن التقاليد القبلية أيضاً تؤكد عدم السماح للغرباء بحكم اهل البلاد، وفي مقابل ذلك يؤكد ان صدام حسين لم يكن سببا للقتال الحالي، ويقول ايضا ان "صدام حسين لم يفعل اشياء سيئة أكثر مما يقترفه غيره من الحكام في المنطقة ومناطق أخرى من العالم"، ودافع بشدة عما ارتكبه صدام حسين بحق الاكراد قائلاً إن "الاكراد يستحقون كل ما يحدث لهم لأنهم كانوا دائماً خونة الأمة"، أما عن غزو صدام للكويت، فقال أيضاً إن الكويت تستحق ما حدث لها لأنها سرقت نفطنا"

وفي القاهرة يقول مساعد سابق لوزير الداخلية المصري، إن الساحة العراقية على النحو الحاصل منذ سقوط نظام صدام حسين وحتى الآن أصبحت بيئة مناسبة لتنظيم "القاعدة"، على غرار كافة البؤر الملتهبة في العالم، التي سبق واجتذبت عناصر التنظيم كالصومال والشيشان وقبلهما البوسنة.

ومضى مساعد الوزير الذي عمل زهاء أربعة عقود في ملاحقة منظمات دينية متطرفة، قائلاً إن هؤلاء الباحثين عن "ساحة جهاد" لن يجدوا أفضل من العراق الراهن خاصة مع وجود أهداف أميركية كثيرة وسهلة، ومناخ عربي يسهل التحرك والتخفي داخله وربما الذوبان فيه، وهناك أيضاً كميات لا حصر لها من الأسلحة والذخيرة التي نهبت من المؤسسة العسكرية الاخطبوطية التي جرى تفكيكها على نحو سمح لكل من لديه الرغبة أن يقتني ما شاء منها، بدءاً من الكلاشينكوف وصولاً إلى الآليات الثقيلة، وهكذا أصبحت الأوضاع أفضل لعناصر التنظيم حتى من أفغانستان، موطن نفوذه وساحة معسكرات تدريبه لسنوات طويلة مضت، إذ يمكن تمييز العرب والتعرف عليهم ببساطة داخل المجتمع الأفغاني، بينما يصبح الأمر أكثر صعوبة داخل المجتمع العراقي، خاصة مع أشخاص من بعض دول الجوار حيث تتقارب العادات واللهجات، وربما تتداخل القبائل والعشائر، وأردف قائلاً إنها الآن "مسألة معقدة للغاية"، وخلص الخبير الأمني المصري الذي طلب عدم ذكر اسمه، قائلاً إنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تتبنى رؤية لا تقل مرونة عن تلك التي تتمتع بها الشبكة الأصولية المسلحة، تقوم على التكيف مع كافة الظروف، والتفكير المستمر في طرق اكثر ابداعاً، معتبراً أن الطريقة التي تقود بها واشنطن الحرب علي الارهاب تخلو من أي ابداع، كما أنها لا تعير أدنى أهمية لتلك التعقيدات وشبكات التنظيم الذي حضر نفسه لهذه الحملة وتبني استراتيجية جديدة، قامت على الانتشار بعيدا عن دوائر التوقعات التقليدية، لكنها تبقى دائماً في قلب المصالح الأميركية بل والغربية عموماً، وربما العربية أيضاً، مختتماً حديث مع (إيلاف) بالتأكيد على أن هذا التنظيم له أجندته الأممية، وهو لن يكتفي حتى بالسيطرة على بلد بعينه، بل يفكر دوماً بطريقة أممية، انطلاقاً من قناعات مؤداها أنه يجاهد أو يحمل دعوة لعموم البشر في كل زمان ومكان.