طلحة جبريل من الرباط:كان السياسي المغربي خالد عليوة يأمل أن يجلس على مقعد الرئيس في مبنى مجلس مدينة الدار البيضاء . يجلس هناك قرب " ساحة الجامعة العربية" في مدينة عصية على الفهم والوصف.

شاءت الأقدار أن يتحول هذا "الرباطي " الذي سعى سعياً حثيثاً ليصبح أول "عمدة" للعاصمة الاقتصادية للمغرب حيث عالم الأعمال والتجارة إلى " شارع الحسن الثاني" في المدينة نفسها . شارع البنوك والأموال التي تضخ وتسيل في جميع الاتجاهات .

منذ عام 1998 وخلال ست سنوات اتخذ مسار هذا الأستاذ الجامعي الذي يلقى دروسه حول فن الإدارة الحديثة على طلابه في جامعة الحسن الثاني اتجاهات متقلبة ومثيرة . في كل مرة كانت الطموحات تسابق الآمال . مواقع تفلت وأخرى تجيء . مناصب تطير وأخرى تحط .

والرجل هو هو معتد بنفسه . ثقة تزيد عن الحد أحياناً. غيور على صلاحياته وضنين بأفكاره . يفضل أن يكسب بالنقاط. يقطع شوطاً على طريق خسارة الفرص ثم ما ليبث أن يسير في طريق يقوده إلى حيث توجد طموحات بلا حدود . يتعرض لحملات عاتية يعرف كيف يوظفها لكسب ثقة شخصيات نافذة في صنع القرار والسياسة .

بدأ عليوة مسيرة الصعود بتولي منصب وزاري مهم في حكومة الشيخ الاشتراكي العفيف عبدالرحمن اليوسفي . منصب وزاري يتكون من عشر كلمات :" التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني والناطق الرسمي باسم الحكومة " . كان الرجل الذي يدير مطبخ اليوسفي آنذاك هو احمد الحليمي ويتولى وزارة " الشؤون العامة" .

كان التيار بين الحليمي وعليوة يحمل رياحاً ساخنة دوماً. هذه الرياح الساخنة أسقطت عليوة من الطبعة الثانية لحكومة اليوسفي .
من حي الوزارات في الرباط انتقل عليوة إلى إدارة صحيفة " الاتحاد الاشتراكي" في الدار البيضاء . من السياسة إلى الصحافة .

تركزت طموحات عليوة على منصب " عمدة الدار البيضاء" . ساند اليوسفي طموحات عليوة . ذهب اليوسفي ابعد من ذلك ليرشحه لدور قيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية . كان الرجل يأمل قطع الطريق على نائبه محمد اليازغي . كان يضع عليوة في مقدمة السباق لكنه كان يتمنى أن يتبوأ القيادة فتح الله ولعلو وزير المال . ضغط اليوسفي لكي يقود عليوة مرشحي الحزب في الانتخابات البرلمانية في الدارالبيضاء، ثم قاتل عليوة من أجل منصب " العمدة" حتى لكاد ان يثير أزمة سياسية .

انتهت تجربة اليوسفي في الحكومة عقب انتخابات خريف 2002 . ضغط اليوسفي لكي يعود عليوة إلى الحكومة من جديد ، وزيراً للتعليم العالي هذه المرة في حكومة إدريس جطو .

ثم قرر اليوسفي أن ينصرف خريف العام الماضي . اعتزل الرجل السياسة وعاد إلى مدينة " كان" حيث زوجته تملك كشكاً لبيع الصحف . يقرأ الجرائد طازجة .

ربيع هذا العام سيخرج عليوة من الوزارة . لم ينس له اليازغي طموحاته وخلافاته معه . خلافات وصلت حد منع عليوة نشر حوار أجري مع اليازغي في صحيفة " الاتحاد الاشتراكي " التي هي صحيفة حزب ظل اليازغي رجله الثاني منذ مطلع التسعينات . إنها"السياسة" في المغرب.
انزوى عليوة في منزله بعد خروجه من الوزارة يتجرع المرارات .زاد حنقه حين قال اليازغي لمجموعة الصحافيين إن عليوة أقيل من الحكومة .
انتقل عليوة من ومض الضوء إلى ظل الغروب وإن لم يذهب إلى عتمة الليل . احتفظ شكلياً بموقعه في إدارة تحرير صحيفة الحزب . ولاذ في صمت صعب .

في الشهر الماضي سيقرر العاهل المغربي الملك محمد السادس تعيين خالد عليوة رئيساً لمجلس إدارة أكبر بنك عقاري في البلاد . بنك يشيد البنايات وقد يساهم في بناء الطموحات كذلك . عاد عليوة إلى الدار البيضاء ليتحكم هذه المرة في أمعاء المقاولات .وترك الصحافة والسياسة,
اشتراكي وسط رأسماليين.

ليست عودة إلى طريق بل لعلها عودة عن طريق .