عامر فردان من نيويورك : ان يصدر كتاب عربي يتحدث عن انحياز بعض مراسلي وسائل الاعلام الاميركية الى اسرائيل فى تغطيتها لاحداث الشرق الاوسط فهوامر طبيعي وغير مستغرب لكن المفارقة الشديدة الغرابة والطرافة ان يصدر كتاب اميركي يتهم وسائل الاعلام تلك بالانحياز للفلسطينيين .وكتاب (تغطية الانتفاضة) لمؤلفه الخبير الاستراتيجي جاشوا مورافتشيك والصادر عن (مركز واشنطن لسياسات الشرق الادني) لا يبدو مهما فى مضمونه او محتواه بقدر ما هو مهم فى طرافته وشدة انحيازه لاسرائيل وتمثيله دليلا على ان وسائل الاعلام الاميركية محل الانتقاد العربي المستمر هى نفسها محل انتقاد من انصار اسرائيل فى نفس الوقت .
ولا يخفي المؤلف فى مقدمة كتابه الواقع فى 125 صفحة تأييده لاسرائيل ودعمه
لقيام دولة اسرائيل وحقها فى الوجود اذ يقول " لا ادعى اننى اتى الى هذا الموضوع
وانا محايد غير متعاطف .. انا يهودى وداعم لاسرائيل " وان اردف مقولته تلك بانه
قد لا يوافق على كل سياسات اسرائيل . ومن خلال عنوان الكتاب يخيل للمرء ان الكتاب هو معاجلة موضوعية للاخطاء المهنية فى تغطية وسائل الاعلام الاميركية لاحداث انتفاضة الاقصي (سبتمبر 2000) من كلا الجوانب الا ان الفصول الـ10 للكتاب وخاتمته شملت فقط الامثلة التى تبين وفقا للمؤلف انحياز وسائل الاعلام الاميركية الرئيسية للفلسطينيين وتحاملهم على اسرائيل دون ذكر مثل واحد لكيف يخطيء صحفي امريكي فى نقل خبر بحيث يظهر انحيازه الى اسرائيل وليس الى الفلسطينيين .
واختار المؤلف خمس قنوات اخبارية رئيسية فى اميركا هى (سي.ان.ان) و (ايه.ابي.سي) و (سي.بي.اس) و (ان.بي.سي) و (فوكس.نيوز) اضافة الى اكبر صحيفتين
امريكيتين هما (واشنطن.بوست) و (نيويورك.تايمز) كمادة بحثية لكتابه حيث خصص 10 فصول تتعلق ب10 محطات رئيسية فى احداث الانتفاضة للتدقيق فى كيفية تغطيتها من قبل وسائل الاعلام تلك .
والفصول الـ10 هى (زيارة شارون الى المسجد الاقصي) و (وانذار باراك للفلسطينيين بوقف الانتفاضة) و (احداث رام الله) و (قمة شرم الشيخ) و (انتخاب شارون) و
(اقتحام غزة) و (تفجير مرقص دالفينياروم فى تل ابيب) و (حادثة السفينة كيران
والاسلحة المهربة) و (مهمة كولن باول) واخيرا (مجزرة جنين) .
وعدد المؤلف فى تلك الفصول ما اسماه بانحياز وعدم دقة وسوء نية بعض مراسلي
وسائل الاعلام الاميركية فكان لمحطة (ايه.بي.سي) نصيب الاسد من الانتقاد حيث وصف المؤلف المحطة باسرها انها منحازة وشن هجوما لاذعا على المذيع الشهير فيها بيتر
جيننغز وكيف كان يحرر ويحور الاخبار لتكون ضد اسرائيل على حد قوله كما شن هجوما على مراسلي القناة فى اسرائيل والاراضي الفلسطينية .
ويقول المؤلف عن جيننغز بأنه " يريد ان يجعل المشاهدين يصدقون ان اسرائيل لا
تحارب الارهاب ولكنها تستغل الارهاب لقتل طموح واحلام الفلسطينيين " .
وحظيت صحيفتى نيويورك تايمز وواشنطن بوست بحصة وافرة من الملاحظات منتقدا بعض مراسليها متهما اياهم بمعاداة اسرائيل وحقها فى الوجود .
ويشير المؤلف فى كتابه الى معضلتين فى تغطية الاعلام الاميركي لاحداث الانتفاضة وهما (الانحياز) و (الجهل) . وبالنسبة لعامل الانحياز يقول المؤلف ان هناك محطات مثل (اي.بي.سي) والتى تعتبر جلها بانها منحازة على مستوى مذيعيها ومحرريها ومراسليها فى حين ان المحطات الاخرى ونيويورك تايمز وواشنطن بوست لديها بعض المراسلين " المعادين لاسرائيل " حيث يورد اسماء صحفية لامعة مثل ديفيد هاوكينز من (سي.بي.اس) ومايك حنا وجيرولد كيسيل من (سي. ان.ان) واندريا ميتشيل من (ان.بي.سي) وديبورا سونتيج من (نيويورك تايمز) ودانييل ويليامز من (واشنطن.بوست) . غير ان المؤلف يستدرك بان تلك المحطات والصحف بعكس محطة (ايه.بي.سي) لديها مراسلون اخرون غير منحازين مما يضفي عليها نوع من التوازن . ويشير الى نموذج ايجابي من المراسلين مستشهدا بمراسل (اني.بي.سي) مارتن فليتشر حيث يقول انه نادرا ما يكون "لينا" مع اسرائيل على حد قوله وهذا من اتضح فى تغطيته لمجزرة جنين ولكن فليتشر فى نفس الوقت غطى الكمين الذى تعرض له جنود اسرائيليون فى احد البيوت فى جنين على عكس باقى وسائل الاعلام التى تجاهلت الاشارة اليه .
اما بالنسبة لعامل (الجهل) فيشير المؤلف الى ان هناك صحفيين اميركيين يجهلون
الحقائق على الارض وخلفية النزاع الفلسطيني الاسرائيلي الامر الى يوقعهم فى دائرة
التغطية غير المتوازنة وظلم اسرائيل . ويورد مثالا على عنصر الجهل بالاشارة الى مراسلة (سى.ان.ان) الشهيرة كريستيان امانبور الذى يقول انها انتقلت فجاة الى اسرائيل وهى لا تعرف شيئا عن الملف ومنها انها لا تعرف ان المستوطنين هو مواطنون اسرائيليون وان ايهود باراك محسوب على الحمائم او ان حركة حماس مؤيدة للعنف على حد قوله . ويذهب المؤلف فى عرضه غير المتوازن من الاساس الى حد القول بانه يفهم حرص المراسلين على تغطية ما يقوله كل جانب على اساس ان هذا هو من ابجديات الموضوعية لكنه يقرر ان الطرفين ليسا متساويين حيث ان الفلسطينيين يكذبون باستمرار بدءا من ياسر عرفات وصولا الى الاطباء فى المستشفيات بينما اسرائيل دولة ديمقراطية محكومة بقوانين وهذا ما يجعل اسرائيل احيانا تذهب الى تصديق ارقام الضحايا الفلسطينيين كما يوردها الفلسطينيون فى البداية ومن ثم يتم تصحيحها بعد ان تتكشف الحقائق على حد قوله . ويضرب مثلا على ذلك كيف اقر الاسرائيليون بداية بان ضحايا مجزرة جنين بلغوا 200 ضحية الا انه تم تصحيح العدد بعد ذلك بحسب قراءة منظمات دولية مراقبة حيث بلغ العدد اكثر من 50 بقليل .
وقد يكون المؤلف وهو خبير استراتيجي مقيم فى معهد (اميريكان.انتربرايز)
المعروف بتوجهاته المؤيدة لاسرائيل والذى يعتبر معقلا من معاقل المحافظين الجدد
فى اميركا منطقيا اذا ما تحدث عن وسائل اعلام امريكية غير معروفة ولديها سجل فى
معاداة اسرائيل ونصرة القضايا العربية وخصوصا تلك المحسوبة على اليسار والشيوعيين الاميركيين والذين يكثرون فى اوساط المثقفين والفنانين والممثلين لكن ان تكون اهم سبع وسائل اعلام اميركية محل اتهام بالانحياز للفلسطينيين فهو مصدر الغرابة .
- آخر تحديث :
التعليقات