الياس توما من براغ : عادت الشرارات تتطاير بين موسكو ووارسو من جديد بعد أن قررت النيابة العامة الروسية الأسبوع الماضي عدم اعتبار ما تسميه وارسو بالمجزرة التي قتل فيها 22 ألف ضابط ومثقف ورجل شرطة بولنديين في عام 1940 بمناطق كاتين وخاركوف وميدنوم زمن حكم ستالين بأنه عملية إبادة جماعية .
وقال رئيس معهد الذاكرة الوطنية الذي ترأس الوفد البولندي إلى محادثات موسكو ليون كيريس إن هذا القرار يعني أن مرتكبي هذه المجزرة سيفلتون من العقاب على الرغم من وجود شبهات قوية بان الكثير منهم لا يزالون أحياء.
رد فعل الصحافة البولندية كان اكثر حدة فصحيفة غازيتا فيبورتشا علقت على قرار النيابة العامة بالروسي بالقول إن موسكو لا تستطيع التخلص من الكذب في تاريخها وحسب الصحيفة فان موسكو لا تستطيع الاعتراف بأنه منذ ثورة البلاشفة عام 1917 والى حين انتهاء الفترة الستالينية عام 1953 عاش الروس في ظل ديكتاتورية الإبادة لان هذا الاعتراف سيتطلب تحقيقا واسعا ونزيها والتعويض للضحايا أو لاقاربهم .
وتقول الصحيفة أيضا إن روسيا ليست قادرة على القيام بذلك لأنها استمرار للاتحاد السوفيتي ولم تخلف على أساس أنها النقيض للاتحاد السوفيتي .
وعلى الرغم من اتفاق الطرفين البولندي والروسي على أن الأمر بالإعدام الجماعي لهؤلاء الضباط والمثقفين قد صدر عن أعضاء بارزين في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي وان الشرطة السرية لستالين هي التي نفذت ذلك إلا أن الطرفين يختلفان بشأن المسألة الجوهرية في هذه القضية فالروس يرفضون إعادة تصنيف ما جرى بأنه إبادة جماعية متذرعين بأن الاتحاد السوفيتي قد صادق في عام 1948 على الاتفاقية الخاصة بجرائم الإبادة في إطار الأمم المتحدة ولهذا فانهم لايمكن أن يطبقوا بشكل رجعي هذا الأمر على ما جرى قبل ذلك التاريخ كما أن موسكو ترفض الكشف عن أسماء نحو 2000 شخص ساهموا في نقل السجناء البولنديين ثم تصفيتهم .
ويقول الناطق باسم معهد الذاكرة الوطنية البولندي ستانيسلاف تسيخانوفسكي إن الروس لو اعتبروا ما جرى بأنه جريمة إبادة جماعية لتوجب عليهم حسب الاتفاقات الدولية إجراء تحقيقات واسعة للمسالة. صحيح أن الطرف الروسي قد حقق في العشرة أعوام الماضية مع نحو 900 من الشهود والمشاركين غير المباشرين في هذه الجريمة غير انه لم توجه التهمة لأي شخص .
ويعتبر النائب العام العسكري الروسي الجنرال الكسندر سافيينكوف الجريمة بأنها قد ماتت بالتقادم لانه لا أحد حسب قوله من الذين نفذوها ظل على قيد الحياة الآن.
وعلى الرغم من استمرار الخلافات بين الطرفين إلا أن المفاوضين البولنديين نجحوا مؤخرا في الحصول على موافقة الطرف الروسي على تمكين الخبراء البولنديين من الاطلاع على 150 ملفا من الوثائق الخاصة بهذه المجزرة الموجودة في الأرشيف الروسي .
ويقول كيريس معلقا على هذا الأمر : لقد كنا نعلم بوجود 80 ملفا فقط و الآن بعد الموافقة الروسية نريد أن نرسل في اقرب وقت إلى موسكو نائبا عاما ومؤرخا كي يدرسا الملفات الموجودة .
وفي دليل على اهتمام وارسو الكبير بهذه القضية التي تلقي بظلاها على العلاقات البولندية الروسية قال مصدر حكومي بولندي إن الرئيس الكسندر كفاشنيفسكي يريد بحث مجزرة كاتين خلال زيارته إلى موسكو في أيلول سبتمبر القادم مع الرئيس فلاديمير بوتين وانه سيحاول إقناعه بان تتبنى موسكو مواقف اكثر إيجابية في هذا الملف أو صدور اعتذار أو أسف من موسكو ويعتقد هذا المسؤول البولندي ان موسكو ستمتلك فرصة مناسبة لذلك عندما سيقوم بوتين في كانون الثاني يناير من العام القادم بزيارة مدينة كراكوف البولندية ومعسكر اوسفيتيم .
يذكر أن القبور الجماعية لضباط بولنديين وقعوا في الأسر الروسي عام 1939 أثناء تقسيم بولندا بين الاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية قد اكتشفها الألمان عام 1943 وظن في البداية ان الألمان هم الذين ارتكبوا هذه المجزرة غير أن محكمة نورمبرغ برأتهم من ذلك بينما التزم السوفييت الصمت حتى عام 1990.
وسلمت موسكو وارسو بعد سقوط النظام الشيوعي فيها الوثائق الخاصة بهذه المجزرة وتبين منها بان الذين وقعوا على قرار إعدام 14552 ضابطا بولنديا أسيرا ثم على قرارات إعدام 11 ألف بولندي أخر كانوا في السجون السوفيتية بينهم أطباء وحقوقين في آذار مارس من عام 1940 هم ستالين ومولوتوف وفورشيلوف وميكويان وكالينين وكاغانوفيتش أما الأشياء الشخصية لهؤلاء الضباط والمثقفين فقد أزيلت بناء على أمر صدر من خروتشوف عام1959.
- آخر تحديث :
التعليقات