لم يكن متوقعا أو مخططا، أن تتحول رحلة خاصة لشركة طيران " جوردان إفييشن" هدفها إثبات عودة طائراتها للملاحة في الأجواء الفرنسية والإيطالية ، الى ما يشبه التظاهرة الإعلامية أو الندوة التي كانت بلا كاميرات لتسجيل لحظات انفعالية بلغت حد ذرف الدموع ، أو مايكروفونات تنقل أصواتا علت، وأخرى همست دون أن يسمعها أحد.


يمكن القول إن الرحلة الى مطار تشارلز ديغول انطلاقا من المطار القديم في أحد ضواحي العاصمة عمان على متن البوينغ، مرورا بأجواء الجولان المحتل ولبنان وقبرص واليونان وروما التي توقفنا بها، كانت ساحرة أيضا رغم تعب المشاركين جراء الطيران المستمر أكثر من عشر ساعات لإثبات حقيقة، فالتوقف في روما الإيطالية رغم طوله لم يشعر به أحدا، لأن رؤوس أكثر من أربعين صحافياً اقتربت من بعضها البعض حد الإلتصاق، وفي مشهد قال عنه الحضور أنه نادر الحدوث على الأرض.


شرارة الندوة بدأت بمداعبة بإقتراح أطلقه إعلامي عربي أسر مراسل " إيلاف" كرهينة على متن الطائرة، وتصويره مع إعلاميين ملثمين في شريط فيديو وإرساله لفضائية الجزيرة كي تبثه مع إرسال رسالة لصحيفة إيلاف بهدف إرغامها على سحب البطئ القاتل كما وصفوه عن الموقع الإلكتروني الجديد مقابل الإفراج عن مراسلها في الأردن.


الإقتراح الظريف الذي حظي بتأييد ساحق من ركاب الطائرة كشف عن الود ، والمحبة الفائقة التي يكنها الإعلاميين لإيلاف ومصداقيتها، وسرعة تعاطيها مع الحدث العربي والدولي كما قالوا وقال أحدهم إن إيلاف بالنسبة لهم هي قطعة الكروسان اللذيذة مع فنجان قهوة كل صباح ، فيما فضل آخرون القول بأن لـ" إيلاف" كل صباح سحر الشروق.


و كان الحديث عن " ايلاف" مدخلا عفويا للحديث عن متاعب المهنة محليا وعربيا، فصاحبة الجلالة فيما بدا كانت تحمل أبناءها بأكثر مما يحتملونه، وكان أول سؤال خلال الندوة كما أصطلح على تسميتها لاحقا هو : لماذا نجحت " إيلاف" رغم غرابة التجربة وجرأتها المفرطة وقتذاك في حين هوت تجارب ورقية تقليدية ؟ السؤال المفاجئ طرح فيما كانت الطائرة تعلو وتهبط بغنج فوق هضبة الجولان السورية المحتلة، وللحقيقة فإن بشاشة المضيفات رولا وسمية ورشا وأخريات أضفن بهجة وألقا للحوار بترطيب أجوافنا بما لذ وطاب.


مثلما جاء السؤال عفويا حد البراءة ، أتى الجواب عفويا بكلمات قالها الناشر الأستاذ عثمان العمير في كلمة تدشينية افتتاحية تعريفية بالمخلوق الإعلامي الجديد " إيلاف" قبل سنوات تحت عنوان " يقولون ما أنت" فقد أستذكرها طارح السؤال حينما قال أن ناشر إيلاف أعلن بصراحته التي تميزه مهنيا وتميز كذلك تجاربه وأدواته المهنية، بأنه لن يكون حزينا أو مندهشا فيما لو ودعت إيلاف لأسباب تتعلق بالمال، لكنه سيكون حزينا فيما لو حاد مشروعه الفتي وقتذاك عن القواعد الإعلامية والمهنية، وقال الإعلامي أن إيلاف بقيت وستبقى لأن ناشرها أعلن منذ البداية، بأن مشروعه ليس مرتبطا بأحد، ولن يكون بوقا لنظام أو رئيس ولن ينطق باسم حزب.


وإنتقل الحديث بعد ذلك الى هموم مهنية محلية صرفة حيث عرج كثيرون على الحدث الصحفي الطازج أردنيا، والمتمثل في انضمام صحيفة يومية جديدة هي " الغد" التي جاءت بحسب ضيوف الندوة أقل بكثير من التوقعات رغم تأكيدهم بأنها ليست أسوأ من الصحف الاخرى، وقال آخرون إن جميع التجارب الصحفية الجديدة في الأردن لن تحظى بأي نجاح، لأن الجدد إعلاميا لايهتمون بتثوير القواعد النمطية المغرقة في الكسل المهني، وأن الأعداد الأولى تأتي رصينة ثم تنحاز الى لغة السوق ورغبات الشارع، إلا أن الإعلامية الأردنية لينا مشربش مديرة مكتب قناة الحرة شنت هجوما على أدعياء فكرة مرض الوليد الجديد مطالبة، أن يمنح الفرصة الكافية لإثبات وجوده ملمحة الى أن أي تجارب جديدة لن تحظى بالقبول هامسة في أذننا بان (الناس بدها هيك)، مشربش ذاتها المعروفة بصلابة مواقفها وشراستها في الدفاع عن قيم مهنية نبيلة تطرقت الى مسألة الإنعكاس السلبي للمهنة على الأسرة والعائلة ، فهي تقول من جهة أن لأسرتها عليها حق ومن جهة أخرى لا تستغني عن المهنة فقد عشقتها كما تقول، وهي تفكر هذه الأيام لتقرر مصيرا فهي تنوي الإبتعاد الى بريطانيا فقد عاشت هناك طويلا حيث واكبت طلة ام بي سي من لندن قبل أكثر من عشر سنوات.
الزميل جهاد الرنتيسي وهو إعلامي له خبرات متراكمة من العمل الإعلامي في أكثر من جريدة أردنية وعربية طرق موضوعاً في غاية الأهمية، ألا وهو الموضوع العراقي الشائك والمتشابك فقد أمكن إعتبار الرنتيسي شاهد عيان على مايحدث في العراق، فقد رحل أليه مرات عدة في مهمات صحافية محفوفة بالمخاطر لإستطلاع الحال، و أكد وبصراحة متناهية تحسب له أن ما يحدث في العراق ليس مقاومة ولا جهاد كما يحاول بعض المتدينين والقوميين تسويقه. مؤكدا، بأن المقاومة أو الجهاد لايوجهان للأبرياء العراقيين ، وقال الرنتيسي أنه احتك بمئات العراقيين اللذين أزروا رأيه، وقال الرنتيسي أن العراقيين قالوا له لافرق لدينا في من يحكمنا حتى لو حكمنا الجن فنحن بالتالي شعب يريد السلام والبناء وتدريس أبنائه .

زميلة أخرى هي إيمان عريقات مراسلة فضائية قطر في الأردن صارت عنونا لصلة الرحم على الطائرة فقد كان حملها في الشهور الأولى مدعاة لإطمئنان الجميع عنها، والسؤال عن صحتها فقد ظلت تتحرك بين ركاب الطائرة لتجري لقاء مع ذاك وحوارا مع مسؤول في الشركة فيما لم يرحمها المصور التلفزيوني المرافق فقد دفعها لإعادة تسجيل مقدمة ريبورتاجها أكثر من عشر مرات.
الزميلة عريقات شكلت نموذج الإعلامية العربية التي تستحق التقدير، وفتحت نقاشا حول ضرورة تولي المرأة ليس أردنيا فحسب، وإنما عربيا أيضا مفاتيح وسلطة القرار الإعلامي مادامت متميزة ومهنية وتحتمل فراق زوجها وحركة جنينها في أحشائها لتنقل حقيقة الى مشاهدها كان يمكن لها أن تكتفي بأخذها جاهزة من وكالات الأنباء، لكن عريقات تريد أن تسافر وتريد أن تلوي المايك في كلتا اليدين وتهندم كلماتها أمام كاميرا مهتزة بفعل المطبات الهوائية وأمام مصور لايرحم رغم دماثة خلقه وخفة دمه.