بهية مارديني من دمشق: أجمع حقوقيون سوريون على ان حقوق الانسان في سورية شهدت انتكاسة حقيقية في عام 2004 ، واعلن المحامي هيثم المالح رئيس جمعية حقوق الانسان في سورية في تصريح لـ"ايلاف" انه لا يوجد تغييرات نحو الأفضل على الصعيد الحقوقي في سورية بل يوجد ارتداد في ظل استمرار حالة الطوارىء خلافا لما يصرح به المسؤولين السوريين ، مشيرا الى انه ما لم يجر تغيير جذري من الناحية القانونية بانهاء حالة الطوارىء والغاء القوانين المتعارضة مع الدستور ومع حقوق الانسان ومع الشرعية الدولية لن يتم التغيير الحقيقي المنشود.

وطالب المالح بكف يد الاجهزة الامنية عن مضايقة الناس، وانهاء صلاحيات المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين ، والغاء محكمة امن الدولة والمحاكم الاستثنائية بكل اشكالها ، وتساءل المالح كيف اقول ان هناك تغييرا وانا ممنوع من السفر وكيف اقول ان هناك تغييرا اذا كان المواطن غير متمتع بحريته في بلده؟ ، مشيرا الى انه يبقى الكلام عن التغيير رتوشا وتجميل على ارض الواقع ، مؤكدا على ضرورة مكافحة الفساد ووقف الهدر الحكومي غير المبرر ونهب المال العام "فقد تغول الفساد على كل شيء وضريبة الاستهلاك الجديدة اثقلت كاهل الفقير ، ثم كيف يطالب المواطن بحقوقه وهو جائع "؟ ، وشدد المالح متسائلا "ماذا يمنع السلطة من الافراج عن المعتقلين في السجون وفروع الامن ؟ ، وماسبب بقاء الطالبين عرب ودبس في المعتقل حتى الآن رغم انهما لم يقوما سوى بالاحتجاج على القرار بعدم مسؤولية الدولة عن تعيين المهندسين ، ولفت الى جنحة الطالب احمد قاسم وهي توزيع صحيفة حزب كردي ، وتساءل كيف ترفض السلطات اطلاق سراحه ومحاكمته طليقا علما انه متهم بجنحة بينما هناك متهمين بجنايات تمت محاكمتهم طلقاء وُسمح لهم بمغادرة البلاد ، ثم لماذا لايتم استدعاء رئيس الحزب المسؤول عن ذلك ؟"، واشار المالح الى ان المعتقل عبد الرحمن الشاغوري الذي سجن بتهمة استخدام الانترنت فقد شمله العفو الرئاسي ولم يطلق سراحه ، معربا عن اسفه لعدم وجود المساواة و التكافؤ امام القانون في ظل وجود جو عام غير قانوني .
واضاف المالح كيف نحاسب السلطة ومجلس الشعب ليس له فعالية وهناك مشكلات كثيرة والاحكام القضائية لاتنفذ .

ولدى سؤاله عن الحل ؟ اجاب لايوجد حل فقد وصلنا الى طريق مسدود ما لم تفتح السلطة الطريق لانه من غير الممكن الاستمرار في هذا الوضع .

من جانبه اكد المحامي محمد رعدون رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان في سورية في تصريح ل"ايلاف" انه لامؤشرات على حصول أي تقدم على صعيد حقوق الانسان في سورية بل على العكس هناك عودة الى الوراء ، وان الافراجات عن السجناء السياسيين التي شهدناها لاتعدو ان تكون من باب تحصيل حاصل فهؤلاء المفرج عنهم انتهت احكامهم وبعضهم بقي في السجن اكثر من مدة عقوبته ، اما من افرج عنهم ولم تنته احكامهم فقد كان هذا الافراج بناء على نصيحة من طبيب السجن اذ تحرص السلطات السورية على الايموت احد في سجونها ، واوضح رعدون ان هناك ايضا مسالة المفقودين والذين قبضت عليهم السلطات ولم نعرف اخبارهم حتى الان فلم يحدث أي تقدم في ملف المفقودين اذ ينبغي على السلطات السورية ان تتصدى بشجاعة لهذا الملف وتخبر عن مصير جميع الذين اعتقلتهم سواء ما زالوا احياء داخل السجون السورية او توفوا بعد الاعتقال ،كما يجب ان يصدر عفو شامل عن المعتقلين السياسيين وهذا ما لم يحدث بعد.

ولفت رعدون الى انه في عام 2004 كثر عدد الممنوعين من السفر، وكل يوم يفاجىء المواطنون بمنعهم من ذلك وهذه ظاهرة لاتبشر بخير ابدا، وتؤكد ايضا على ان السياسة السلطات السورية في مجال الحريات لاتسير وفق استراتيجية ثابتة بينما تسير وفق ما يسمى بادارة الازمات ، وهذا ليس مقبولا من دولة لها دستور وتحكمها الشرعية القانونية ، وايضا هناك موضوع المنفيين الاختياريين والاجباريين وهناك مواطنون سوريون مطلوبون لدى السلطات السورية وهربوا خارج سورية وهناك مواطنون يخشون ان تطلبهم السلطات بسبب الاوضاع السائدة في الثمانينات الامر الذي جعل 400 الف سوري بين منفي طوعي ومنفي اجباري، وشدد رعدون ان هذا التغيير تدهور في مجال الحريات العامة لذلك ينبغي على السلطات السورية معالجة هذا الامر وان تصدر عفو حقيقي عن جميع الجرائم السياسية التي اتهم اصحابها بها خلال الربع قرن الماضي وهناك احكام تصدر عن القضاء الاستثنائي وهو يضعف او يعدم الضمانات للمتقاضين والاحكام التي صدرت عن القضاء الاستثنائي كلها احكام جائرة ولم يتلق المتهمون الضمانات القانونية التي يجب ان تتوافر في المحكمة العادلة لذلك ينبغي على السلطات السورية ايضا ان تلغي القضاء الاستثنائي كما الغيت محكمة الامن الاقتصادي ، ولفت رعدون الى موضوع الانتخابات حتى الان اذ انها لاتتسم بالنزاهة" ويحضرني الان في انتخابات نقابة المهندسين ماسمعنا بان صندوق الذي تم به الاقتراع قد تم نقله من مكان الفرز الى مكان اخر للفرز وان صح هذا فهي سابقة خطيرة لاتشير الى تغيير في سياسة السلطات السورية في مجال الحريات العامة".

اما المحامي والناشط الحقوقي انور البني فاكد في تصريح لـ"ايلاف" ان عام 2004 كان حافلا بانتهاكات حقوق الانسان في سورية منذ قمع التجمع السلمي الذي حصل احتجاجا على استمرار حالة الطوارىء امام مجلس الشعب في اذار (مارس) الماضي واعتقال عدد كبير من المشاركين فيه لمدة قصيرة الى اعتقال ناشطين في لجان الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان ورئيس هذه اللجان المحامي اكثم نعيسة، ومن ثم جاءت احداث القامشلي المؤسفة وعدد الضحايا الذين سقطوا فيها والاعتقالات الكبيرة التي شملت اكثر من 3 الاف على خلفيتها واستعمال التعذيب اللاانساني الذي ادى الى وفاة اكثر من تسعة اشخاص والشروط والمعاملة اللاانسانية للسجناء .

ولفت البني الى قمع النشاط السلمي لمجموعة الطلاب في حلب ودمشق الذين عبّروا عن معارضتهم لالغاء قانون تعيين المهندسين واحالة اثنين منهم الى محكمة امن الدولة العليا بتهمة مناهضة الثورة ، وتم التضييق على حرية الفكر والتعبير واعتقل الكاتب نبيل فياض وجهاد نصرة ومحاولة منع الكاتب لؤي حسين من الكتابة واعتقل الكاتب الكردي طه حامد وقُمع التجمع السلمي بمناسبة يوم المعتقل السوري في 21 حزيران (يونيو ) بشكل عنيف وقمع التجمع السلمي بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان في اواخر السنة الماضية.

واشار البني الى منع من السفر عدد من النشطاء واستدعاء بعضهم لمراجعة الفروع الامنية و التضييق على نشاطهم و الافراج عن عدد من المعتقلين السياسيين حوالي 300 معتقل معظمهم انهى فترة احكامه منذ فترة طويلة.

واضاف البني ان كل هذه الاحداث تعكس ان عام 2004 شهد انتهاكات كبيرة وكان سيفا على صعيد حقوق الانسان في سورية ورغم الوعود والتصريحات التي اطلقت حول الاحلام في التطوير والانفتاح ، ظلت على صعيد الاعلام فقط ولم تنتقل الى الواقع العملي واستمرت السلطة تستعمل اسلوب القمع والتخويف بين النشطاء والسيايسيين وصدرت عدة احكام عن محكمة امن الدولة العليا للحد من نشاط المجتمع ولم يتم تغيير أي قانون او السماح لجمعيات حقوق الانسان والمجتمع المدني بالحصول على الترخيص القانوني وهذا يؤكد انه لم يحصل أي تطور ايجابي على هذا الصعيد يمكن ان يعتمد عليه كخطوة حقيقية تجاه احترام حقوق الانسان.

واعتبر البني ان التغيير الحقيقي يجب ان يكون بتعديل القوانين التي تنتهك حقوق الانسان والاعتراف القانوني بنشاط وعمل هيئات المجتمع المدني بما فيها حقوق الانسان وحرية العمل السياسي ضمن قانون احزاب ومنح الصحافة المستقلة الحرية واطلاق التراخيص للمجلات والصحف السياسية وتعديل قانون المطبوعات بما يحترم حرية الصحافة ويلغي العقوبات بحق الصحافيين .

واعتبر عبد الكريم الريحاوي المدير التنفيذي للمنظمة السورية لحقوق الانسان"سواسية" في تصريح ل"ايلاف" الوضع الاقتصادي المتردي للمواطن السوري وحرمانه من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية هو عامل اساسي في حرمانه من التمتع ببقية الحقوق ، فالفقر وارتفاع نسبة البطالة والبحث الدائم عن مصدر رديف للدخل ادى الى العزوف عن المشاركة الفعالة في العمل السياسي والانخراط في العمل الاهلي اضافة الى بقاء حالة الطوارىء المعلنة منذ عام 1963 واستمرار العمل بالاوامر والاحكام العرفية مما وضع قيودا كثيرة على ممارسة المواطن لحقوقه الرئيسية ، وبما ان الدولة بمختلف مؤسساتها واجهزتها هي المسؤول الاول عن حماية هذه الحقوق فانها للاسف هي المسؤول الاول ايضا عن انتهاك هذه الحقوق وقد جاء عام 2004 .

واكد الريحاوي انع على غير ماكنا نتمنى كناشطين في حقوق الانسان فقد شهد هذا العام تراجعا كبيرا في احترام حقوق الانسان في سورية حيث ما زال قانون الطوارىء يرخي بظلاله الثقيلة على المجتمع السوري وذلك عبر مصادرته لأبسط الحقوق الاساسية للمواطنين كحرية التعبير عن الراي والاعتصام والتجمع السلمي حيث جرى منع العديد من الاعتصامات السلمية التي دعت اليها فعاليات حقوقية وسياسية في مناسبات عديدة خلال العام وتم تفريقها بالقوة كما استمرت محكمة امن الدولة الاستثنائية بالعمل بنشاط هذا العام وخاصة بعد احداث القامشلي المؤسفة ، اضافة الى المحاكم الاستثنائية الاخرى كالقضاء العسكري ، كما جرى منع العديد من الناشطين الحقوقيين من السفر مما يعد انتهاكا واضحا للدستور السوري ومبادىء حقوق الانسان العالمية .

واشار الريحاوي انه رغم توقيع سورية على اتفاقية مناهضة التعذيب في الاول من شهر تموز (يوليو) 2004 الا ان التعذيب لايزال مستمرا بشكل منهجي في اغلب مراكز التوقيف والاحتجاز وقد وردتنا شكاوى عديدة عن التجاوزات التي ترتكب في هذه المراكز ومما يدعو للقلق ارتفاع عدد حالات الوفاة تحت التعذيب خلال هذا العام .

و اكد الريحاوي رغم اطلاق السلطات السورية من المعتقلين السياسيين هذا العام وعلى دفعات الا ان العديد من السجناء السياسيين ومعتقلي الراي والضمير ما يزالون قيد الاعتقال ،وراى ان الافراج عن كافة المعتقلين السياسيين يشكل مدخلا اساسيا للبدء باغلاق هذا الملف نهائيا وذلك يتطلب الكثير من الجراة والشفافية من قبل الجهات المسؤولة في تعاملها مع ملف الاعتقال السياسي .

وامل الريحاوي ان يحمل العام القادم انفراجات حقيقية في مجال احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية ، ودعا كافة المنظمات السورية لتضافر جهودها لتعزيز احترام حقوق الانسان في المجتمع السوري عبر التنسيق والعمل المشترك لجعل الانسان السوري مواطنا قادرا على التفكير بشؤون مجتمعه والمساهمة في ادارة بلاده على النحو الذي يرتضيه عقله وضميره.