سمية درويش من غزة: شهد العام المنصرم هجمة شرسة طالت كافة إنجازات الحركة الأسيرة داخل السجون الإسرائيلية التي حققوها بالدماء والمعاناة والتضحيات على مدار 36 عاما، وذكر تقرير صادر عن الدائرة الإعلامية بوزارة الأسرى والمحررين ان العام الماضي هو الأسوأ بالنسبة للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية حيث تشهد أوضاعهم تراجع مستمر لم تشهد مثله السجون منذ 30 عاما ،واخطر ما قامت به الحكومة الإسرائيلية هو محاولة إضفاء صفة الإرهاب على المعتقلين الفلسطينيين، والتعامل معهم كإرهابيين مشبهة إياهم بمعتقلي غوانتنامو ،وذلك لمنع التعاطف الدولي مع المعتقلين، وتبرير ما تقوم به سلطات الاحتلال بحقهم من إجراءات تعسفية.

وأفاد تقرير الأسرى الذي تلقت "إيلاف" نسخة منه، بان الحكومة الإسرائيلية أولت مسئولية الإشراف على السجون والمعتقلات لقادة متطرفين، يتعاملون مع الأسرى بمنطق عسكري بحت، الأمر الذي أدى الى ازدياد عمليات القمع والاضطهاد ضد الأسرى والأسيرات.

وأكد رياض الأشقر مدير الدائرة الإعلامية بوزارة الأسرى أن عدد الأسرى والمعتقلين الذين دخلوا السجون والمعتقلات الإسرائيلية منذ عام 67 بلغ أكثر من نصف مليون فلسطيني، ومنذ انتفاضة الأقصى دخل السجون حوالي 35 ألف أسير، لا يزال منهم اكثر من 8 آلاف أسير قابعين في السجون، منهم 361 طفل، و126 أسيرة، وحوالي الف أسير مريض بأمراض مختلفة منهم من يعانى من إعاقات دائمة ، كفقد البصر، وبتر القدم، أو الشلل النصفي. والف معتقل إداري، حيث تصاعدت وتيرة التمديد للمعتقلين الإداريين هذا العام، ووصلت الى 10 مرات لبعض المعتقلين، مما دفع الأسرى الإداريين الى مقاطعة المحاكم الإدارية احتجاجا على سياسة تجديد الاعتقال الإداري.

ومن بين الاسرى (2464) أسير محكوم بأحكام مختلفة، منهم ( 434) أسير امضوا اكثر من 10 سنوات في السجون، و( 140) أسير امضوا اكثر من 15 عاما في السجون، و(16) امضوا اكثر من 20 عاما، وخمسة أسرى أقدمهم سعيد العتبة امضوا اكثر من ( 25) عاما في السجون وما زالوا.

وقد وثقت وزارة الأسرى والمحررين خلال هذا العام حوالي (2000) حالة اعتقال، مقابل (500) حالة اعتقال عام 2001، وشهد عام 2004 ارتفاعاً فى عدد شهداء الحركة الوطنية الأسيرة حيث وصل إلى 176 شهيداً، مقابل 165 شهيدا حتى أواخر العام 2003.

وشهد هذا العام ارتفاعا فى الأحكام المؤبدة على الأسرى لعشرات المرات ، حيث وصل عدد الأسرى المحكومين بمدى الحياة الى (444) أسير، ومن بينهم الأسير(عبد الله البرغوثى) الذى حكم بالسجن المؤبد لمدة 67 مرة، ويعتبر هذا الحكم الأعلى فى تاريخ المحاكم الإسرائيلية.

سحب الإنجازات
وأوضح الأشقر بان هذا العام المنصرم شهد سحبا للعديد من إنجازات الأسرى التاريخية من أهمها سحب العمل فى المطبخ من أيدي الأسرى الأمنيين، وتسليمها للجنائيين اليهود، الأمر الذي أدى إلى عدم تناول الأسرى للطعام الذى يطهيه الجنائيين لعدم تناسبه مع عقيدتهم وتقاليدهم، ودفعهم إلى تجهيز الطعام على حسابهم الخاص مما ضاعف من النفقات والمصاريف بشكل كبير أدى إلى نقص فى الأموال التى تصل للمعتقلين، هذا بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأغراض فى كنتينة السجن بشكل كبير.

كذلك اشتكى الأسرى من تقديم وجبات غذائية فاسدة أدت فى كثير من السجون إلى إصابة المعتقلين بالتسمم، وهذا حدث فى زنازين المسكوبية حيث أصيب (11) أسير فلسطيني بالتسمم بسبب الطعام الفاسد وكذلك أصيب عدد المعتقلين فى معتقل عتصيون جنوب بيت لحم، بالتسمم جراء تناولهم طعاما منتهى الصلاحية قدمته لهم إدارة السجن، وكذلك فى عسقلان قدمت الإدارة وجبة بيض فاسد أدى الى إصابة العديد من الأسرى بالتسمم.

ومن الأمور الهامة التي تم سحبها ايضا المغسلة وما يترتب عليها من معاناة للأسرى الفلسطينيين، حيث كان الأسرى الأمنيين يتولون العمل في المغسلة، ولكن في هذا العام تم نقلها وتسليمها للجنائيين، و يفضل الأسرى غسل ملابسهم بأنفسهم وعدم تركها للجنائيين، لضمان نظافته .

إجراءات عقابية
وأشار الأشقر بان سلطات السجون فرضت العديد من الإجراءات العقابية على الأسرى أعادت من خلالها إدارة السجون أوضاع الأسرى إلى السبعينات، حيث منعت الزيارات عن الآلاف من الأسرى ولفترات طويلة تصل إلى سنوات كما هو الحال مع الأسير الضرير علاء الدين البزيان المحكوم عشرين سنة، ولم يسمح له بالزيارة منذ 4 سنوات، وعندما فقد الأمل في زيارة أهله، طلب تحويل زيارته إلى مكالمة هاتفية مع الأهل، إلا أن سلطات السجون رفضت ذلك أيضا.

ومن الإجراءات العقابية منع ممثلي الأسرى من التنقل بين الأقسام ، للاطلاع على أحوال الأسرى، ومحاولة حل المشاكل التي قد تطرأ عليهم، كما منعت الأسرى من التنقل بين الغرف، داخل القسم الواح .

كما عادت معاناة أهالي الأسرى في الزيارات كسابق عهدها، من التفتيش المذل والمهين الذي يتعرضون له على الحواجز الإسرائيلية، وعلى بوابات السجن، كما تمنع إدارة السجون الأهالي من إدخال المواد الغذائية والملابس، والقهوة والزيت وغيرها من المواد الأساسية التى كانت مسموحة فى السابق .

كذلك اتبعت سلطات السجون إجراء عقابيا جديدا وهو فرض غرامات مالية كبيرة على الأسرى يتم خصمها من كنتين السجن الخاص بالأسرى، وذلك لاتفه الأسباب كأن يرمى الاسير ورقة في ممر السجن، او تنظر للسجان نظرة لا تروقه، او تعلق حبلاً للغسيل داخل الغرفة.

وأشار الأشقر الى سلطات السجون تستخدم أسلوب التنقل المستمر للأسرى بين السجون المختلفة، وذلك لعدم شعور الأسير بالاستقرار، وللتأثير على زيارات الأهل ،ولقاء المحاميين ، حيث تعمد سلطات السجون لنقل الأسرى بعيداً عن مناطق سكناهم لزيادة المعاناة على الأهل فى الزيارة.

كذلك زادت سلطات السجون من استخدام العزل الانفرادي لفترات طويلة، بشكل كثيف، وذلك بحجة خطورة الأسير، أو تأثيره على المعتقلين، واحيانا بحجة حمايته من المعتقلين.

معاناة الأسيرات
وقال مدير الدائرة الاعلامية أن العام الماضي شهد ارتفاعا ملحوظا فى أعداد الأسيرات المعتقلات، حيث اعتقلت سلطات الاحتلال خلال عام 2004 فقط (63) أسيرة فلسطينية، من اصل (126 ) أسيرة ما زلن رهن الاعتقال، وذلك من أنحاء متفرقة من الضفة الغربية، وقطاع غزة، وتتوزع الأسيرات على سجني الرملة 36 أسيرة، وسجن تلموند 87 أسيرة، وفي معتقل الجلمة أسيرتان، وأسيرة واحدة في سجن بتاح تكفا.

وأضاف الأشقر بان العام المنصرم شهد تصعيدا خطيرا على أوضاع الأسيرات الفلسطينيات فى السجون الإسرائيلية حيث تقوم إدارة السجون بحملة قمعية منظمة ضد الأسيرات، ولا تزال مستمرة في ممارسة كافة أساليب التعذيب بحق الأسيرات ، بهدف الحصول على المعلومات ،و لا تتهاون إدارة السجون في ابتكار اعنف أساليب التعذيب من اجل زيادة معاناة الأسيرات وكذلك تدمير الشخصية والحالة النفسية للأسيرة للسعي وراء تخريب البيئة الاجتماعية والنفسية لكافة الأسيرات.

وأوضح بان إدارة السجون وخلال العام المنصرم عادت إلى سياسة التفتيش العاري بحق الأسيرات، وأسلوب العزل الانفرادي، كما شهدت سجون الأسيرات اعتداءات متكررة بالضرب المبرح الأمر الذى أدى إلى إصابة العشرات من الأسيرات بكسور ورضوض، وكذلك استخدمت إدارة السجون أسلوب رش الغاز السام والخانق فى غرف الأسيرات، ورش الماء البارد فى فصل الشتاء على الأسيرات ،وتبليل ملابسهن وفرشات النوم، كذلك تقوم إدارة السجون بعمليات اقتحام لغرف الأسيرات في ساعات متأخرة من الليل بهدف التفتيش، كذلك أمعنت الإدارة فى سياسة الإهمال الطبي لعلاج الأسيرات المرضى، وكذلك ترفض الإدارة توفير ظروف خاصة لتحسين شروط حياة الأسيرات الأمهات والذين يتواجدون فى السجن برفقه أبنائهم الأطفال، حيث يحتاجون الى طعام خاص، وحليب، ورعاية خاصة، وزيادة فترة الخروج للفورة، ورعاية صحية خاصة، والأدهى من ذلك إصابة الطفل نور ابن الأسيرة منال غانم بجروح فى إحدى المرات التى تم الاعتداء فيها على الأسيرات بالضرب.

الأسرى المرضى
وأكد تقرير الدائرة الإعلامية بان العام المنصرم شهد ارتفاعا ملحوظا فى أعداد الأسرى المرضى داخل السجون حيث ارتفع عددهم من (700) أسير مريض عام 2003، إلى اكثر من (1000 ) أسير مريض عام 2004، وشهد تراجعا خطيرا على أوضاع الأسرى المرضى حيث يوجد العشرات من المعتقلين الذين اجمع الأطباء على خطورة حالتهم الصحية وحاجتهم الماسة للعلاج وإجراء عمليات جراحية عاجلة ويعانون من أمراض مختلفة منها السكري، والقلب ،والسرطان، والباصور، وضعف البصر ،والأمراض الجلدية، والإعاقات، والأمراض النفسية، والمصابين بالرصاص بما فيهم مسنين، وأطفال، ونساء رفضت الإدارة نقلهم للمستشفى، وأدى تأخير إجراء العمليات للمرضى إلى بتر أطراف من أجساد معتقلين، وفقدان الأمل فى شفاء العديد، نظرا لتأخر تقديم العلاج لهم حيث وصلت حالتهم الصحية لمرحلة متقدمة فى الخطر كحالة الأسير (راغب على بحلق ) فى سجن جلبوع، حيث كان يعانى من اضطرابات وتشويش بالنظر، وتمت التوصية بضرورة عرضه على طبيب أمراض صدريه، ولكن الفترة الطويلة التى وصلت لسنتين من إهمال وضعه الصحي، أدت الى تدهور حالته الصحية وإصابته بورم خبيث، يتطلب علاجا اشعاعيا، و انخفاض فرص شفائه فى المستقبل.

كذلك هناك تراجع واضح خلال عام 2004، فى الاهتمام بالأسرى المرضى المتواجدون فى مستشفى سجن الرملة، وعددهم اكثر من ( 140) أسير مريض، لعدم ملاءمه المستشفى مع أوضاعهم الصحية حيث يفتقر الى المياه الساخنة، والنظافة، ويضطر العديد من المرضى النوم على الأرض نتيجة الازدحام، كما زادت معاناة الأسرى المرضى بحرمانهم من الاتصال بذويهم، ومنع زيارات الأهل، و قلة الطعام، هذا بالإضافة إلى المعاملة السيئة من قبل السجانين والممرضين .

سجون جديدة
وأفاد التقرير بان العام المنصرم شهد افتتاح سجون جديدة وذلك لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الأسرى والمعتقلين ، والذين تتزايد أعدادهم يوميا بفعل حملات الاعتقال العشوائية والمكثفة .

حيث افتتحت سلطات الاحتلال سجن جديد يسمى(جلبوع) ويقع فى غور بيسان، بجوار سجن شطه ويتسع لحوالي 200 أسيرا، وقد خصصته إدارة السجون لعزل نشطاء الأسرى، ويعتبر سجن جلبوع قلعة حصينة نظرا للتحصينات التى وضعتها إدارة السجون حوله من أسمنت مسلح وفولاذ، ومغطى بالصاج بدل الأسلاك الشائكة، فهو عبارة عن صندوق مغلق يمارس فيه كل أشكال التنكيل والقمع بحق المعتقلين الفلسطينيين.

كما أقدمت سلطات الاحتلال على افتتاح قسم جديد فى سجن أيلون كان يستخدم سابقا اسطبلا للخيول، ومن ثم حولته مصلحة السجون إلى قسم لاحتجاز المدنيين، ثم افتتحته بشكل رسمي للأسرى الفلسطينيين الأمنيين، وكذلك تم افتتاح أقسام جديدة فى سجن النقب.

كذلك عمدت سلطات الاحتلال خلال هذا العام الى استخدام أسلحة جديدة ضد الأسرى منها عيارات الفلفل الحار، التى تؤدى إلى شل فاعليه الأسير، وتعرضه لالام رهيبة جدا.

الأسرى الأطفال
كذلك شهد العام المنصرم تفاقم فى معاناة الأسرى الأطفال، بشكل مخالف لكل الاتفاقيات الدولية، حيث تعاملت معهم سلطات الاحتلال كمشروع مخربين وأذاقتهم أصناف العذاب وحرمتهم من ابسط حقوقهم، حيث ارتفع عدد الأسرى الأطفال المرضى إلى (48 ) طفل مريض، مقابل (34) طفل مريض عام 2003 ، وتحتجز سلطات الاحتلال الأطفال في ظروف قاسية، وخاصة الأطفال المعتقلين في سجن المسكوبية، لا تتناسب مع صغر سنهم ويعانون من أمراض نفسية نتيجة سوء الظروف التي يحيوها ، والمعاملة المهينة التي يتلقوها، ومن بين الأطفال الأسرى محمد زلوم، 17 عاما، من رام الله يعانى من وجود سبع رصاصات فى جسده ولا يجد الرعاية الكافية لوضعه الصحي .

إضراب عن الطعام
وأكد التقرير بأن كل تلك الممارسات بحق الأسرى والأسيرات، وذويهم وكل تلك الضغوط أدت الى إعلان الأسرى الإضراب المفتوح عن الطعام فى شهر أغسطس من العام المنصرم والذي استمر لمده 19 يوماً ،للمطالبة بوقف تلك الهجمة الشرسة عليهم، وتلبيه مطالبهم الأساسية بتحسين شروط حياتهم، حيث وعدت ادارة السجون المعتقلين بتلبيه معظم مطالبهم الإنسانية التى اضربوا من اجلها ، إلا أنها ولحتى الآن لم تفي بوعودها، ولم تحقق ما وعدت به.

وفى ختام التقرير ،طالبت الدائرة الإعلامية جميع المؤسسات الحقوقية والقانونية والوقوف إلى جانب الأسرى والأسيرات مساندتهم وتوفير الحياة الكريمة لهم داخل السجون والمعتقلات، وفضح الممارسات الإسرائيلية بحقهم وتكثيف الزيارات إلى السجون للاطلاع عن كثب على أوضاعهم المأساوية وخاصة المرضى منهم والأطفال، والتى تفتقر حياتهم إلى ابسط الحقوق التي نصت عليها اتفاقية جنيف الرابعة.