يجمعون توقيعات لتعديل الدستور
حملة سعد والسعداوي وحسانين

نبيل شـرف الدين من القاهرة :كان لقاء الثلاثة الذين أعلنوا عزمهم على ترشيح أنفسهم لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية في مصر، وهم رجل الأعمال والبرلماني المستقيل المهندس محمد فريد حسانين، وأستاذ الاجتماع السياسي الدكتور سعد الدين إبراهيم، والطبيبة الكاتبة الدكتورة نوال السعداوي، يشي بالكثير من الإيحاءات المتناقضة والمتداخلة، فثلاثتهم من الطراز الذي يوصف عادة بأنه "مثير للجدل". ومع ذلك فهم أيضاً ناجحون كل في مضماره المهني، ولكل منهم حضوره العام، فإبراهيم أكاديمي له وزنه الدولي المعتبر، وناشط حقوقي يعرفه القاصي والداني،وحسانين رجل أعمال ناجح وبرلماني بارع نجح في انتزاع مقعده رغم أنف الحزب الحاكم، وألقى بذات المقعد الثمين في وجه الجميع معلناً استقالته "يأساً" في سابقة لم يعرفها البرلمان المصري منذ نحو نصف قرن. أما الدكتورة السعداوي فهي أشهر من أن تُعّرف، بل ربما يحار الصحافيون في العثور على صفة مانعة جامعة يقدمونها بها، فهي طبيبة قديرة، وروائية وكاتبة سياسية، ومدافعة صلبة عن حقوق المرأة، ومقاتلة شرسة ضد كبار رموز الهوس الديني الذين يهرب من مواجهتهم الساسة والجنرالات، ويتملقهم أصحاب الفخامة والسمو، ويحسب لهم الجميع خاصة في هذه الأيام ألف حساب وحساب .
لهذا فليس هناك أدنى شك بأن ثلاثتهم يدركون جيداً أن فرصتهم في الفوز لا تزيد عن فرصة المهيب ـ سابقاً ـ صدام حسين في العودة إلى عرش بلاد الرافدين، بل ربما وجد المهيب السابق من يدافع عنه، ومن يفجر ويفخخ ويغتال وفاء لزمنه الذي ولى، وملكه الذي زال، وإن كان ذلك ليس أملاً في إعادة المخلوع بقدر النكاية في الحكام الجدد، وعدم منحهم أي فرصة للراحة أو الطمأنينة، بينما لن يجد ثلاثي منافسة الرئيس حسني مبارك حتى من يبتسم في وجوههم، أو يراهن عليهم اللهم إلا في الدائرة الضيقة المحيطة بهم، أما الأكثر إثارة فإن المحسوبين على المعارضة ربما كانوا أكثر شراسة وعدوانية ضدهم، فكل الناصريين والقوميين وكافة أطياف الإسلاميين من وسطيين وراديكاليين وبين بين، كلهم سيدهسون هذا الثالوث في عشرات المقالات التي تحمل أقذع النعوت بحقهم، وتكيل لهم من الاتهامات ما تنوء بحملها الجبال، من العمالة إلى الخيانة والكفر والجنون والصيد في الماء العكر، وربما يصل الأمر إلى أكثر الأمور خصوصية كما حدث ونشرت أسبوعية "أخبار اليوم" الحكومية خبراً يسخر من محمد فريد حسانين، ويفيض بالغمز واللمز لأنه "عقد قرانه" مؤخرا علي زميلة سابقة له تعرف عليها خلال انضمامه وانضمامها إلى حزب الغد، وقالت الصحيفة إن حسانين قرر "أن تجرى له زفة"، أو كما يطلق عليها مظاهرة سياسية بهذه المناسبة في بلدته، وسيرتدي خلالها العروسان الجلاليب بدلا من الملابس الأفرنجية، وتشير الصحيفة إلى أن "هذه هي الزيجة الثانية له، وقد سبقتها خطبة لم تتم رغم اتفاقه مع زوجته على العروس، لكن زوجته تراجعت عن هذا الاتفاق، حيث سبق وان تزوج سيدة نمساوية منذ عام 1966 والتي لم تعلم بخبر الزواج إلا حين أبلغها حسانين عقب عودتها من الخارج"، حسب التقرير الذي أفردت له الصحيفة الحكومية التي توزع نحو مليون نسخة، ويفترض أنها مملوكة للشعب من خلال مجلس الشورى .
د. سعد الدين إبراهيم تحدث بحنكة السياسي صاحب التجربة العريضة التي قادته عبر عقود من التنظير للاشتراكية والقومية إلى التبشير بالليبرالية والديموقراطية والمجتمع المدني، وتساءل: كيف يمكن أن يحدث التغيير لو لم يحاول البعض أن ينفضوا الغبار في هذا الواقع الراكد، والحال السياسي المتكلس ؟، وتطوع بالإجابة قائلاً إن أي تقدم يحرزه المجتمع لن يحدث مصادفة، بل بجهد ضخم
من جانبه أعلن محمد فريد حسانين أن ثلاثتهم اتفقوا على توجيه نداء إلى مجلس الشعب (البرلمان) للمطالبة بتعديل الدستور حتى يسمح لأكثر من مرشح للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية خلال الانتخابات المزمع إجراؤها الخريف القادم، وذلك حتى يتسنى لهم وآخرون على التقدم رسمياً للترشيح، وأن الثلاثة أطلقوا حملة شعبية لجمع مليون توقيع للمطالبة بتغيير الدستور الحالي" .
أما الدكتورة نوال السعداوي فقد أكدت أنها سترشح نفسها لانتخابات الرئاسة "ليس للفوز لكن من اجل تحريك الشعب المصري والدفع باتجاه تعديل الدستور ومواجهة الفساد ومحاربة الاستعمار الأميركي"، وأضافت انها تامل في "تغيير نظام التعليم وفي القوانين بحيث تكون عادلة، بما فيها قوانين الاحوال الشخصية حتى لا تكون هناك تفرقة على اساس الدين او العرق او الطبقة او المهنة وحتى يصبح المصريون والمصريات متساوين في جميع الحقوق والواجبات، في داخل الاسرة الصغيرة وعلى مستوى الدولة".
ويذهب الدكتور أحمد البنا أستاذ القانون الدستوري إلى أن هؤلاء الثلاثة وغيرهم ليست لديهم حتى فرصة ترشيح أنفسهم لرئاسة الجمهورية، إذ يقضي الدستور المصري بأن يختار مجلس الشعب (البرلمان) مرشحا واحدا لرئاسة الجمهورية باقتراح من ثلث أعضائه على الاقل وبموافقة الثلثين على الاقل ثم يعرض المرشح على الشعب في استفتاء عام، وبالتالي فإن مجرد الترشيح لمنصب الرئيس ليس متاحاً إلا لمن يمكنه حشد موافقة ثلث نواب البرلمان، وهذا عملاً لا يملكه سوى الحزب الوطني (الحاكم) الذي يحوز أغلبية ساحقة، بينما لا يزيد تمثيل أي حزب معارض على عدد قليل من النواب يحصى على أصابع اليد الواحدة، وبالتالي فإن الفرصة لمجرد خوض المعركة الانتخابية معدومة أساساً، ومن هنا تأتي حملة الثلاثي بجمع توقيعات لتغيير الدستور، وهو الأمر الذي يراه معظم المراقبين مستبعداً خلال الفترة المقبلة التي تسبق تسمية رئيس الجمهورية وإجراءات ترشيحه والاستفتاء عليه، وهو ما أكده أكثر من مسؤول رفيع بأنه "ليس وارداً خلال هذه الفترة" .
هذا ومن المعلوم أن الرئيس حسني مبارك الذي تولى الحكم عقب اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، تنتهي فترة رئاسته الحالية ـ وهي الرابعة له ـ في شهر تشرين الاول (أكتوبر) القادم .