عبدالله زقوت من غزة: تتسارعوتيرة الأحداث في المشهد الفلسطيني على نحو غير مسبوق، في ظل الاستعدادات النهائية لبدء انتخابات الرئاسة الفلسطينية المقررة يوم الأحد المقبل، والتي أعلنت الولايات المتحدة أنها سترسل وفدًا رسميًا لمراقبتها، والتصعيد الإسرائيلي أمس من خلالهجوم شنه الجيشفي قطاع غزة، وتصريحات محمود عباس (أبو مازن) رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ومرشح حركة فتح لانتخابات الرئاسة التي وصف فيها إسرائيل بـ"العدو الصهيوني"، وما لاقته من ردات فعل قوية من جانب الإسرائيليين الذين اعتبروها تصريحات لا تغتفر، وترحيب واسع من قطاعات الشعب الفلسطيني الذي بدأ يعد العدة لانتخاب عباس زعيمًا له خلفا للراحل ياسر عرفات.

تصريحات محمود عباس (أبو مازن) رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ومرشح حركة فتح لانتخابات الرئاسة الفلسطينية، أثارت انتقادات واسعة لدى الأوساط الإسرائيلية التي بدأت تتشكك في جدية الزعيم الفلسطيني المنتظر بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات الذي اعتبرته إسرائيل سابقًا بأنه عقبة في طريق السلام و الاستقرار في المنطقة.

وكان عباس قد أدلى أمس بتصريحات اعتبرت بأنها "غير مسبوقة"، بعد أن نعت إسرائيل بأنها "عدو صهيوني"، أثناء خطابه الانتخابي أمام جماهير غفيرة من أبناء الشعب الفلسطيني في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. وندد أبو مازن بالمجزرة الإسرائيلية الجديدة التي أوقعت سبعة فلسطينيين في شمال قطاع غزة، داعيًّا الفلسطينيين إلى الصلاة من أجل الشهداء الذين سقطوا اليوم بنيران العدو الصهيوني. واستنكر عباس الذي خاطب آلاف الجماهير الفلسطينية التي احتشدت لاستقباله في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، العدوان العسكري الاسرائيلي المتواصل على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، و خصوصًا مجزرة بيت لاهيا شمال القطاع. وقال أبو مازن "نحن نأتي إليكم اليوم، و نترحم على أرواح شهدائنا الذين سقطوا بقذائف العدو الصهيوني في بيت لاهيا".

وترى أوساط سياسية إسرائيلية أن خطاب الزعيم الفلسطيني المعتدل نسبيًّا بالنسبة لها، بدأ يثير إسرائيل على نحو غير مسبوق خصوصًا بعد صور تدافع قادة التنظيمات الفلسطينية المسلحة لمعانقته واحتضانه، في صورة معبرة عن مدى التعاضد و الاهتمام الذي توليه هذه المنظمات للزعيم الجديد، بالإضافة إلى تمسكه الشديد بخطاب الرئيس الراحل عرفات الذي يدعو إلى التمسك بالثوابت الوطنية و إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس الشريف.

وتأتي تصريحات أبو مازن التي اعتبرتها الأوساط الإسرائيلية بأنها تميل إلى لهجة الجماعات الاسلامية المتطرفة، بعد حديث مقتضب أدلى به وزير الخارجية الأميركي كولن باول والذي وصف فيه معانقة أبو مازن لقادة التنظيمات المسلحة بأنه (أمر مقلق). ورغم معارضته الشديد لعسكرة الانتفاضة، وتصريحاته الأخيرة التي أغضبت الفصائل المسلحة وطلبت منه الاعتذار، إلا أنه رفض تقديم أي اعتذارات، في المقابل أدان عمليات الجيش الإسرائيلي بشدة وطالب بإيقاف فوري لها، كما يسعى جديًّا لاستمالة قادة التنظيمات المسلحة خلال حملته الانتخابية من أجل كسب ثقتهم للدخول في هدنة من شأنها استئناف المفاوضات مع إسرائيل.

ترحيب فلسطيني
وأثنى الفلسطينيون على الخطاب الانتخابي الذي ألقاه زعيمهم محمود عباس حين وصف فيه إسرائيل بـ( العدو الصهيوني )، متجاهلين ردود الفعل الإسرائيلية التي نددت بتصريحات عباس. وأكد عدلي صادق المحلل السياسي الفلسطيني أن أبا مازن هو مرشح لرئاسة الشعب الفلسطيني وهو يعبر عن حالة الشعب الفلسطيني الذي يعاني من ويلات الاحتلال الاسرائيلي، لذا فإن تصريحه واقعي ومعبر. و أضاف صادق لـ"إيلاف"، أن الشعب الفلسطيني يعيش في حالة حرب حقيقية، ومن يقتل ويدمر فهو عدو، مشيرًا إلى أن تصريحات أبو مازن تعبر عن واقع الشعب الذي يواجه أبناؤه العدو الصهيوني.

ووصف نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت تصريحات عباس بأنها أمر غير مقبولة، قائلاً : " بلا أدنى شك ما قاله أبو مازن هو أمر غير مقبول، و لا يمكن أن يشكل أساسًا لأي تعاون مستقبلي "، و تابع " بعد التاسع منكانون الثاني( يناير) الحالي، سننظر إلى مثل هذه التصريحات بشكل مختلف عما نفعل الآن ".

ورد صادق على التصريحات الإسرائيلية قائلًا إن "عباس رجل سياسي محنك يعطي الخطاب حقه السياسي، و الآن هو مرشح للشعب الفلسطيني غادر وضعية أبو مازن المتخصص في التسوية التي تناط به كل الجوانب المتعلقة بالقضية الفلسطينية و بات يعبر عن هموم و قضايا الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال".

بدوره أكد الدكتور خليل حسونة الكاتب والمحلل الفلسطيني أن تصريحات "أبو مازن" تلقى ترحيبًا واسعًا لدى كافة الأوساط الفلسطينية، مشيرًا إلى تنامي شعبية أبو مازن لعدة اعتبارات كثيرة أهمها أن عباس يعد امتدادا للقيادة التاريخية، و هو حركة الشعب الفلسطيني. وأضاف حسونة لـ"إيلاف"، أن أبا مازن يمثل البراغماتية السياسية في ظل الصراع المحلي و العالمي، و هو يريد أن يمثل دولة المؤسسات، و القانون، و دولة التنمية، و دولة الشباب و المستقبل.

في غضون ذلك، اتهم محمد دحلان وزير الشؤون الأمنية الفلسطيني السابق، الحكومة الإسرائيلية بأنها تصر على تنفيذ خطتها لتحطيم فرصة قيادة أبو مازن للشعب الفلسطيني نحو مستقبل قائم على الأمن و السلام بين الشعبين الفلسطيني و الإسرائيلي، واصفا ما حدث في بيت لاهيا ( شمال غزة ) بالحادث الإجرامي و المؤسف. وأضاف دحلان في تصريحات صحافية له أن الاعتداءات الإسرائيلية تضاعفت ثلاث مرات عن السابق منذ اختيار محمود عباس مرشحا لحركة فتح في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية رغم عدم وجود عمليات ذات شأن من قبل الفصائل الفلسطينية، معتبرًا ما تقوم به حكومة إسرائيل غير مفهوم و يعبر فقط عن رغبة الجيش الاسرائيلي في استمرار حالة الفوضى و المواجهة و العنف، و دعا القوى الدولية المؤثرة للتحرك السريع لحماية الشعب الفلسطيني، و تمكينه من ممارسة حقه الديمقراطي بالانتخابات.

وأكد محمد الخطيب الناشط في مجال حقوق الإنسان لـ"إيلاف"، أن تنامي شعبية أبو مازن في أوساط الفلسطينيين، هو تعبير حقيقي عن عمق الانتماء للوطن والقضية، وهو ما يؤكد فيه وعي جمهور الناخبين سواء على صعيد المواطن العادي أو حتى على صعيد التنظيمات الحركية بالبرامج الانتخابية التي وضعها المرشحين السبعة للرئاسة، مشيرا إلى أن تصريحاته اليوم زادت من شعبيته المتأصلة في الفلسطينيين.

ويشير إلى أن الانتخابات الرئاسية الفلسطينية قد تكون مختلفة كليًّا عن الانتخابات الأولى، كون هذه الانتخابات طرحت للشعب الفلسطيني برامج انتخابية مختلفة بدءا من محمود عباس، مرورًا بباقي المرشحين الذين تنافسوا على خطب ود الناخبين بشتى الطرق والوسائل، و يضيف شيئا جميلا أن يلقى عباس هذه الشعبية من قبل أبناء الشعب الفلسطيني، وإن اختلف البعض معه إلا أن الآخرين يعتبرونه الأحق والأجدر في تولي هذه المسؤولية الملقاة على عاتق رئيس السلطة الفلسطينية المنتظر، والمطالب بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني ووقف كافة التجاوزات التي نجمت في الفترة السابقة.

وفد اميركي رسمي للانتخابات الفلسطينية
وقال المتحدث باسم الوزارة ادم ايريلي في بيان ان الوفد سيكون برئاسة السناتورين الجمهوري جون سنونو والديموقراطي جوزف بيدن، عضوي لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ. واضاف ان الوفد سيضم ايضًا مساعدين برلمانيين وشخصيات فلسطينية-اميركية وسينضم اليه على الارض القنصل الاميركي في القدس ديفيد بيرسي. وسوف يلتقي الوفد رسميين فلسطينيين واسرائيليين وسيزور مكاتب اقتراع ويقدم تقييما للعملية الانتخابية الهادفة الى انتخاب خليفة لياسر عرفات الذي توفي في تشرين الثاني(نوفمبر) الماضي. واشار ايريلي الى ان هذا الانتخاب يتطلب "تنسيقًا وثيقًا بين اسرائيل والفلسطينيين ونحن نعمل مع الطرفين كي يتكلل تنظيم هذه الانتخابات بالنجاح".

مقتل 8 فلسطينيين في غزة
وكان الجيش قد قتل يوم أمس ثمانية فلسطينيين على الأقل، بينهم سبعة سقطوا بعد قصف الدبابات الإسرائيلية لمجموعة من المزارعين تواجدوا في مزرعتهم في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، فيما توفي الثامن بعد تعرضه لنيران الجيش الإسرائيلي شرق مدينة غزة. وقصفت الدبابات الإسرائيلية المتمركزة بالقرب من مستوطنة نيسانيت، مجموعة من المزارعين في منطقة بيت لاهيا شمال قطاع غزة موقعة مجزرة جديدة راح ضحيتها سبعة فلسطينيين على الأقل بينهم أطفال، و أفيد عن إصابة عشرة آخرين، وصفت جراح أربعة منهم بأنها بالغة الخطورة، جراء قصف الدبابات الإسرائيلية.

وقال ناطق عسكري باسم الجيش الاسرائيلي إن الدبابات أطلقت قذائفها على مجموعة من المسلحين حاولوا إطلاق صواريخ محلية الصنع على مستوطنات إسرائيلية، لكن مصادر فلسطينية كذبت هذه الأنباء كون القتلى هم من الأطفال و المزارعين. وقالت مصادر طبية فلسطينية لـ"إيلاف"، إن من بين الشهداء ستة من عائلة واحدة ثلاثة منهم أشقاء وهم: هاني كامل غبن، وراجح غبن، وجبر غبن، وجبريل الكسيح، ومحمد كامل غبن، وبسام غبن.