نصر المجالي من لندن: لاحظ مراقبون سياسيون وإعلاميون أن حكومة طهران الإسلامية صعدت في الأسبوعين الأخيرين من حملتها للدفاع عن "فارسية" الخليج تاريخيا وتعبير الخليج الفارسي مقابل التسمية المقابلة "الخليج العربي"، ويعتقد هؤلاء أن التصعيد الإيراني يجيء في الوقت الذي أخذت مقولة "الهلال الشيعي" التي تتهم إيران من جانب أطراف عربية، وفي مقدمتها عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني الذي صرح بذلك علنا، محذرا من هذه الفكرة ومخاطرها على أمن المنطقة كلها وخصوصا دول الخليج العربية وصولا إلى لبنان، مرورا بالعراق وسورية.

ويدعي الفيلم نجاح الرشومة العربية

وفي التفاصيل، فإن السياسيين الإيرانيين بما في ذلك وسائل الإعلام والأجهزة الأمنية والجيش، دأبوا في الأيام الأخيرة على إلقاء المحاضرات وعقد الندوات لتأكيد تسمية الخليج الفارسي على المنطقة المائية الواقعة بين إيران شرقا وبلدان الخليج العربية الست غربا، حتى أن موقعا إلكترونيا إيرانيا هو (آسمون دوت كوم) بث فيلم رسوم متحركة ووضعه على موقعه على شبكة إنترنيت يتهم فيه دول الخليج العربية الغنية أنها "دفعت رشوة مالية للولايات المتحدة ودول غربية من أجل استخدام مصطلح الخليج العربي".

والفيلم يصور في بدايته عربيا في زي أهل منطقة الخليج حاملا كيسا من الدولارات يمر أمام خريطة الخليج التي تبدو عليها كلمة (الفارسي) ولا يخفي العربي امتعاضه ـ حسب الفيلم ـ من التسمية، حسب أحد المشاهد التي تقفز إلى بث لقطات عن الحرب العراقية الإيرانية، ثم الانتفاضة الفلسطينية، فالحرب الأخيرة في العراق وصولا إلى اعتقال صدام حسين، الذي تظهره إحدى اللقطات وهو منبطح أرضا في قبضة جندي أميركي، ووصف الفيلم صدام ب"أمير القادسية"، في إشارة إلى حرب الثماني سنوات التي أطلق عليها النظام العراقي السابق اسم "قادسية صدام".

وفي نهاية الفيلم الكرتوني، يظهر العربي من جديد، ومعه ملصقا يحمل اسم الخليج العربي، ملغيا اسم الخليج الفارسي، حيث يبين الفيلم أن العربي انتصر برشوته للولايات المتحدة، ولكن آخر لقطة فيه تشير على أن الملصق ارتد إلى فم العربي ليغلقه! وتعود تسمية الخليج الفارسي.

ولم تتوقف التصعيدات الإعلامية والسياسية الإيرانية عند هذا الحد، بل أن علي أكبر ولايتي المرشح المنتظر للرئاسة الإيرانية ومستشار قائد الثورة الإسلامية علي خامنئي للشؤون الدولية زار الليلة قبل الماضية محافظه بوشهر مؤكدا على دورها التاريخي في الحفاظ على الهوية الإيرانية للخليج الفارسي، وقال إن آباء هذه المحافظة تحملوا المسؤولية على مدى التاريخ .

وأضاف ولايتي الذي كان يتحدث في الذكرى السنوية السابعة لإصدار مجلة "ليان بو شهر" قائلا "نظرا لان الخليج الفارسي هو أهم مصدر للنفط والغاز في العالم فهو معرض دوما لأطماع القوى الاستكبارية التي تسعى لاثاره الفرقة والخلاف بين دول الخليج الفارسي بهدف تحقيق مصالحها في هذه المنطقة".

وتابع ولايتي القول "بما أن حوالي 50 بالمائة من سواحل الخليج الفارسي تطل عليها الأراضي الإيرانية فان الشعب الايراني يسعى على الدوام لمنع الاعداء من نهب هذه الثروه الالهية العظيمة ، ولهذا السبب فانهم يحيكون کل يوم مؤامرة جديده بهدف النيل من قوه ايران في المنطقة" . وصرح ولايتى بان محاولات أعداء الجمهورية الاسلامية لتغيير اسم "الخليج الفارسى" انما تستهدف جس نبض الشعب الايرانى وقياس مدى حساسيته إزاء هذا الموضوع".

وفي إطار الحملة ذاتها، صادق أعضاء المجلس البلدي الإسلامي لمدينه طهران في الجلسة التي عقدوها يوم أمس الثلاثاء على تغيير اسم طريق "طهران - قم " السريع إلى طريق "الخليج الفارسي".

وكانت وزارة الدفاع الإيرانية التي يحمل حقيبتها الأدميرال علي شمخاني وهو من أصول عربية، أقامت أول من أمس الاثنين معرضا للخرائط والوثائق التاريخية للخليج الفارسي بحضور مسؤولي وزاره الدفاع في مقر المؤسسة الجغرافية بالوزارة . ويعرض المعرض الذي فتح أبوابه للرواد اليوم الاربعاء أکثر من 70 خريطة تعود للعام 1500 للميلاد وحتى الآن.

ويضم المعرض أقسام للخرائط التاريخيه للخليج الفارسى ومجموعه متنوعه من نتاجات رسامى الخرائط الاوروبيين الذين رسموا خريطه الخليج الفارسى باساليب مختلفة، اما القسم الثانى من المعرض فيضم مجموعه من الخرائط لرسامين وجغرافيين إيرانيين، کما تعرض العشرات من الوثائق والخرائط التاريخية التي توکد على اسم الخليج الفارسي.

وتعرض أيضا، نماذج من الخرائط التاريخية (النسخ الاصلية ) التي ذکر فيها أسماء "بحر إيران الجنوبي" و"الخليج الفارسي" و"بحر فارس" و"بحر الفارس".

من جهتها، قالت وكالة الأنباء الإيرانية قبل ثلاثة أيام، إن دائرة تسجيل الوثائق والعقارات ستمتنع عن تسجيل الشرکات والمؤسسات والمكاتب والوحدات التي عنوانها کلمه "الخليج العربي" الملفقة، وأفادت العلاقات العامة للدائرة بأن مساعد رئيس السلطة القضائية رئيس دائرة تسجيل الوثائق والعقارات حسن علي أميري اصدر تعليمات لجميع المراکز والدوائر التابعة لهذه الدائرة تقضى بعدم تسجيل الشرکات والموسسات والمکاتب التى تعتمد اسم "الخليج " فقط وابلاغ المؤسسات التي تستخدم هذا الاسم بتغييره إلى "الخليج الفارسي" خلال مدة محددة .

وهذه التعليمات تتماشى مع القرار الذي كان اعتمده مجلس الوزراء الإيراني في نيسان ( ابريل) الماضي حفاظا على الحقوق التاريخية والوطنية للجمهوريه الاسلاميه الايرانيه فى اعتماد اسم "الخليج الفارسي" واستخدامه فى الخرائط والاخبار والرسائل الرسميه على صعيد الاوساط الوطنيه والدوليه ووسائل الاعلام العالميه.

ولوحظ أن المؤسسات الإعلامية الإيرانية الرسمية تصر في شكل لافت في الأسبوعين الأخيرين على تعمد استخدام مصطلح الخليج الفارسي بمناسبة أو من دونها، حتى أن الإذاعة الإيرانية أطلقت في شكل سافر اسم "قمة مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي العربية"، على القمة الأخيرة التي عقدت في العاصمة البحرينية، وهي بذلك تجاهلت التسمية الرسمية لهذا التجمع الخليجي التي أطلقت بتراض مع إيران قبل 25 عاما وهي "مجلس التعاون الخليجي لدول الخليج العربي"، وذلك في بادرة حسن نوايا من دول الخليج العربي الست تجاه "الجار الإيراني".

وفضلا عن ذلك، فإن طهران حشدت أقلام معلقيها وكتابها في إطار الحملة الجديدة، فكتب حسن هاني زاده - خبير الشؤون الدولية بوكالة مهر للأنباء التحليل الآتي :

""اقدمت مؤسسة "ناشيونال جيوغرافيك" الامريكية العلمية الثقافية مؤخرا على اتخاذ اجراء غير علمي ويحمل طابعا سياسيا بحتا عندما نشرت الاطلس الجغرافي الجديد وكتبت الى جنب عبارة الخليج الفارسي عبارة "الخليج العربي" المزورة.

واثبتت هذه المؤسسة العلمية غير الحكومية التي مضى على نشاطها في مجال تاريخ الجغرافية والممرات البحرية في العالم 116 عاما ، انها بهذا الاجراء لديها غايات سياسية وليس اهداف علمية.

ولقطة أخيرة تشير إلى عودة تسمية الخليج الفارسية

فاول مدير لهذه المؤسسة "غرين هوارد" اعلن قبل 116 عاما في حفل افتتاح مؤسسة "ناشيونال جيوغرافيك" انه اذا اتجهت المؤسسة يوما ما نحو السياسة بدلا من العمل في المجالات العلمية والبحثية وسعت للحصول على المال فان موتها سيحين آنذاك.

واستطاعت هذه المؤسسة البحثية على مدى نشاطاتها العلمية من كسب اكثر من 250 مليون مخاطب عن طريق اصدار الخرائط والكتب والنشرات وبث برامج علمية عبر الاذاعة والتلفزيون.

ان كسب هذه العدد الهائل من المخاطبين والتاثير العلمي عليهم هو حصيلة جهود مئات الباحثين والمحققين الذين بذلوا قصارى جهدهم خلال هذه الفترة الى ابقاء هذه المؤسسة بعيدة عن القضايا السياسية وغير المهنية.
وللاسف فان هذه المؤسسة وقعت في الوقت الحاضر تحت تأثير اللوبي الصهيوني الامريكي والدولارات النفطية العربية وقامت بتحريف حقيقة تاريخية غير قابلة للانكار لا يمكن تبريرها لا من الناحية العلمية ولا من الناحية المهنية.

فلا يوجد احد يمكنه انكار ان الخليج الفارسي معروف بهذا الاسم منذ اكثر من خمسة آلاف عام في انحاء العالم ، وان العديد من البحارة اشاروا بشكل واضح الى هذه الحقيقة التاريخية في كتاباتهم.

ففي العهود القديمة كانت ايران في الشرق باعتبارها احدى الحضارات الثلاث العظمي في العالم الى جانب الحضارتين الرومانية واليونانية قد قدمت خدمات جليلة الى البشرية عن طريق الخليج الفارسي.

وكانت مؤسسة "ناشيونال جيوغرافيك" قبل انتصار الثوره الاسلاميه وبسبب ارتباط النظام الايراني السابق بامريكا لم تشر في خرائطها وكتبها الى "الخليج العربي" المزيف بشكل مباشر او غير مباشر، ولكن بعد انتصار الثورة الاسلامية فان اللوبي الصهيوني وبسبب عدائه السافر للشعب الايراني بذل محاولات مكثفة واثرت على هذه المؤسسة لتحريف الاسماء الدولية وخاصة الاسماء التاريخية الايرانية.

ومن جهة اخرى فان تقارير عديدة تشير الى مؤسسة "ناشيونال جيوغرافيك" تسلمت مساعدات مالية ضخمة من الدول العربية النفطية في الخليج الفارسي ، وهذين العاملين اي تاثير اللوبي الصهيوني والدول العربية النفطية قد حرفا هذه المؤسسة عن مسارها.

ان تحريف الاسم التاريخي " الخليج الفارسي" واستخدام الاسم المزيف " الخليج العربي" الذي يفتقد الى اي اساس تاريخي ، قد تسبب في اساءة ظن الباحثين والجغرافيين في العالم وزعزع ثقتهم بهذه المؤسسة.
ومن الطبيعي فان على مؤسسة "ناشيونال جيوغرافيك" ووفقا للقوانين الدولية ان تقدم اعتذارها الى الشعب الايراني وتدفع غرامة الى حكومة الجمهورية الاسلامية الايرانية مع اصلاحها لهذا الخطأ الفاحش في استخدام الاسم المسيء "الخليج العربي" بدلا من الاسم التاريخي والجميل "الخليج الفارسي".

وفي غير تلك الحالة فان توقع "غرين هوارد" اول مدير لمؤسسة "ناشيونال جيوغرافيك" الذي قال اذا اتجهت المؤسسة نحو العمل السياسي فإنها ستموت حينها ، سيتحقق بشكل عملي".

وإذ ذاك، يشار إلى أن إيران كانت هددت بمقاطعة دورة الالعاب الاسيوية المقررة عام 2006 في الدوحة عاصمة قطر إذا استخدم المنظمون كلمة "الخليج العربي" بدلا من "الخليج الفارسي"، حسب ما ذكر التلفزيون الرسمي الايراني في الأسبوع الماضي. ونقل التلفزيون عن نائب الرئيس الايراني ورئيس المنظمة الايرانية للتربية البدنية محسن مير علي زاده قوله "اذا زوروا الاسم التاريخي للخليج الفارسي خلال الالعاب الاسيوية عام 2006، ستقاطع ايران بالتأكيد هذه الالعاب"، وفي الأخير، اكد ان "كلمة الخليج العربي استخدمت بدلا من الخليج الفارسي" في كتيبات اعدها المسؤولون الرياضيون في قطر. وأكدت السلطات الإيرانية اكثر من مرة في الاسابيع الماضية ان استخدام كلمة "الخليج العربي" هو "مؤامرة من إعداد الصهاينة". ويغضب المسؤولون الإيرانيون في كل مرة يواجهون فيها هذه التسمية.