نصر المجالي من عمان: بعد أقل من شهرين من إقدام طالب في المعهد القضائي على الاعتداء عليه في مسالة التعيينات القضائية، الأمر الذي كاد يودي إلى مواجهة قبلية في الأردن، فإن وزير العدل الأردني الدكتور صلاح الدين البشير تصادم كلاميًا مع نائبين في البرلمان الأردني خلال مداخلة حول تعيين مرشحي السلك القضائي، وكان أثار القضية النائب سليمان أبو غيث الذي أشار بأصابع الاتهام إلى الوزير قائلا باحتمال وجود "شبهة فساد" في تأخير تلك التعيينات من المرشحين للفحوصات المقررة.

وتصاعدت مداخلات النواب في النقاش مع الوزير، حيث اصطف النائبان عبد الكريم الدغمي نائب محافظة المفرق وعبد الله العكايلة نائب محافظة الطفيلة وهما وزيران سابقان إلى جانب زميلهما أبو غيث في حقه بطرح السؤال دستوريًا على وزير العدل، في باب ما يستجد من أعمال، حيث لم يكن السؤال على جدول أعمال مجلس النواب اليوم.

ورد وزير العدل على كلام النواب الثلاثة الذين طالبوه بضرورة الرد، أو بإخراجه من الجلسة، وحقهم بمحاسبته، بقوله "فشرتوا" وهي كلمة تعتبر في كل المقاييس الاجتماعية حسب العادات الأردنية خارجة عن المألوف ولا يتعاطاها "إلا رواد المقاهي الشعبية، ولا تقال تحت أي ظرف من الظروف تحت قبة البرلمان"، كما عبر عن ذلك برلماني أردني.

ورغم مبادرة الوزير البشير، على الاعتذار بناء على طلب من رئيس البرلمان المهندس عبد السلام المجالي، إلا أن النائب عبد الله العكايلة وهو إسلامي "غير متشدد" ومحاضر في إحدى الجامعات ووزير تعليم سابق رفض الاعتذار، مطالبًا بطرح الثقة بالوزير على ما صدر منه من كلام.

و حسب العادة الأردنية المتبعة في حسم عاجل للأزمات الطارئة، فإن "المصالحات العشائرية" سرعان ما أخذت دورها تحت قبة البرلمان، حيث قاد المصالحة و"تطييب الخواطر" وزيرا الشؤون البرلمانية نايف الحديد (وهو دبلوماسي سابق، حيث كان سفيرا للأردن في تونس، كما أنه من زعماء قبيلة الحديد المعروفة والشؤون القانونية وفهد أبو العثم (وهو رئيس سابق لمحكمة التمييز الأردنية ومحام معروف وأحد رجالات قبيلة العواملة التي ينتمي إليها وزير العدل البشير.

وكان موضوع تعيينات المجلس القضائي التي لا يزال الجميع من القضاة الجدد بانتظارها فجر خلافا ليس على مستوى حكومي وحسب، بل على مستوى قبلي، حين تمكن أحد الخريجين وهو ابن لأحد شيوخ قبيلة بني حميدة في الكرك بجنوب الأردن هو نصر ضامن الحمايدة ، من توجيه لكمة أصاب بها عين الوزير اضطرته لدخول المستشفى لعلاج سريع.

وهذه اللكمة حدت بأبناء قبيلة العواملة التي ينتمي إليها الوزير البشير وهي من أهم قبائل محافظة السلط في وسط المملكة، إلى الثأر الفوري باعتدائهم على والد الشاب الحمايدة حيث كان يعالج في مستشفى البشير في عمان (الذي يحمل اسم والد الوزير الراحل محمد البشير والد الوزير الحالي صلاح الدين البشير). وكان الوزير البشير الأب قتل العام 1976 في حادث طائرة الهليوكبتر الذي راحت ضحيته الملكة علياء الحسين ثاني زوجات الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال.

ولم تنته القضية إلا بعد تدخلات عشائرية شاركت فيها قبائل أردنية عديدة للتوصل إلى تسويات ومصالحات بين عشائر الحمايدة وقبيلة العواملة من خلال القانون العشائري الذي لا يزال مسيطرا على كثير من الأعراف القانونية والقضائية في الأردن الذي يطمح إلى الملك عبد الله الثاني بناء مؤسسات مجتمع مدني قوي.

وفي الأخير، أعربت المصادر الأردنية عن استنكارها لتكرار حوادث من هذا النوع "وللأسف فإن الذي يقع في وسطها هو وزير العدل ذاته لمرتين".