نبيل شـرف الدين من القاهرة: بدأ موسم أزمات القمة العربية مبكراً هذا العام، فقبل أشهر على التئامها في الجزائر تلوح حالياً في الأفق نذر خلاف حاد بين مصر والجزائر، على خلفية تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم، والتي تناول فيها ما أسماه (تعريب) منصب الأمين العام لجامعة دول العربية، أي انهاء احتكار مصر للمنصب بوصفها دولة المقر، وهو العرف المعمول به منذ تأسيس الجامعة حتى اليوم، ولم يتم تجاوزه سوى في سنوات عزل مصر وتجميد مقعدها في الجامعة عقب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، ونقل مؤسسات الجامعة ومقرها من القاهرة إلى تونس، لكن بعد عودة المقر إلى القاهرة عاد العمل بعرف احتفاظ القاهرة بمنصب الأمين العام، غير أن هذه القضية أثيرت مؤخراً ـ وإن كان على استحياء ـ خلال العام المنصرم، ثم عاد الحديث مجدداً عن تداول المنصب أو أن يكون بالانتخاب من خلال مشروع تقدمت به الجزائر لتعديل ميثاق جامعة الدول العربية، كان أبرز ما يتضمنه من مستجدات هو انتخاب ‏‏الامين العام للجامعة العربية من قبل القمة وتدوير هذا المنصب، وعدم اقتصاره على ‏دولة المقر، في إشارة صريحة إلى مصر التي تحتفظ بهذا المنصب .
وعلى الرغم من أن مصادر الجامعة العربية نفت أن يتطرق اجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري الأسبوع المقبل، الى مناقشة التداول على منصب الأمين العام، مؤكدة أن المشروع الوحيد المقرر أن يطرح على الاجتماع في سياق خطط تحديث وإعادة هيكلة الأمانة العامة ومؤسسات العمل العربي المشترك، هو الملف الذي يتعلق بتعديل نظام التصويت الحالي الذي ينص على الإجماع واستبداله بنظام آخر، غير أن مصدراً دبلوماسياً عربياً رفيعاً قال لشبكة (إيلاف) الإخبارية اليوم إن هناك بالفعل مشروعاً جزائرياً يأخذ في الاعتبار ما وصفه برغبات كل الدول العربية في اصلاح وتطوير منظومة ‏‏العمل العربي المشترك التي نوقشت في قمة تونس وكذلك مسيرة الاصلاح السياسي ‏والداخلي في الدول العربية، لافتاً إلى أن المشروع الذي تسلمته الامانة العامة وقامت بتعميمه على كل الدول العربية للاطلاع عليه ودراسته قبل عرضه على القمة العربية المقبلة في الجزائر في آذار (مارس) المقبل، مشيراً إلى ان "المشروع لقي استحسان عدد كبير من الدول العربية، وأنه يتضمن عمل ‏‏لجنة المتابعة والتحرك المنبثقة عن القمة العربية ويعطي فرصة للمجتمع المدني العربي للمشاركة في اتخاذ القرارات العربية .
ومضى المصدر موضحاً أن المشروع الجزائري المتكامل لتعديل الميثاق يعلن في ديباجته ‏‏الالتزام بمشروع الاصلاح السياسي الداخلي وحماية حرية الرأي والتعبير وحقوق ‏‏الانسان كما يتضمن المشروع اصلاح هياكل واجهزة الجامعة وعمل مجلس الجامعة على ‏‏مستوى القمة وعلى المستوى الوزاري، لافتاً إلى أن "هذا المشروع يتضمن أيضا انتخاب الامناء العامين المساعدين وليس تعيينهم ‏من قبل وزراء الخارجية، ثم اعتماد هذا الانتخاب في قرار من القمة، على ان يتم تحديد ‏‏اختصاص كل امين عام مساعد، كما يؤكد اهمية الشفافية في تسيير شؤون الجامعة العربية" .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجزائر سبق أن طرحت اقتراحا خلال الاجتماعات السابقة لوزراء الخارجية العرب بشأن العمل بمبدأ التداول بين مختلف الدول العربية حول المنصب الذي احتفظت به مصر خلال العقود الستة الماضية، ويستند المشروع الجزائري إلى أن ميثاق الجامعة العربية لم ينص على جنسية الأمين العام، ولم ينظم مسألة التداول عليه، وبالتالي فإنه بالإمكان تفعيل قاعدة التداول على هذا المنصب بين المجموعات الجغرافية العربية بما يحقق المساواة بين كل الدول العربية"، كما اعتبر المشروع أن "الأمانة العامة للجامعة التي ظلت في القاهرة منذ تأسيسها لم تحقق المهام الإدارية والسياسية والتنظيمية المنوطة بها"، حسبما ورد في المشروع الجزائري الذي يتوقع أن يثير أزمة ربما تحول دون التئام القمة، أو تشكل منعطفاً هائلاً في العمل العربي .
ويرى مراقبون للشأن العربي أن حرب العراق، وما ترتب عليها من نتائج سوف تؤدي حتماً إلى حدوث زلزال حقيقي في المنطقة وقد يطيح بالكثير من المؤسسات والأنظمة، لكن ما يعرف بـ"النظام العربي" سيتصدر لائحة ضحايا الوضع الجديد الذي تعول عليه واشنطن لإحداث التغيير المنشود في المنطقة العربية برمتها، ضمن عملية إدماج الشرق الأوسط في النظام العالمي الجديد، وأن أول مظهر لذلك الأمر يتمثل في أن النظام العربي ممثلا باعلى مؤسساته وهي مؤسسة القمة اصبح نظاما هشا متهاويا ويحتاج الى ادخاله غرفة الانعاش وبسرعة من اجل انقاذه"، واعتبر ان قرار تأجيل القمة الأخيرة التي استضافتها تونس وسط ظروف ملتبسة، يعد "دليلاً قاطعاً على ان النظام العربي بات الآن على حافة الانهيار، وان داء الهشاشة استفحل بما لا يمكن معه اصلاح ما فسد".