عبدالله زقوت من غزة: بدأ الفلسطينيون يعدون العدة لانتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس الراحل ياسر عرفات ، و هي الانتخابات الرئاسية الثانية التي تجري خلال ثماني سنوات، و يأمل الكثيرون أن تأتي هذه الانتخابات برئيس قادر على تلبية الطموحات و يخرجهم من الحالة الصعبة التي يعايشونها جراء الاحتلال الاسرائيلي ، كما يجمع الفلسطينيون على أن اختيارهم لرئيسهم المقبل رغم الظروف الصعبة التي يمروا بها ، لن يتم إلا من خلال الاحتكام إلى صناديق الاقتراع التي من شأنها أن تأتي بزعيم جديد لهم ، خصوصاً في ظل التحولات السياسية الكبيرة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية على كل الأصعدة .

ويشهد قطاع غزة حركة غير اعتيادية للتنافس على منصب رئاسة السلطة الفلسطينية الذي يتبارى عليه سبعة مرشحين يمثلون تيارات سياسية مختلفة ، لعل من أبرزهم مرشح حركة فتح و رئيس منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس ( أبو مازن ) الذي تصدر استطلاعات الرأي منذ البداية ، و فرض نفسه بقوة لإعتلاء رئاسة السلطة الفلسطينية من خلال برنامجه الانتخابي الذي جاء به للفلسطينيين .

و لم تمنع الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أصلاً المواطنين الفلسطينيين من التعاطي مع البرامج الانتخابية المختلفة لمرشحي الرئاسة الفلسطينية ، حتى أن البعض وصل إلى تبنى برامج المرشحين لقناعتهم الكاملة بها ، ناهيك عن التداول الغير مسبوق في المجالس و الجلسات الليلية للفلسطينيين في ليالي الشتاء القارسة ، و يؤمن البعض بأن المرشحين السبعة على إختلاف مشاربهم يتطلعون لنيل منصب الرئاسة الفلسطينية و يقودهم ذلك التعاطف الكبير من شرائح مهمة في الشارع الفلسطيني معهم ، و مراهنتهم على إحداث و تغيير وقائع جديدة حال فوز إياهم في الانتخابات المقبلة .

و قبل يوم واحد من الانتخابات الرئاسية التي ستجري الأحد ، إزدات شوارع مدينة غزة بالألاف من الملصقات الكبيرة ، و صور المرشحين التي ملأت جنبات الشوارع و الطرق الرئيسة في كافة أرجاء قطاع غزة ، و الضفة الغربية أيضاً .

و بين التفاؤل الذي يبديه الفلسطينيين من انتخاب رئيسهم الجديد إلا أن ثمة تخوفات تطرح في الأفق جراء سياسات إسرائيل لعرقلة سير الانتخابات ، و التي برز منها عرقلة دخول المراقبين الدوليين ، بالإضافة إلى التلكؤ في سحب قواتها من مراكز المدن الرئيسية في الضفة الغربية ، و هذا يخالف ما وعدت به الحكومة الإسرائيلية من قبل ، و يخالف تعهدات شارون لوزير الخارجية الأمريكي كولن باول عندما وعده بتسهيل سير العملية الانتخابية .
و يقول الفلسطينيون أن انتخاب عباس الذي تصدر كافة استطلاعات الرأي و انحصرت المنافسة عملياً بينه و بين الدكتور مصطفى البرغوثي ، سيعزز كثير من آمال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس ، لكنهم يبدون تخوفهم من ممارسات إسرائيل التي لا يثقون بها إطلاقاً .

في حين يتساءل البعض عما إذا كان لأبو مازن المقدرة في تحقيق الحلم الذي انتوره طويلاً ليس لسبب ما و إنما للتعهدات السابقة التي طرحتها إسرائيل و لم تتلزم بتنفيذها ، فهناك إجماع قوي من شرائح مختلفة في الشارع الفلسطيني على انتخاب عباس و فوزه بقوة ، لكن مع ظهور قوى المعارضة التي تختلف فقط مع عباس من ناحية برنامجه الانتخابي ، و تحديداً من موقفه إزاء إنهاء عسكرة الانتفاضة .

و تزدحم شوارع القطاع الرئيسية بالمارة و المركبات ، علاوة على ذلك ترى الازدحام الشديد للملصقات و الشعارات الكبيرة التي تلفت نظر المواطنين ، كونها تحمل جملاً مختصرة وتقودهم إلى فهم بعض المقتطفات من البرنامج الانتخابي لهذا المرشح أو ذاك ، كما تجد صور المرشحين معلقة على الجدران ، و إلى جانبها صور الرئيس الراحل ياسر عرفات .

و أمام جملة من الشعارات التي امتلأت بها شوارع غزة ، وقفت المواطنة أم حسين ( 36 عاما ) ، و قالت : " سأعطي صوتي لأبي مازن ، كون الوحيد الذي يستطيع أن يخرج الشعب الفلسطيني من الوضع الحالي ، و سيكون هو الأمين على خلافة الرئيس عرفات بعد وفاته " .

و استذكرت أم حسين في حديثها لـ " إيلاف " ، الفترة التي انتعش فيها الاقتصاد الفلسطيني إبان تولي محمود عباس ( أبو مازن ) رئاسة الوزراء ، مشيرة إلى أن هذه الفترة شهدت انتعاشا اقتصاديا كبيرا.

و يتسابق مؤيدو فتح لتشجيع المواطنين على انتخاب أبو مازن ، و ترى الشوارع مليئة بالشعارات و الصور التي تحفز المواطنين للتصويت لصالح أبو مازن المرشح الوحيد لحركة فتح .

و رغم وجود إجماع كبير على اختيار أبو مازن لرئاسة السلطة الفلسطينية ، إلا أن هناك بعض الآراء تتخوف من أن تجعله إسرائيل عقبة أخرى في طريق السلام كما فعلت مع زعيمه أبو عمار حين اتهمته بأنه ضد أمنها و استقرارها ، خصوصاً بعد تصريحاته النارية التي أدلى بها خلال حملته الانتخابية ، و التي اعتبرت بأنها " غير مسبوقة " ، بعد أن نعـت إسرائيل بأنها " عدو صهيوني " ، أثناء خطابه الانتخابي أمام جماهير غفيرة من أبناء الشعب الفلسطيني في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة .

و ندد أبو مازن بالمجزرة الإسرائيلية الجديدة التي أوقعت يومها سبعة فلسطينيين في شمال قطاع غزة ، داعياً الفلسطينيين الصلاة من أجل الشهداء الذين سقطوا اليوم بنيران العدو الصهيوني .

و أثارت تصريحات محمود عباس ، انتقادات واسعة لدى الأوساط الإسرائيلية التي بدأت تتشكك في جدية الزعيم الفلسطيني المنتظر بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات الذي اعتبرته إسرائيل سابقاً بأنه عقبة في طريق السلام و الاستقرار في المنطقة ، فقد وصف نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت تصريحات عباس بأنها أمر لا يغتفر قائلاً : " بلا أدنى شك ما قاله أبو مازن لا يغتفر و غير مقبول ، و لا يمكن أن يشكل أساساً لأي تعاون مستقبلي " ، و تابع " بعد التاسع من يناير ( كانون ثاني ) الحالي ، سننظر إلى مثل هذه التصريحات بشكل مختلف عما نفعل الآن " .

لكن أبو مازن عاد و أكد على جديته في خوض المفاوضات مع إسرائيل بعد فوزه في الانتخابات ، و قال للصحافيين ، أنه سيحاول إقناع الحكومة الإسرائيلية بأفكاره ، مبدياً رغبته في الاستقرار لتعزيز عملية السلام ، رغم عدم ثقته من تحقيق الانفراج المطلوب أو التوصل إلى حل نهائي .

و بموازاة ترشيح ابو مازن لرئاسة السلطة الفلسطينية ، يبرز ستة مرشحين آخرين يتطلعون للمنافسة وهم الدكتور مصطفى البرغوثي ، و بسام الصالحي أمين عام حزب الشعب الفلسطيني ، تيسير خالد مرشح الجبهة الديمقراطية ، و د.عبدالحليم الأشقر المقيم بأمريكا ، و المحامي عبدالكريم شبير ، و الأستاذ السيد بركة .

و إن اتفق الفلسطينيون على المرشح أو ذاك ، فإن الشعب الفلسطيني هو المستفيد الأكبر لأنه سيحتكم لصناديق الاقتراع التي ستسد الفراغ الكبير الذي تركه رئيسهم الراحل ياسر عرفات.