استنفر الفلسطينيون والإسرائيليون استعدادا للانتخابات الرئاسية في القدس التي ستجري غدا (الاحد)وستكون وفقا للمراقبين اختبارا ومؤشرا لمدى ثقة المقدسيين بالسلطة الفلسطينية. وسيصوت المقدسيون في 6 مكاتب بريد، التي تخضع لحراسة إسرائيلية مشددة، ومزودة بكاميرات ستصور المصوتين.

وقالت لجنة الانتخابات المركزية إن بامكان أصحاب حق الاقتراع في القدس أن يصوتوا أيضا في 12 مركزا محيطا بالمدينة المقدسة، وذلك في محاولة أخيرة من اللجنة لتشجيع المقدسيين على التوجه لصناديق الاقتراع، وخلال الأسابيع الماضية ركزت لجنة الانتخابات المركزية في حملاتها الدعائية على أن تصويت المقدسيين هو تعبير عن الحفاظ على عروبة المدينة والمقدسات الإسلامية والمسيحية.

ويحمل سكان القدس ما يعرف ببطاقات الهوية الزرقاء، والتي تخولهم الإقامة في المدينة المقدسة، ولكنها اقل من الجنسية الإسرائيلية، التي يمتنع غالبية السكان من التقدم للحصول عليها لأسباب قومية ووطنية. وتسير الترتيبات الانتخابية في القدس وفقا لما جرى عليه الاتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عام 1996 عندما جرت انتخابات شبيهة.

وانتقد مرشحون التفاهمات بين السلطة وإسرائيل حول ذلك والتي شملت أيضا تضييقات على جولات الناخبين في القدس. وقال الدكتور مصطفى البرغوثي لمراسلنا إنه لم يتم وضع المرشحين في صورة الترتيبات مع الجانب الإسرائيلي.

وأشار انه بعد أن تم اعتقاله في المرة الأولى في القدس، طلبت اللجنة المركزية للانتخابات من المرشحين تقديم طلبات للحصول على تصاريح وان طاقم حملته الانتخابية قدم خمسة أسماء من بينها اسمه، ولكن إسرائيل وافقت على إعطاء ثلاثة تصاريح تخولهم التجول في الضفة وقطاع غزة التي يسمح الإذن بالوصول إليها عبر "الأراضي الإسرائيلية"، وحين حاول استخدام التصريح للدخول للقدس ابلغه الجنود بان هذه التصاريح لا تخول أصحابها الدخول الى المدينة المقدسة.

ولم يمنع هذا من دخول مرشحين للقدس من دون تصاريح وبطرق التفافية، مثل تيسير خالد مرشح الجبهة الديمقراطية وبسام الصالحي مرشح حزب الشعب اللذين التقيا بجمهور من المقدسيين في قاعة المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، وكان من المفترض أن ينضم إليهما مصطفى البرغوثي الذي اعتقل واخرج من المدينة، كما حدث فيما بعد أيضا مع بسام الصالحي.

ورأى كثيرون من الفلسطينيين ان تعريض المرشحين أنفسهم للاحتكاك بالجيش هو نوع من الدعاية الانتخابية، وهو ما نفاه البرغوثي بشدة قائلا إنه لا يجب لوم الضحية وإنما إدانة ممارسات الاحتلال.

وخلال الأيام الماضية لم يبد سكان القدس اهتماما كبيرا بالانتخابات، بينما شهدت قرى وبلدات حول القدس مهرجانات انتخابية كبيرة من بينها ما شارك فيه محمود عباس (أبو مازن) مرشح حركة فتح، وابرز هذه البلدات هي الرام التي تقع شمال القدس ويحمل غالبية سكانها بطاقات هوية زرقاء، ولكن سلطات الاحتلال أخرجتها خارج الجدار، لأنها كتلة سكانية فلسطينية لا تريد أن تعتبرها جزءا من حدود بلدية القدس.

وأطلق نشطاء فتح على بلدة الرام اسم (قلعة الشهيد فيصل الحسيني) ووضعوا صورة كبيرة للحسيني وأبو مازن وعرفات في مدخل البلدة التي يفصل شارع القدس-رام الله عن منطقة صناعية استيطانية تعرف باسم (عطروت) بينما انتشر عشرات من جنود الاحتلال وحراس جدار الفصل حول البلدة وبجانب مكتب نواب القدس في المجلس التشريعي، الذين إذا قطعوا حاجز قلنديا القريب باتجاه مدينة رام الله يصبحون في عالم آخر، يختلف عن الرام والقدس وعطروت.

ويمكن من خلال المشهد الذي يبدو غريبا، إدراك الصعوبات التي تجري فيها الانتخابات الفلسطينية خصوصا في القدس.

وقال مسؤول في حركة فتح في القدس انه على الرغم من الوجود الإسرائيلي العسكري المكثف في المدينة إلا أن نشطاء الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها فتح أعلنوا الاستنفار خلال الأسابيع الماضية لضمان تصويت عدد كبير من المقدسيين، بينما أعلنت الشرطة الإسرائيلية أنها أيضا في حالة استنفار لضبط الأمن في القدس خلال عملية الانتخابات التي ربما تحاول جهات استغلالها لارتكاب أعمال تخريبية، حسب وصفها.

وأعلنت منظمات يهودية متطرفة تعارض قرار حكومة الاحتلال بالسماح للمقدسيين بالمشاركة في الانتخابات عن أنها ستحاول التشويش على عملية الانتخابات.

ودعت هذه المنظمات مؤيديها إلى التوجه إلى مكاتب البريد في القدس الشرقية وإنجاز معاملاتهم وشراء طوابع، حتى تعيق طوابير هم المقدسيون من التصويت.

وقالت سوسن عصام وهي معلمة متقاعدة إنها ستذهب للانتخابات وستصوت، ولكنها تعتقد ان نسبة المصوتين ستكون قليلة ومفاجئة للسلطة والفصائل التي برأيها نسيت القدس خلال الأعوام الماضية.

وعدد صحافي مقدسي الأسباب التي يراها ستحول دون ارتفاع نسبة التصويت في القدس، قائلا إن بعضها يتعلق بالممارسات الإسرائيلية والسياسات التي أدت إلى ازدياد البطالة بين السكان، واستمرار عمليات تهويد المدينة بلا هوادة الأمر الذي جعل السكان غير مقتنعين بان انتخابات السلطة ليس لها علاقة بوقف ممارسات الاحتلال في القدس التي تجري وسط صمت من السلطة، وبأنها لن تؤثر على وضعهم سلبا أو إيجابا وبالتالي فهم غير معنيين بها.

وأضاف "لا ننكر أن هنالك خوفا بين السكان من أن يؤدي تصويتهم في انتخابات السلطة من فقدانهم لامتيازات الاقامة في القدس التي مارست فيها سلطات الاحتلال تطهيرا عرقيا وأيضا من حرمانهم من خدمات اكتسبوها بسبب إقامتهم في القدس".

وهناك بين السكان من يعارض الانتخابات من منطلقات أكثر جذرية معتبرا أن الانتخابات هي استحقاق إسرائيلي-اميركي وان التصويت هو إعطاء شرعية لها.

ويشعر معظم السكان مثل باقي الفلسطينيين بالإحباط من ممارسات السلطة وأدائها خلال السنوات الماضية، ولا يعتقدون انه خلال فرض سلطتها النسبية على مدن الضفة الغربية وقطاع غزة أعطت قوة مثل جاذبة لهم.

وستعكس نسبة التصويت في القدس غدا، موقف السكان من السلطة الفلسطينية.