دافع رئيس مجلس الوزراء عبد القادر باجمال عن برنامج الإصلاح الشامل الذي تنفذه حكومته منذ العام 1995 بناء على توصيات وتوجيهات صندوق النقد والبنك الدوليين ، والذي أسمي شعبيا (برنامج الإفقار الشامل) ، مشيرا إلى ان هذه الإصلاحات منظومة متكاملة تتضمن استراتيجية وطنية للمرتبات والأجور ، إضافة إلى الإصلاحات في المنظومة المالية وخاصة الجمارك التي قال أنها محكومةً بقدرة الحكومة على إقامة منظومة تجارية مع دول الجوار ، مؤكدا الجهود الحثيثة التي تبذلها اليمن لإقامة منظومة جمركية مشتركة مع دول الجوار وخفض نسبة الجمارك من 25% إلى 5% ، إضافة إلى متطلبات دخول اليمن في منظمة التجارة العالمية وحماية الصناعات الوطنية ، الذي قال أنها مسألة هامة جداً، لأن الصناعات التي نحن مقدمين عليها في المناطق الصناعية المزمع إقامتها في كل من الحديدة، عدن، والمكلا، ستحتاج فيما تحتاج أليه، إلى حماية منتجاتها حتى يكون هناك إقبال كبير على الاستثمار فيها ، وبالتالي توسيع قاعدة العمل وامتصاص جزء من العمالة.
وفيما يخص الضرائب فهي موجودة ، نحن الآن ندرس ضريبة المبيعات ثم مجموعة الضرائب الاخرى، ولكن الاهم من هذا كله هو تماسك المنظومة الضريبية, لأن منظومتنا الضريبية غير متماسكة حالياً .
وأضاف عبدالقادر باجمال في مؤتمر صحافي عقده اليوم إن السلطة المحلية تمثل حجر الزاوية في التقدم الصناعي والاجتماعي في بناء الدولة ، مشيرا إلى أن الإصلاحات تتضمن إعادة الهيكلة لعدد من الوزارات ودمج بعضها كالإعلام والمالية والنفط والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ووزارة التخطيط والتنمية والخدمة المدنية وغيرها ، بالإضافة إلى إلغاء بعض الوظائف في بعض الوزارات.
وفي إجابته على سؤال حول نتيجة الإصلاحات السابقة منذ العام 1995م أشار باجمال إلى مشاريع الطرق والجامعات والإنشاءات والاتصالات والكهرباء والصحة التي قال أنها تتوزع على مختلف محافظات الجمهورية ، منوهاً إلى أن الإصلاحات أوجدت (11) نوعاً من مادة القمح بينما انخفض الاستهلاك إلى 30%.
وقال باجمال أن حرب صيف عام 1994 انعكست سلبا على المنظومة السياسية والاقتصادية ، الأمر الذي استدعى إجراء إصلاحات اقتصادية ، مشيرا الى أنه في 31 كانون الاول (ديسمبر) عام 1994 وصلت حسابات البنك المركزي اليمني 90 مليون دولار فقط , في حين بلغ التضخم 77% , وعجز الموازنة 17 %, ومعدل البطالة 33%, في حين كان يفاجئنا ارتفاع معدل النمو السكاني ، في حين كانت القدرة الاستيعابية على حجم القروض الخارجية لا تزيد عن 28 مليون دولار في ذلك الوقت.
وأضاف : أما اليوم وبعد 10 سنوات من الإصلاحات الاقتصادية أصبح العجز بين 3 و 3.5 %, والتضخم بين 8 و 10 %, والبطالة 18% فقط, وقدرة استيعاب القروض الخارجية تضاعفت إلى أكثر من 20 مرة.
وأكد باجمال أنه " وبعد تنفيذ الإصلاحات السعرية تمكنا من تعويم الريال بثقة مطلقة , ولم يحصل استفزاز كما حصل في بلدان أخرى", مشيرا إلى أن مديونية اليمن بعد مؤتمر الإرهاب في لاهاي كانون الثاني (يناير) 1996 بلغت 11 مليار دولار في حين أنها وصلت الآن إلى اقل من النصف.
وأضاف رئيس الوزراء انه وفي ظل الاقتصاد المريض والمنهار الذي بعد حرب صيف 1994م حيث كان الوضع رديئا للغاية وكان الوضع منهار تماما وكان لزاما علينا ان نضع علاجا ناجعا له ووضعنا ميزانية 1995م التي تضمنت أول مرحلة من مراحل برنامج الإصلاحات المالية والإدارية وفي نهاية المطاف استقر سعر العملة وهذا ايضاً ضمن الإصلاحات التي أجريناها، لأن العملة إذا انهارت هي الكارثة الكبيرة، لتأثيرها المباشر على أسعار السلع والخدمات المختلفة، معيداً إلى الأذهان الحالة الأرجنتينية التي انهارت معها الأسعار إلى مستويات متدينة للغاية قبل الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الأرجنتين بقيادة الرئيس كارلوس منعم ، حيث ساهمت تلك الإصلاحات في عودة قوة عملة البلاد واستقرار أوضاعها الاقتصادية في ظل التفاف جماهيري أرجنتيني واسع.
وقال: إذا كان احدنا يعتقد ان الإصلاح يجري فقط في جانب الأسعار فهو غائب عنا كلياً، فعناصر الاصلاح كلها مترابطة مع بعضها البعض، وتتضمن هذه العناصر: استراتيجية وطنية للمرتبات والأجور، وهي مهمة وضرورية جداً من أجل أن يكون لدينا هيكلية حقيقية للأجور تنسجم فيها بدرجة أساسية مع القاعدة الأولى لما يسمى بمرتب الحد الأدنى ، مشيرا إلى أننا نحتاج الى أن نزيد هذا الحد الأدنى إلى نقطة فوق العشرة آلاف، بحيث يتراوح الحد الأدنى للأجور بين (12500 ريال فأكثر ) حيث تتقاضى الشريحة العليا في المرحلة الأولى بين 40 إلى 50 ألف ريال , وفي المرحلة الثانية يرتفع من (14500) ريال إلى نحو 70 ألف ريال، ثم المرحلة الثالثة ستنطلق من (16500) إلى 80 ألف ريال وهكذا ، أي أن كل واحد يأخذ نصيبه في درجات السلم الموجودة ، سواء كان من آخر سلم في المجموعة الخامسة إلى أول سلم في المجموعة الأولى، وبالتالي ستتوازن الحقوق بشكل معقول جداً.
وفيما أشار إلى قصر عمر تجربة السلطة المحلية في بلادنا ، شدد على أهمية تطوير هذه التجربة أفقياً ورأسياً في داخلها، بالارتكاز على جماهيرها وعلى قواعدها وعلى علاقاتها الداخلية، منوها إلى ان السلطة المحلية التي تمثل دوماً عملية اللامركزية الإدارية والمالية، هي الأنفع لنا ولأجيالنا لكي يتعلمون بدءا من القرية وانتهاءاً بالعاصمة كل مفاهيم الحكم، وهذه ستجنبنا البيروقراطية والفساد إذ يكثر الفساد في المركزية، وتحديدا في المراجعات، وفي تركز القرار في إدارة واحدة، وفي طوابير البشر مع معاملاتهم في العديد من الجهات المركزية ذات العلاقة بالسلطة المحلية ، مشددا على ضرورة تجفيف منابع الفساد المالي أينما وجدت، سواء على المستوى المركزي أو المحلي، والتي اعتبر أنها الخميرة الحقيقية للفساد.
وقال: علينا ان نذهب بعيداً الى ان موضوع اللامركزية فهو موضوع جوهري وأساسي ويسير باتجاه مباشر نحو قضية الفساد كمهمة مباشرة , فكل من تمسك بمجموعة كبيرة من الصلاحيات في المركز كل ما نوى نية سيئة.
وحول الجهود الحكومية لاجتثاث الفساد وتجفيف منابعه، قال باجمال: مامن شك على الإطلاق ان أي تغيير او إصلاحات او تعديل إلى الأمام يجد مقاومة من القديم، وهذه هي طبيعة الاشياء، وفي حياتنا كلنا نقاوم الجديد مقاومة غير عادية ما بالك أن هذا الجديد هو القضاء على الفساد، وما بالك ان هذا الجديد هو مهاجمة هذه البؤر وهؤلاء "العتاولة", ولهذا اقول إننا لسنا وحدنا نخوض المعركة في الحكومة بل نخوضها بكل الضمائر وبكل التوجهات التي كلنا صادقين معها ، من القيادة السياسية إلى القيادة الحزبية إلى القيادة الحكومية، وبالتالي الاتفاق الحقيقي مع الكل وليس مع رئيس الوزراء أو وزير بعينه أو صحفي بل سنقف كلنا معه انتصاراً للحقيقة ومن اجل الاصلاح وردم الفجوات والاختلالات الموجودة .
وفي رده على سؤال حول الانخفاض المتوقع في إنتاج النفط ، والسياسات الحكومية البديلة لتنويع مصادر الدخل القومي قال الأخ رئيس الوزراء : منذ سنتين وجدنا انفسنا أمام وضع نقص في انتاج البترول بحوالي (18) مليون برميل في العام ، طبعاً (18) مليون هي انتاج يومين من إحدى الدول ، لكن اليمن وضعها هكذا ، والاكتشافات اليمنية النفطية موجودة ولكن الطابع العام للتكوينات الجيولوجية في اليمن هي تكوينات حديه ، عندنا اكتشافات لكن هذه الاكتشافات نتوقع ان لا تكون سريعة ، ونتوقع ان تكون متواضعة او ما يسمى هامشية , وبالتالي من هنا كان لدى مجلس النواب ولدى الحكومة ايضاً برنامجهما الذي يقول بضرورة البحث عن مصادر أخرى جديدة للإقتصاد الوطني وأهم هذه المصادر تطوير الصناعة والأسماك والسياحة ، أما الزراعة فوضعها أيضا سيء من ناحية المياه كما تعلمون.
وفي رده على سؤال بشأن ما يتردد عن انعكاسات الإصلاحات السعرية على المواطنين ، قال الأخ رئيس الوزراء : بالنسبة لموضوع الاصلاحات وآثارها الإجتماعية ، انا ألاحظ أن هذه قصه عملتها بعض الصحافة ، بأن هناك جرعة .. طيب هذا يعني أن هناك مرض ، والمرض يحتاج الى ان نتجرع له الدواء ومن الدواء ماهو مؤلم والصبر ايضاً ضمن هذه الادوية والكي ضمن هذه الادوية ، الكي هو العلاج القديم.
وفي حقيقة الامر أن كلمة جرعة هي كأنها مثل الفزاعة طرحت على الناس على لأجل إخافتهم ، ونحن نريد الناس أن يفهموا شئ واحد : انه ليس على المدى الطويل بل على المدى القصير سوف يرون الى أي مدى هذه السياسة الاقتصادية بما فيها السياسات السعرية المتوازنة ستؤدي الى تحسن في حياة الناس لأن أسعار المشتقات لن تخرج هكذا وحدها بل سيكون لها تعديل رئيسي في العديد من الجهات كالجمارك ، بحيث عندما نقوم بتخفيض الجمارك من 25% إلى 5% معنى هذا إنني عوضتك في السلعة التي كانت محملة بـ20% حولت إلى 5% ، وهذا تعويض ، علماً بأن النفقات المنزلية في أعلى صورة لها من صور الشريحة التي ممكن تتأثر تأثراً مباشراً لن تزيد عن 7%.
وفي معرض رده على سؤال يتعلق بالاستحقاقات اليمنية للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي وأبعاد التجمع اليمني الإفريقي، قال رئيس الوزراء: فيما يتعلق بمجلس التعاون الخليجي، فمن قبل 24 سنة نحن ندرك تماماً إن هذا المجلس قام في ظل ظرف معينة وفي زمن معين، ذلك الظرف وذلك الزمان لم يعودا من اليوم لا من حيث محاور القوى الموجودة في المنطقة إذ ظهر محوران رئيسيان وهامان هما الثورة الإيرانية والوحدة اليمنية، صورة متغيرة تماماً عن ذلك الوضع الذي كنا عليه، ولا من حيث محور القوى العظمى ، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي لم يعد هناك قوتان عظميان أي أن البناء الدولي والبناء الاقليمي تغير في مضامينه وفي أشكاله، وبالتالي هذا يعني ان مجلس التعاون الخليجي بالمقابل ينبغي ان يواكب وضعاً جديداً ومتغيراً.. ولقد انهارت ايضاً خلال هذه الفترة كثيراً من الامبراطوريات، بل انهارت كثيرا من الافكار وتصدعت، واصبحنا امام فكر آخر جديد ينطلق من مفاهيم جديدة للأمن والاستقرار والاقتصاد والسياسة وحقوق الإنسان، ولنظم الحكم، لكل من هذه الأشياء التي أصبحت جوهر هموم البشرية كلها، اليمن في المقابل لازم تتغير وتتغير بانطباعية جديدة بمفهومها الجديد، بالإضافة إلى مفهوم الآخرين، ماهو مفهوم الاخرين؟ مفهوم الآخرين انهم هم ايضاً بدؤوا يتساءلون، وتحديدا في أوساط المثقف الخليجي، بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر)، ما الذي حصل حتى هذه اللحظة، سنبحث جميعنا ونطالب انه في يوم من الايام لابد ان نكون منضمين ليس لواحد فقط من التجمعات الاقليمية ولكن لأكثر من تجمع اقليمي , لأنه مالم يقم هذا التجمع لمصلحة معينة فلابد للطرف الآخر من البحث عن مصلحة معينة، الخليج لم يكن مسئولا عن أمن البحر الاحمر، ستكون اليمن والسعودية والسودان واريتريا وجيبوتي الأردن مسئولة عن البحر الاحمر، هذا مهم جداً وبالتالي لابد ان اليمن وهو عند هذه القابلية بين خيارين في الجزيرة العربية تطل من هنا على الخليج وتطل من هنا على البحر الاحمر، فإنها عندها "كاريزما" معينة في سياسة المنطقة لابد ان تستخدمها وهذه تزيدها كاريزمية الرئيس علي عبد الله صالح وجاذبية السياسات الوسطية الموجودة في اليمن، هذه الوسطية تعمل أيضاً جاذبية خاصة ، كوننا قادرين على ان نعيد صياغة بعض الأوراق بالمشاركة مع الآخرين أو ننصح هنا ونفيد هنا وهناك، لكن الفائدة الحقيقية بالنسبة لنا ان تقوم منظومة بالجزيرة العربية وممكن تضم العراق, فهذا مفيد جداً ما في شك ان الوحدات الإقليمية مفيدة جداً، وقلنا أكثر من مرة أننا لا نستطيع ان نذهب للعولمة إلا عن طريق الأقلمة .