زيدون السامرائي (19 عامًا)
اسامة مهدي من لندن: رفضت عائلة الشاب العراقي زيدون السامرائي الذي قتله غرقًا جندي أميركي مطلع العام الماضي تبرئته من تهمة القتل والحكم عليه بالسجن ستة أشهر فقط بتهمة الضرب وقررت إستئناف الحكم فيما وصف والد الضحية مامون السامرائي الحكم بانه ظالم وإجتزاء للعدالة.

وإثر صدور الحكم بتبرئة السارجنت تراسي بيركنز من تهمة القتل تحدث والد الضحية ومحاميه مع "ايلاف" من ولاية تكساس بالولايات المتحدة في وقت مبكر صباح اليوم عن ردود فعليهما ازاء الحكم فاكدا رفضهما له وقالا إنهما سيستأنفانه ويواصلان الدفاع عن قضية قتل زيدون حتى نهايتها.

وحكم على بيركنز (33 عاما) بالسجن ستة أشهر في ساعة متاخرة من ليلة امس بعد ادانته بالاعتداء وعرقلة سير العدالة وتبرئته من تهمة قتل أحد عراقيين اثنين أجبرا على القفز من فوق جسر. وقال بيركنز للمحكمة "اعترف ان ما ارتكبناه كان خطأ وسأقبل العقوبة التي فرضت."

واتهم بيركنز بقتل العراقي زيدون حسون (19 عاما) بأن ترك الجنود يجبرونه على أن يلقي بنفسه هو وابن عمه من على ارتفاع يتراوح بين ثلاثة أمتار وأربعة أمتار من على جسر فوق نهر دجلة في سامراء في كانون الثاني ( يناير) عام 2004 .

ويوم الاربعاء الماضي شهد مروان فاضل الذي أجبر على القفز من أعلى الجسر مع ابن عمه حسون بأن الجنود دفعوا الاثنين ببنادق الى المياه بعدما توسلا اليهم طلبًا للرحمة ثم اخذوا يضحكون فيما كان حسون يموت غرقًا لكن محامية الدفاع الكابتن جوشوا نوريس قالت إنه يتعين على المحكمة ألا تدين بيركنز لانه "ليس ثمة جثة ولا دليلا ولا قتلا."

محامي الضحية يرفض الحكم

وفور صدور الحكم بتبرئة الجندي قال محامي العائلة نزار السامرائي إنه سيقدم عن طريق المحامي العسكري شيفر ،الذي عينته السلطات الاميركية موكلا عن عائلة الضحية لان المحاكم العسكرية الاميركية ترفض ترافع محامين مدنيين لديها، لائحة طعون بالحكم من حيث الشكل والمضمون واوضح ان الطعون سترتكز على عدم استدعاء اربعة من رجال الشرطة العراقيين كانوا حضروا الحادث وابلغت اسماؤهم الى المحكمة فوعدت باستدعائهم لكنها لم تفعل اضافة الى رفض المحققين معاينة جثة القتيل في مقبرة سامراء بزعم خوفهم من كمين ربما يتصيدهم فيها وكذلك عدم إحضار المتهم الى قاعة المحكمة لدى إدلاء مروان بشهادته واشار الى ان مجريات المحكمة تمت بطريقة بوليسية .

ورفض السامرائي قول محامي الدفاع عن المتهم عدم وجود جثة او جريمة قتل وانه قدم الى المحكمة شريط فيديو وصور فوتوغرافية لجميع مراحل البحث عن جثة زيدون والعثورعليها ودفنها مع خطاب رسمي من مدير مشروع سد سامراء الذي القي الشابان من فوقه الى الماء يامر فيه بتخفيض منسوب المياه لتسهيل البحث عن جثة الضحية .

اما بخصوص تشكيك الدفاع بان الجثة المصورة لايمكن ان تكون لزيدون لانها غير مشوهة بعد بقائها في الماء 13 يومًا اوضح السامرائي ان عدم تحلل الجثة كان سببه برودة الماء القارصة حيث ان شهر كانون الثاني هو اكثر الاشهر برودة في العراق وغالبًا ماتكون درجات الحرارة خلاله تحت الصفر .

والد الضحية يعترض

اما مامون السامرائي والد الضحية فاكد لـ"ايلاف" ان الحكم ظالم وغير عادل ، ولا يمثل الصورة التي نعرفها عن عدالة القوانين الاميركية" وقال انه تم خلال المحاكمة اجتزاء العدالة وعدم تطبيق القانون المعروف عن اميركا "والذي دفعني لرفع الدعوى استنادًا له" .. وشدد على انه منزعج من الحكم "لانه لم يضع الحق في نصابه ولم يحقق لي الامل بتحقيق العدالة" واشار الى انه سيتابع حتى النهاية المطالبة بمعاقبة المتسبب في موت ابنه عن طريق الاستئناف .

وكانت عائلة زيدون السامرائي قد اتهمت في وقت سابق محامي الدفاع عن المتهم بمؤامرة ترتكز على التنكر للجريمة من خلال الدفع بعدم وجود اية عملية قتل او العثور على اية جثة وعبر افراد في العائلة عن مخاوف حقيقية من تبرئة المتهم .

وقال أول شاهد للمدعي شيفر ايرين سنترون محققة الجيش في مشهد الجريمة ان العراقي الناجي ابلغها ان الشابين القي بهما من ارتفاع ثلاثة الى اربعة امتار وقال اعضاء من الدورية العسكرية التي اجبرت الشابين على القاء نفسيهما في الماء انهما سقطا تحت تهديد السلاح حيث فصلت بين سقوط الاثنين في النهر بضع ثوان فقط ثم شوهد احدهما وهو يقف في منطقة قريبة من شاطئ النهر بينما كان زيدون في المياه التي بدت انها تصل الى كتفيه عندما ترك الجنود مكان الحادث.

وقال السارجنت الكسيس رنسون الذي كان في المجموعة التي اجبرت الشابين على القفز من على الجسر ان الاوامر بزج الرجلين في النهر صدرت من اللفتنانت جاك سافيل ونفذها السارجنت ريجي كارتينز وكلاهما وجه اليه الاتهام في الحادث. وشهد بعض الجنود ان بيركينز كان في مركبة مقاتلة من نوع برادلي كانت تقف على مبعدة 100 متر من المشهد وانه لم يخرج من المركبة .

شهادة والد الضحية وابن عمه

وفي شهادته أمام المحكمة قال مروان (23 عاما) ابن عم الضحية أن جنودًا اميركيين زجوا به هو واحد اقاربه تحت تهديد السلاح من على جسر فوق نهر دجلة وان الجنود ضحكوا عندما غرق قريبه . وابلغ المحكمة العسكرية التي تحاكم السارجنت بيركنز المتهم الاول بقتل زيدون حيث امر جنودًا تابعين له ان يزجوا به في النهر بانه وزيدون توسلا الي الجنود ان يكفوا عن ذلك.

واوضح مامون قائلا عن طريق مترجم انه وقريبه كانا ينقلان ادوات صرف صحي من بغداد الي سامراء عندما احتجزهما الجنود الاميركيون قبل بضع دقائق من موعد حظر التجوال في الساعة الحادية عشر مساء في يوم الثالث من كانون الثاني (يناير) عام 2004 وان الجنود اخذوهم في ذلك الوقت الي حافة الجسر تحت تهديد السلاح .. وقال "اخذنا نرجوهم بالا يلقونا في الماء وقلنا بالانجليزية .. من فضلكم من فضلكم .. ولكن عبثا لان الجنود القوا بنا من علي الجسر في الماء العكر من ارتفاع يترواح بين 3 أمتار الي 5ر3 متر" واكد "وجه الجنود بنادقهم الينا وكانوا يضحكون. واشار مامون الى انه لا يستطيع تحديد ما اذا كان بيركنز احد الجنود المشتركين في العملية .

اما والد الضحية مامون فاضل السامرائي فقال في شهادته ان الاسرة اخرجت جثة ولده زيدون من النهر بعد 13 يومًا من الواقعة ودفنته خلال ساعات واضاف " ان اخر مرة رايت فيها ابني كان جثة هامدة "وتم اطلاع الاعضاء الستة لهيئة المحلفين علي صورة لجثة يقول المدعون انها لزيدون .

لكن الطبيب الشرعي الذي فحص شريط فيديو للجثة قال " انه لا يمكن ان تكون هذه الجثة ظلت في الماء لمدة اسبوعين ". وقالت الدكتورة اليزابيث بيكوك التي تعمل في اوستن في ولاية تكساس "بعد اسبوعين تتحول ملامح الوجه الي هيكل عظمي كامل تقريبا" .

وقبل مغادرته الى الولايات المتحدة الاسبوع الماضي ابلغ المحامي السامرائي موكل العائلة لـ "إيلاف " في اتصال هاتفي من بغداد انه سيطلب تطبيق القانون الاميركي ضد الجندي المتهم وان تأخذ العدالة مجراها واوضح ان هناك اربعة من افراد الشرطة العراقية كانوا في نقطة تفتيش عند مدخل مدينة سامراء (120 كيلومترا شمال بغداد) وشاهدوا ارتكاب الجريمة وهم على استعداد للادلاء بشهادتهم .

ونفى المحامي ان يكون العسكريون الاربعة سكارى عند ارتكابهم جريمتهم او حصول مشادة بين الضحية وابن عمه الذي كان معه ورمي في دجله معه الا انه استطاع النجاة وبين الجنود الاميركان واوضح ان تصرفهم كان عبارة عن " ملهاة " يبدو انهم "تلذذوا" بممارستها .

المتهم بقتل السامرائي السارجنت تريسي باركينز
تفاصيل حادث اغراق الضحية

وفي تفاصيل الحادث الذي رواه المحامي لـ "ايلاف" ان الضحية وهو زيدون مأمون فاضل السامرائي (19 عاما) وابن عمه مروان عبد الحكيم فاضل السامرائي ( 23 عاما) كانا عائدين من بغداد الى سامراء بسيارة "بيك اب " تحمل موادًا صحية يتاجران بها ولدى وصولهما الى مدينتهما في الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم الثالث من كانون الثاني (يناير) من العام الماضي واصبحا على بعد مائتي متر من منزلهما القت القبض عليهما دورية اميركية تضم الجنود الاربعة المتهمين بحجة خرقهما لمنع التجول الليلي مع ان الوقت كان قبل نصف ساعة من سريان المنع الذي كان يبدا من الحادية عشرة مساء وحتى الرابعة صباحًا .

واشار الى ان الجنود الاميركيين وعلى مرأى من رجال الشرطة العراقيين الاربعة اقتادوا الشابين الى منطقة سدة سامراء التي تبعد ثلاثة كيلومترات بعجلة عسكرية نوع برادلي بعد ان سحقت دبابتهم سيارة الضحية ثم توقفوا وسط جسر السدة وامروا الشابين بالقاء نفسيهما في مياه السد العميقة والجارفة وعندما رفضا متوسلين بانهما لايجيدان السباحة قام الجنود برميهما عنوة من فوق الجسر ولحسن حظ مروان انه تمسك بجذع شجرة كانت موجودة مصادفة الى ان تمكن من النجاة لكن زيدون مات غرقًا بعد ان سحبه التيار الجارف ولم تعثر عائلته على جثته الا بعد 13 يوما من الحادث اي في السادس عشر من الشهر نفسه على بعد كيلومترًا من موقع الجريمة .

واضاف المحامي ان والدة الضحية وداد محمود نديم بعثت برسائل عن طريقه الى الرئيس الاميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير والرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس مجلس الحكم انذاك حميد موسى والامين العام للامم المتحدة كوفي انان والامين العام للجامعة العربية عمرو موسى اضافة الى منظمات الصليب الاحمر الدولي والعفو الدولية وحقوق الانسان تطلب فيها العمل والتدخل للتحقيق في الجريمة ومحاكمة الجناة .

واشار المحامي نزار السامرائي الى انه بعد اسابيع عدة ابلغه القائد الميداني في منطقة سامراء التي يسكنها 120 الف نسمة وهو برتبة عقيد ان الرئيس بوش قد امر شخصيًا بالتحقيق في الحادث فور استلامه رسالة والدة الضحية .. وقال ان محققة في الاستخبارات العسكرية الاميركية ابلغته كذلك اعتذارًا رسميًا من الحكومة الاميركية لكنه شدد على ان ذلك لايكفي وان عائلته مصرة على محاكمة الجناة .

الاعلام الاميركي يتحدث عن الجريمة

من جهته، تناول الاعلام الاميركي الحديث عن تفاصيل الجريمة من خلال مقابلات مع اقارب الضحية وقالت صحيفة اميركية ان تفاصيل الحادثة تعود إلى شهر كانون الثاني من العام الماضي عندما واجه الصديقان المتاعب وقبيل بدء سريان حظر التجول في المدينة بخمسة عشر دقيقة وعلى بعد مائتي ياردة من مسكنهما بعد رحلة عمل شاقة في طريق عودتهما إلى سامراء من العاصمة بغداد.

وكانت الرحلة الروتينية بين المدينتين قد استغرقت وقتًا أطول من المعتاد جراء عطل أصاب شاحنة الصديقين مما أضطر مروان إلى التوقف لإصلاحها.

ومع بدء حظر التجول سمح للشاحنة التي تقل الصديقان بالدخول عقب تفتيشها في نقطة تفتيش عراقية على مشارف سامراء بيد أن القدر كان لهما بالمرصاد عندما اعترضت طريقهما دورية أميركية مكونة من أربعة مركبات قتالية من طراز "برادلي." وبعد التدقيق في هوية الراكبين سمح الجنود الأميركيين لمروان وزيدون بمواصلة رحلتهما بعد أن حياهما أحدهم باللغة العربية.

وما أن هم الصديقان بركوب الشاحنة حتى أمرهما الجنود مجدداً بالنزول ليقوموا بتقيدهما واقتيادهما في إحدى المركبات العسكرية التي توقفت بالقرب من جسر مشيد فوق سد مائي على نهر دجلة.

ويرجع مروان بذاكرته للوراء أثناء سرد تفاصيل الحادثة قائلاً إن مجموعة الجنود طلبوا منهم القفز بعد فك قيودهما، وعندما استجداهما، صرخ فيه أحدهما بالعربية ليلزم الصمت.ودفع الجنود بزيدون إلى المياه أولاً ومن ثم مروان الذي رأى رفيقه للمرة الأخيرة وهو يطفو بالقرب من إحدى بوابات السد المائي مستجدياً مساعدته لمقاومة الأمواج العاتية.

وبحسب مروان سمع وهو يقاوم وصديقه أمواج دجلة العاتية صدى ضحكات الجنود الأمريكيين، قائلاً "كانوا يتصرفون كما لو كانوا يشاهدون مسرحية كوميدية."وأشار مروان وهو يسرد الحادثة إلى مجموعة من النباتات تشبث بها ليتسلق إلى شاطئ حيث وجد فوهات بنادق الجنود الأمريكيين في انتظاره، ليغطس مجدداً في انتظار مغادرتهم للخروج من المياه.