شماليون تمردوا وحملوا السلاح لكن لم يكتب عنهم أحد
الخارطة الديمغرافية للعاصمة السودانية تغيرت والنازحون أغلبية

طلحة جبريل من الخرطوم: قبالة سينما " كولزيوم " في قلب الخرطوم كان هناك معرض "للكتاب المسيحي" . الإقبال على المعرض من ذلك الذي يوصف بأنه " منقطع النظير" .تقع سينما "كولزيوم" في شارع "القصر" وهو الشارع الذي يؤدي إلى "القصر الجمهوري" قرب ساحة "ابوجنزير" حيث يندلق الناس من جميع أرجاء عاصمة تمددت ... وتمددت إلى حد أصبح قطرها حوالي 70 كيلومتراً . هنا "قلب الخرطوم" . سحنات الناس في ميدان "ابوجنزير" تعكس التغيير الذي حدث للتركيبة الاجتماعية في العاصمة السودانية. الأغلبية من النازحين من أقاليم الغرب والجنوب. في الماضي، والماضي هنا الستينات، كان ميدان " ابوجنزير" هو نقطة تجمع للمظاهرات التي تنظم ضد حكومات ديمقراطية منتخبة ما بين 1965 و1969. كان المتظاهرون يهتفون "يا خرطوم ثوري ثوري مصير محجوب مصير نوري". وكان المقصود ان مصير "محمد احمد محجوب،وهو شاعر ومهندس ومحامي منتخب شرعياً لرئاسة الحكومة سيكون مثل مصير نوري السعيد رئيس حكومة العراق ايام حلف بغداد".

الآن هناك بعض الشعارات كتبت على الجدران بطلاء اسود تقول "بغداد والخرطوم ..مصير واحد" والتوقيع "حزب البعث". الشعارات حديثة وكتبت مع عبارات اخرى تندد "باميركا عدوة الشعوب". ويبدو ان السلطات تغض الطرف عن هذه الامور. سينما "كولزيوم" باتت قاعة بئيسة لا تعرض سوى الافلام الهندية. هذه السينما هي نفسها التي عرضت"ايام مجدها" شريط يتحدث عن تآمر العسكريين ضد الديمقراطية في اليونان في الستينات "

في تلك الايام كان رئيس مؤسسة السينما الكاتب الراحل "علي الملك". وحضر عرض الفيلم الى جانب اليوناني ميكيس ثيودوراكيس الذي وضع موسيقي الشريط. بعد انتهاء العرض رفع مشاهدون على اكتافهم ثيودوراكيس وهم يهتفون " للديمقراطية". يتذكر الفتى ذلك جيداً. كانت تلك ايام الصبا. قبالة معرض " الكتاب المسيحي "إصطف عدد كبير من ماسحي الأحذية. كلهم من أبناء جنوب السودان. ثمة باعة يبيعون أدويةبقارورات لعلاج نزلات البرد. كانت درجة الحرارة في حدود 23 درجة وهي درجة معقولة في شتاء الخرطوم.

مرة أجاب محمد احمد محجوب، الذي سارت مظاهرات "ابو جنزير" ضده، حين سأله الملك الحسن الثاني حول أحوال الطقس في السودان قائلاً "ياجلالة الملك نحن نعيش ستة أشهر في جهنم وستة أشهر على أبوابها".

كان محجوب رئيس الوزراء المنتخب اديباً صاحب دعابة، وهو الذي أطاح به العقيد جعفر محمد نميري في انقلاب عسكري سمي بعد ذلك "ثورة مايو". خارطة العاصمة السودانية الديمغرافية تغيرت . الاغلبية اصبحت من النازحين في الاقاليم التي تعرف نزاعات او بسبب تدهور الاحوال المعيشية. يقول شماليون إن تخصيص اتفاقية السلام نسبة 30 بالمائة من الحكومة الى الادارات للجنوبيين فيه غبن كبير . ويرى آخرون ان الحكومة ركزت جهودها في العاصمة واهملت كل الاقاليم وليس فقط الجنوب ودارفور.

ويستدلون على ذلك بالتمرد الذي حدث في الشمال . تمرد لم يجد نصيبه في وسائل الاعلام . حدث تعتيم كامل على اخباره ومسبباته . ربما لان الامور الآن اضحت تحت السيطرة.

التمرد وقع في اقصى الشمال حين قررت مجموعة من أبناء قبيلة " المناصير" حمل السلاح . "المناصير" قبيلة عربية تقطن قرب منحنى النيل في رحلته الأبدية نحو الشمال.

لكن لماذا تمرد "المناصير"؟