أحمد عبدالعزيز من موسكو: إنتهت اليوم زيارة رئيس الوزراء التركي لموسكو بعد مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعطت إنطباعًا بتعزيز العلاقات الروسية-التركية وتدشين خطوات جديدة على طريق الشراكة الكاملة.
وأشارت بعض المصادر إلى أن المباحثات الروسية-التركية ركزت على بحث ما استجد على صعيد القضايا الإقليمية والدولية الهامة، وخاصة آفاق حل الأزمة العراقية وتسوية مشكلة الشرق الأوسط والوضع في أفغانستان. وتبادل الجانبان الآراء حول بناء النظام العالمي، وتعزيز دور الأمم المتحدة، وضمان تغليب القانون الدولي على ما عداه. كما تم بحث التعاون في مكافحة الإرهاب الدولي والنزعات الانفصالية والجريمة المنظمة والتجارة غير المشروعة للمخدرات.

ورأى الكثير من المراقبين أن روسيا تدرج تركيا ضمن أولويات سياستها الخارجية. ومن ثم كانت زيارة الرئيس بوتين الرسمية لأنقرة في كانون أول (ديسمبر) 2004 قد أعطت دفعا ملحوظا للعلاقات بين موسكو وأنقرة. ودعا بيان مشترك حول تعميق الصداقة والشراكة بين روسيا وتركيا صدر في ختام زيارة بوتين لتركيا إلى الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى "الشراكة الشاملة".

وأعربت الدوائر الاقتصادية الروسية عن ارتياحها لتطور العلاقات التجارية والاقتصادية الروسية-التركية، مشيرة إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ حوالي 10 مليارات دولار تقريبا في عام 2004. ومن جانبه أعرب بوتين لضيفه التركي عن أمل موسكو في أن يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 15 مليار دولار في القريب العاجل بزيادة تقدر بحوالي 5 مليار دولار عن العام الماضي. بينما يمكن أن يبلغ 25 مليار دولار بحلول عام 2007، على حد قول الرئيس الروسي.

وتحتل روسيا المرتبة الثانية بين شركاء تركيا التجاريين. كما تعمل شركات المقاولات التركية في روسيا على نطاق واسع، والتي نفذت خلال 15 عاما مئات العقود التي تصل قيمتها إلى 3ر12 مليار دولار. وبلغ حجم الاستثمارات التركية في روسيا 5ر1 مليار دولار.

وعلى صعيد دمج تركيا مع روسيا في مجال الطاقة، أكد الرئيس الروسي على أن روسيا سوف تزيد صادراتها من الغاز إلى تركيا، بينما تساعد الشركات الروسية تركيا في إنشاء المرافق المطلوبة لنقل الغاز إلى المستهلكين وإنشاء الصهاريج لتخزين الغاز في تركيا. كما أشار إلى أن المباحثات بينه وبين رئيس الوزراء التركي تناولت تصدير الغاز الروسي إلى دول ثالثة عبر تركيا، وكذلك بحث تنفيذ مشروعات تسييل الغاز. وشدد على أن مثل هذا التعاون سوف يزيد من قدرة روسيا على تصدير الغاز، وسيضع تركيا في موقع جديد على صعيد التعاون الدولي في مجال الطاقة. وأضاف بأن هناك مشروعات مستقبلية للتعاون في مجالات الكهرباء وتطوير النقل على الخطوط الحديدية والنقل البحري والجوي بين روسيا وتركيا تم بحثها بين مسؤولي الطرفين.

وبدت زيارة أردوغان لروسيا اقتصادية أكثر منها سياسية. ومع ذلك كانت الأجندة السياسية تمثل أحد الخطوط الرئيسية التي أتاحت للمراقبين رصد برجماتية جديدة في علاقات البلدين. فمن ناحيته أكد الرئيس الروسي أن موسكو ستدعم خطة الأمين العام للأمم المتحدة لتسوية قضية قبرص التي تمثل حجر عثرة على طريق الحياة السياسية والاجتماعية التركية. وأشار إلى أن مسألة إلغاء عزلة شمال قبرص يجب أن تكون مرتبطة بتسوية القضية القبرصية التي يجب أن تضمن مصالح سكان الجزيرة سواء في الشمال أو الجنوب. ودعا إلى التعامل بحذر مع هذه الأزمة العالقة منذ فترة طويلة، والتي تتميز بالحساسية العالية من أجل تفادي أي نتائج عكسية.

إضافة إلى ذلك أبدى بوتين استعداد موسكو للعمل من أجل المساعدة على ذلك في الإطار الثنائي. وأوضح أن خطة الأمين العام للأمم المتحدة تهدف إلى تطوير العلاقات الاقتصادية مع الشطر الشمالي من قبرص، وإخراجه من حالة الحصار التي يعيشها منذ سنوات طويلة. وفي تبريره لموقف موسكو أثناء التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي قبيل الاستفتاء في قبرص، أكد على أن روسيا صوتت ضد القرار، وأطلعت الجانب التركي على قرارها قبل ذلك الوقت. وأضاف : "لقد اتخذنا هذا الموقف بوعي ليس من أجل إفشال القرار، ولكن من أجل استبعاد أي ضغوط خارجية على نتائج الاستفتاء".

وفي المقابل صرح أردوغان بأن تركيا ستعلن تأييدها الكامل لانضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية خلال الاجتماع الذي سينعقد في 24 كانون ثاني (يناير) الحالي في جنيف.

وكان رد بوتين على هذه الخطوة إعلان تأييده انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مشيدا بنجاحها في القيام بخطوات هامة في هذا الاتجاه. ورأى أن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سيتيح مزيدا من الفرص للتعاون الاقتصادي بينها وبين روسيا.

وإذا كانت البنود الخاصة بأزمة الشرق الأوسط والأوضاع في أفغانستان قد توارت حتى عن تصريحات الطرفين، فقد برزت الأزمة العراقية في ضوء تصريحات الرئيس الروسي بتأييده اقتراح الجانب التركي بشأن استخدام الأراضي والبنية الأساسية التركية في إعادة بناء العراق. وأكد بوتين على أنه بحث هذا الاقتراح أثناء لقائه مع رئيس الوزراء التركي، مشيرا إلى أن الوضع في العراق يثير قلق موسكو، وخاصة في ظل تمديد حالة الطوارئ لشهرين رغم تحديد يوم 30 يناير موعدا للانتخابات.

من جهة أخرى ألمح بوتين إلى إمكانية قيام روسيا بدور أكبر في تسوية الأزمة التاريخية بين تركيا وأرمينيا. غير إنه اكتفى أثناء اللقاء بالقول "إن روسيا سوف تكتفي بدور الوساطة في تسوية مشكلة كرباخ وتطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا"، في إشارة واضحة إلى أن خطوات روسيا نحو الشراكة الشاملة مع تركيا تتوقف بقدر كبير على الخطوات التركية في نفس هذا الاتجاه.