زوجة أقدم سجين سياسي في العالم لـ"إيلاف":
وطن فرحان الزعبي يحاول دفنه حياً

بهية مارديني من دمشق: ناشدت زوجة الضابط السوري فرحان الزعبي الرئيس السوري بشار الاسد بالتدخل للافراج عن زوجها القابع في السجون منذ 34 سنة وهي تحاول البحث عنه ورؤيته دون جدوى، مطالبة بلقاء الرئيس الاسد لتروي قصته "وجهاً لوجه دون وسطاء قد تكون لهم مصلحة في بقاء زوجي في السجون، أو ربما ليس لهم مصلحة إلا أن يوهموا الرئاسة بأنهم حريصون على الوطن". وناشدت صباح التركماني زوجة الزعبي الجميع مسؤولين وضباطا وافرادا "ليضعوا ايديهم في أيدينا للإفراج عن زوجي وإخراجه ليعيش ما تبقى من عمره حراً دون محاولات لدفنه حيا ".

وقالت التركماني لـ"ايلاف":" 34 عاماً أبحث عن زوجي الذي كان رجلاً وضابطاً استثنائياً بشهادة كل من عرفه، 34 عاماً، قضى أربعة اعوام منها في سجون الاردن وحاولنا أنا وأهل زوجي وأهلي فيها الكثير حتى جاءنا الوعد من الملك الراحل حسين بأن زوجي سيقضي العيد في دمشق وأنه احتجزه لصالح سورية ليس إلا، وبالفعل سلمته السلطات الاردنية لسورية ليقضي ثلاثين عاما في السجون السورية ثم يقال الان فجأة ان فرحان الزعبي استشهد في الاردن عام 1970 فطالما هو كذلك لماذا منذ ذلك التاريخ لم نقبض مرتبه ولم اعامل كزوجة شهيد ولم يعامل اطفاله معاملة اطفال الشهيد، بل كنا نقبض معونة شهرية من جمعية رعاية اسر المفقودين والشهداء التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ثم قطعوا عنا المعونة في عام 1993 بعد ان كتبوا ملاحظة ان الشهيد حي يرزق وكانت المعونة حوالي 330 ليرة "اقل من 7دولارات "،ثم و بناء على ضغط مني وعدة مراجعات لمكتب الجمعية وفي اواخر 2003 عادوا ليعطوني كما قالوا من خارج القيود 700 ليرة سورية "حوالي 14 دولار " شفقة على وضعي، 34 عاماً وأنا أرعى أولاده الثلاثة، حيث كانت ابنتي الثالثة ما تزال جنيناً، ولا أعلم إن كانوا أخبروه بأنه عنده بنت هي ثالث أولاده أم أن ليس له حق في معرفة ذلك".

وأضافت زوجة الزعبي "ومنذ أن سلمته الأردن إلى سورية في العام 1974 لم أدع باباً من أبواب أعمدة الدولة السورية إلا وطرقته ابتداءً من عام 1974 مع رئيس فرع منطقة الحلبوني في دمشق حيث سلم زوجي إلى هذا الفرع وجاءني مخبر ليبلغني بأن زوجي قد وصل إليهم في الفرع و قالوا لي: (يا مدام زوجك في سجن المزة، أولم ترينه بعد)، ومن ثم في عام 1975 توجهت إلى ابواب العديد من الضباط والمسؤولين (تحتفظ ايلاف باسمائهم) وسألني العماد مصطفى طلاس (من الذي أخبرك بتاريخ تسليم زوجك؟) ومن ثم توجهت إلى العديد من مسؤولي سورية، ثم في عام 1979 اكد لي بعض المسؤولين بأن زوجي موجود حي يرزق في سورية وأنه بحالة جيدة وقابلت اللواء محمد الخولي قائد القوى الجوية الذي اعطاني وأولادي ووالدتي إذنا لزيارة زوجي في سجن المزة العسكري معتمداً على كونه ركن أساسي من أركان الدولة. وعلى باب السجن تم إلغاء الزيارة بأمر من الرئاسة لدرجة أن أول حارس على باب سجن المزة كان يعلم بوجود فرحان الزعبي في سجن المزة وبأن زيارته ممنوعة، وإذا بالضابط محمد الخولي يتفاجئ أنه مثله كمثل باقي الأركان ليس له حق أن يعطي زيارة لفرحان الزعبي، وحين عدنا لمراجعته كان الاعتذار من مدير مكتبه بأن الأمر خرج من يد العميد وأن الزيارة ألغيت من الرئاسة مع فائق الاعتذار".

واشارت التركماني الى انه في عام "1997 قابلنا السيد محمد عبد العال (عضو القيادة الفلسطينية) والذي وعدني أن يجري اتصالاته، وبالفعل أخبرني بأن اتصل بأربع فروع مخابرات في دمشق ولكن عندما سألته عن الجواب اعتذر عن المتابعة لأن الأمر فوق طاقته. كما أنني حاولت تقديم طلب مقابلة للرئيس الراحل حافظ الأسد مراراً وتكراراً عن طريق مدير مكتبه، والذي رفض أن يرفع كتابي عندما علم أنني زوجة فرحان الزعبي ثم اغلق بابه في وجهي فلم يسمح لي بعدها بتقديم أي كتاب عن طريق مكتبه".

وتساءلت زوجة الضابط السوري فرحان الزعبي هل اتحدث عن هذا أم أتحدث عن أبواب أهالي وزوجات هؤلاء الأركان حيث طرقت باب زوجات وامهات الضباط والمسؤولين،أم أتحدث عن الكثيرين الكثيرين الذي سعيت لهم من ضباط ومسؤولين وعناصر أمن وغيرهم.

الجميع كان لديهم جواب واحد: الأمر بيد السيد رئيس الجمهورية حصراً وليس لنا علاقة بالموضوع ولا نستطيع التدخل. وبعضهم كان يخاف إن تدخل أن يجلس بجانب زوجي، وبعضهم يقول: إن سعيت في إخراج فرحان الزعبي ففي اليوم الذي يخرج به سأكون أنا بمكانه. باستثناء العميد محمد الخولي جزاه الله كل خير. والغريب العجيب أنه ولا واحد منهم ولا سواهم قال لي بأن زوجك ما يزال أسيراً في الأردن. وأيضاً لم يقل أحداً منهم ولا مرة واحدة بأن زوجي شهيد أو ما شابه ذلك.

واكدت زوجة الزعبي ان الكل متفق في سورية والعالم أجمع بأن الشهادة شيء عظيم وشرف للشهيد وأهله ووطنه وأمته ودينه وقضيته، ولا أظن أنه يوجد مخلوق على وجه الأرض يخجل من الشهادة أو يعتر منها. ولو كان زوجي كذلك لقيلت بملئ الأفواه والحناجر ولكان أول من رفعها عالياً الرئيس الراحل حافظ الأسد رحمه الله والذي كان دائماً يطلق شعار "الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر"، والعجيب أن سيادته رحمه الله وفي عام 1973 استدعى زوجة العقيد الشهيد هاجم الهنداوي والذي كان زوجي ضمن مجموعته في حرب أيلول 1970، استدعاها ليخبرها بأن زوجها قد استشهد وأنه كان أخاً عزيزاً وأن شهادته هي شرف له ولوطنه، ثم كرمها كرامة للشهيد فلو كان زوجي شهيداً لكان لنا ما كان لغيرنا ولتم استدعائنا كما فعل مع غيرنا.

واضافت التركماني وبقيت أحاول وأحاول حتى يومي هذا، وعندما لم أجد سبيلاً مع أبناء وطني وأمتي وقوميتي، وعندما لم يسمح لي رغم كل الجهود بمقابلة سيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد، عندها لم أجد أمامي إلا اللجوء لجمعية حقوق الإنسان في سورية ومنها إلى المنظمات الدولية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية ثم حاولت اللجوء إلى البابا يوحنا بولس الثاني، فلعلي أجد رحمة لي ولأولادي، رحمة لوالدة زوجي التي بلغت الـ 104 سنوات من العمر والتي أصبحت تخاطب الديك في حوش بيتها وتسأله أن يسأل الله معها أن يعود فرحان لتكحل به عينها قبل موتها، رحمة لأطفال العائلة الذين ينامون ويصحون وهم يحلمون باليوم الذي يعود فيه عمهم فرحان. لجأت إلى ذلك الرجل نزار نيوف الذي ساندني رغم عجزه ومد لي يد العون في الوقت الذي تخلى عني فيه أبناء وطني، في الوقت الذي لم يتجرأ رجل واحد من آل الزعبي على قول الحق وأن يساعدني لرفع ظلمة السجون عن زوجي والظلم عني وعن أسرتي. هذا الرجل الذي قطع رغم عجزه آلاف الكيلو مترات ليطالب بزوجي ليس إلا.

ولفتت زوجة فرحان الزعبي الى انه بعد هذا العناء وهذه الرحلة المريرة إذا بالمسؤولين في سورية يحاولون اختراع القصص، فتارة زوجي ما يزال أسيراً في الأردن، وعندما تذكروا أنه ربما تساعدنا الأردن ببعض المعلومات وخاصة أن زوجي من آل الزعبي، عندها توجهوا إلى سيناريو جديد ألا وهو قصة الشهادة والشهيد البطل الذي زاد عن كرامة وطنه والقضية، فأرادوا أن يجعلوا منه ذلك البطل، حتى نمشي ونرفع رأسنا آل الشهيد.

وتساءلت صباح التركماني "الآن تذكرتم أن زوجي شهيد، بعد مرور أكثر من 34 عاماً؟!!الآن بعد أن أصبح العالم كله يعلم بقضية فرحان الزعبي؟!!ولماذا ظل وطني ودولتي وأركانها ورجالاتها والناس أجمع، حتى الكثيرين من آل الزعبي الأشاوس على هذا الصمت طيلة هذه السنين؟!أين هي تلك الدولة التي تحترم ذاتها وشعبها وجيشها؟!فرحان الزعبي ذلك الضابط السوري المتميز يغيب عن وطنه،حسب ادعاءات رجالات الدولة، 34 عاماً ثم لا نجد وزارة الدفاع والخارجية السورية تطالب به الحكومة الأردنية سواءً كان أسيراً أم شهيداً!!!"..

واوضحت التركماني ان هذا الأمر مستحيل في عرف جميع جيوش العالم، اذ لا يعقل أن يغيب ليس ضابط بل عسكري عادي دون أن تسأل عنه الجهة التي ينتسب إليها. إلا إذا كانت دولتنا لا تحترم ضباطها وعسكرها، فأين نحن؟ هل نحن في سورية نحترم عسكرنا وجيشنا جنوداً وضباطا ؟وإن كان زوجي شهيداً فلماذا لم تصرح الحكومة السورية باركانها بذلك طيلة هذه السنين وهي التي تعتز بشهدائها بطريقة ليس لها مثيل في الدنيا؟!أهذه هي كرامة الشهيد وآل الشهيد وأبناءه؟! هل كرامته أن يتركونا دون معيل أن يتركوننا حتى دون منزل لنقيم بضيافة الأجاويد؟! أن تنهب حقوقنا من قبل دولته التي خرج تحت رايتها ومن قبل حتى أهله؟! وأننا لسنا لنا الحق حتى في المطالبة بإرثه من أبيه؟! وأنه ليس لنا حق في أي شيء؟!أهذا هو حق الشهيد في سورية الأسد؟!! لا والله، لا والذي فطر السموات والأرض ورفع السماء بغير عمد، ليس هذا حق الشهيد في سورية الأسد، ومن كان لا يعلم فلينظر إلى أسر الشهداء في سورية.

هذا إن كان زوجي شهيداً.
وتساءلت التركماني بمرارة "ماذا أقول وقد قالت لي والدة ضابطين سوريين بأنها باشرت بضرب إبنها رئيس التحقيق العسكري من اجلنا فقال لها: (والله يا أمي لو أنني ساعدتها بهذا الموضوع وسمحت لها برؤية زوجها فإنني سأصبح على الأقل بجواره في السجن أو مكانه)"، مؤكدة هكذا كان الرعب في قلب رئيس التحقيق العسكري،وهو دفعة زوجي في الكلية العسكرية، وهو كان يتولى التحقيق مع زوجي فرحان الزعبي. وقد قلت له مرة في مكتبه: (اشنقوا زوجي أمامي ولكن أريحوني)، فأجابني: (هذه رقبة ولا نستطيع التعدي عليها) فهل أنت يا سورية تحترمي ضباطك وهل لهم قيمة عندك؟!".

ووجهت زوجة فرحان الزعبي حديثها لأصحاب سيناريو أن زوجها ما يزال في الأردن قائلة " لماذا لم تطالبوا الأردن بزوجي طيلة هذه الأعوام هذا إن كان للضابط قيمة عندكم؟".
أما أصحاب سيناريو الشهادة، فقالت لهم: إبحثوا لكم عن قصة أخرى تكون أكثر واقعية بحيث يمكن للمجانين أن يصدقوها.

ولفتت التركماني الى انه اليوم، هناك من يتحدث بأن الأبواب في سورية مفتوحة وأنه بإمكان أي إنسان أن يطرق الأبواب لتفتح له على مصراعيها، وأنه لا داعٍ للجوء إلى الخارج أو إلى أشخاص تعتبرهم سورية من المعارضة أو من أعوان الغرب، ولكني اؤكد "أنا زوجة فرحان الزعبي، عشت في سورية وربيت أولاد فرحان الزعبي وأحفاده فيها، ولا يهمني إن كان هناك من هو من المعارضة أو غير ذلك، فأنا لا أفهم هذه الأمور. والذي أفهمه أن باب الرئيس الراحل حافظ الأسد رحمه الله والذي بيده فقط موضوع زوجي لم يفتح لي يوماً ولم يسمح لي ولا لأحد أن يطرقه بهذا الشأن وإلا قطعت يداه وأصبح نزيل السجون".

أما المحامي والناشط الحقوقي انور البني فقال ل"ايلاف" إن أي متابع لقضية فرحان الزعبي ولو بشكل عرضي، وأنا مطلع على جميع تفاصيل هذه القضية باعتباري عضو في جمعية حقوق الإنسان أولاً ووكيل السيدة صباح دامر التركماني ثانياً، يلاحظ بدون أي جهد وجود حلقات كثيرة مفقودة لا يمكن أن تفسر إلا برد واضح وصريح من السلطات المسؤولة. ومع كل المطالبات السابقة من عائلة السيد فرحان الزعبي وكل المناشدات وخاصة بعد انتقال القضية للعلن بواسطة السيد نزار نيوف والمنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة إلا أن السلطات الرسمية المسؤولة لم ترد بأي شكل رسمي، وتركزت الردود على الاستدعاءات الأمنية بحق عائلة السيد فرحان الزعبي محاولة إفهامهم بأن عليهم إغلاق الملف واعتباره متوفياً وعدم بحث موضوعه مع أحد.

واوضح البني والآن وعلى بعض المواقع السورية يحاول البعض إيجاد مبررات أخرى لإغلاق الملف وإيجاد نهايات سعيدة لقصة مأساوية ما زالت عائلة فرحان الزعبي تعاني منها منذ أكثر من أربع وثلاثون عاماً وهم في حالة بحث وسؤال دون أي جواب شافي.

واستغرب البني ما يتردد عن استشهاد فرحان الزعبي في الأردن وعائلته لديها الأدلة على وجوده في سورية بعد الفترة التي يدعى أنه توفي فيها. واستغرب كيف يمكن لدولة أن لا تعرف مصير أحد ضباطها وأين أصبح مآله واضاف "أريد أن أبين بأن سجل النفوس (القيد المدني) للسيد فرحان الزعبي ما زال موجوداً ومسجلاً بأنه على قيد الحياة. وهذا يدحض أي ادعاء رسمي بوفاته أو استشهاده، وتؤكد زوجة فرحان الزعبي بانه ما زال حياً وسجيناً في مكان ما في الأراضي السورية"، وطالب البني بالكشف عن مصيره وإطلاق سراحه فوراً.

يشار الى ان حوارا جرى بعد لقاء ايلاف مع المحامي عمران الزعبي،الذي يكتب حلقات عن استشهاد الضابط فرحان في احد المواقع المتخصصة بالشان السوري، و المحامي انور البني و السيد غياث الزعبي ابن الضابط السوري فرحان الزعبي الذي كان موجودا مع والدته في مكتب البني بحضور ايلاف حيث تحدث المحاميان ثم طلب المحامي الزعبي ان يتحدث مع غياث، وكانت هناك الكثير من النقاط التي استفسرت عنها عائلة الزعبي حول المعلومات التي يسوقها المحامي في حلقاته التي يرويها عن فرحان الزعبي، واعتبروها منافية للحقيقة، وكانت النقطة الرئيسية للخلاف هو عدم وجود شهادة وفاة للضابط السوري فرحان الزعبي وانه مازال رسميا على قيد الحياة، و اوضح غياث ل"ايلاف" "ان هناك ورقة موقعة من ال الزعبي يطالبون فيها المجتمع السوري ان يفتحوا ملف الزعبي ليجدوا النهاية الحقيقية دون تمويت فرحان الزعبي لفبركة الامور وانهاء المسالة كما يريد المسؤولون ".

وكشف غياث "انه متزوج ولكنه لن ينجب اطفالا لانه لايملك الامان حتى يعطيه لأطفاله ولانه لايحب ان يعيشوا كما عاش محروما من والده وان تقبض عليه السلطات السورية كما فعلت مع والده فرحان الزعبي" حسب تعبيره.

وتساءل غياث "ان كانت هناك مصلحة قومية عليا لاختفاء والدي فرحان الزعبي فضعوه تحت الاقامة الجبرية او انفوه خارج البلاد ولكن دعونا نشاهده مرة واحدة "، وتساءل غياث "ما الذي فعلناه حتى نعيش هذا القلق ونصل الى هذا المصير من حقنا ان نعرف مصير والدي الحقيقي وان نراه، انفوه وانفونا خارج البلاد ولن تسمعوا منا حرفا واحدا ضد سورية "، وصرخ غياث "أريحونا".