فضيحة تعذيب أسرى جديدة تتفاعل بريطانيًا أكثر منها عراقيًا
لندن متخوفة من عمليات انتقام ضد جنودها

أسامة مهدي من لندن: حذرت مصادر سياسية وعسكرية بريطانية من احتمال وقوع عمليات انتقام تستهدف جنودًا بريطانيين في جنوب العراق، في أعقاب الكشف عن صور جديدة تظهر جنودًا بريطانيين يمارسون أساليب تعذيب تتضمن إهانات بحق أسرى عراقيين وتتنافى وأعراف المجتمع العراقي، خاصة وأن معظم الأسرى كانوا عرايا، فيما وصف الجنرال السير مايك جاكسون قائد الجيش البريطاني الصور بأنها مرعبة ومهينة. ولم يتمكن العراقيون جميعًا من مشاهدة هذه الصور التي نشرت على محطات التلفزة العالمية بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في معظم أنحاء البلاد نتيجة لأزمة الطاقة الخانقة. واثار الاعلان عن بدء محاكمة ثلاثة جنود بريطانيين بتهمة تعذيب اسرى عراقيين ردود فعل غاضبة من الحزبين المعارضين الرئيسيين المحافظين والديمقراطيين الأحرار الذين أكدوا أن صور الفضيحة قد أساءت بشكل كبير الى سمعة وتاريخ الجيش البريطاني خاصة وأنه عرف بحسن تعامله مع العراقيين بشكل افضل من الجيش الاميركي التي تثير ممارساته المهينة استياء قطاعات واسعة من العراقيين.

وعبر مسؤولون بريطانيون في تصريحات متلفزة اليوم عن مخاوف حقيقية من ردود فعل عراقية عدائية تستهدف الجنود البريطانيين في الجنوب العراقي خاصة وانهم بدأوا يظهرون في شوارع هذه المدن بكثافة لتأمينها قبيل الانتخابات العامة التي ستشهدها البلاد في الثلاثين من الشهر الحالي الامر الذي سيصعب من مهمتهم هناك.

وامتنعت حكومة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير التعليق على الفضيحة وبدء محاكمة الجنود البريطانيين الثلاثة المتهمين فيها قائلة إنها تفضل انتهاء المحاكمة للإعلان عن موقفها، لكن قائد الجيش البريطاني الجنرال جاكسون اطلق قبيل نشر الصور تصريحات غاضبة غير مسبوقة واصفا صور عمليات التعذيب بانها مرعبة ومهينة وقال "ندين بشدة كل اعمال الانتهاكات. . وحيثما وجدت الانتهاكات سيجري التحقيق على الفور".

وأعرب الجنرال جاكسون عن شجبه الكامل لكل أنواع الإساءة التي يتعرض لها سجناء الحرب، وأضاف "حين يكون هناك دليل على الاساءة، فإن الامر يخضع لتحقيق فوري". وفي حين اعتذر عن عدم التعليق على 22 صورة بثت لعسكريين بريطانيين وهم يعذبون سجناءهم العراقيين بطرق مقززة فهو أوضح ان "الشرطة العسكرية ستحقق بهذه المزاعم" مؤكدًا ان العدالة ستأخذ مجراها.

لكن الغريب في الامر أن معظم العراقيين في بغداد الذين اتصلت بهم "إيلاف" هاتفيًا اليوم لمعرفة ردود أفعالهم إزاء هذه الفضيحة أكدوا أنهم لم يشاهدوا صورها بسبب الانقطاع المستمر للطاقة الكهربائية، لكنهم عبروا عن قلقهم من صدور أحكام مخففة ضد المتهمين أو تبرئتهم مثلما حصل من قبل لجنود بريطانيين وأميركيين حوكموا بتهم قتل أو تعذيب عراقيين منذ الحرب الأخيرة في العراق في آذار (مارس) عام 2003.

ويبلغ عدد الجنود البريطانيين في العراق حاليًا حوالي تسعة آلاف عسكري بعد إرسال 400 آخرين مؤخرًا قتل منهم حوالي 80 جنديًا فيما أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن 790 عنصرًا في قواتها المسلحة جرحوا في أعمال عسكرية أو في حوادث هناك وامتنعت عن تقديم معلومات عن خطورة تلك الجروح لكن منظمة إنسانية بريطانية تعنى بقدامى الجنود المبتوري الأطراف كشفت عن أن تسعة جنود بترت أطرافهم منهم إثنان فقدا أرجلهما وأضافت أن إثنين آخرين فقدا النظر.

وانتشرت أنباء الفضيحة الجديدة إثر نشر محكمة عسكرية بريطانية تحاكم جنودًا ثلاثة في قاعدة عسكرية بريطانية في ألمانيا متهمين بارتكاب انتهاكات صورًا امس تظهر جنودًا بريطانيين يجبرون سجناء عراقيين على محاكاة القيام بممارسات جنسية.

والصور تم اكتشافها عندما اتصل فنيو مختبر بالشرطة بعد أن أخذها جندي لطباعتها وقالوا إنها يمكن أن تضر بسمعة القوات البريطانية مثلما أضرت صور انتهاكات سجن أبو غريب بالولايات المتحدة.

وفي إحدى هذه الصور يرغم جندي بريطاني سجينًا عراقيًا فيما يبدو على أن يجثو أمام رجل عار ومحاكاة ممارسة أعمال جنسية وفي أخرى يجثو سجين وهو عار على حجر سجين آخر كما تبين صورة ثالثة جنديًا يطأ على سجين يرقد على الارض ورابعة سجينا مقيدًا برافعة.

ودفع الجنود الثلاثة ببراءتهم من عدة اتهامات بارتكاب انتهاكات لكن أحدهم وهو كوربورال داركين لاركين (30 عامًا) اعترف بالاعتداء على رجل حيث سيواجه حكمًا بالسجن لمدة ستة أشهر فيما نفى كل من مارك كولي (25 عامًا) والكوربورال دانيل كينيون (32 عامًا) وهما من كتيبة واحدة الاتهامات التي تشمل القيام بأعمال مشينة وسلوك يتنافي مع الانضباط.

واستهل ممثل الادعاء العسكري البريطاني المقدم نيك كلافام مرافعته أمام المجلس العسكري الذي ينظر في محاكمة الجنود الثلاثة بعرض 22 صورة مختلفة أمام هيئة المحلفين أظهرت إحداها أسيرًا عراقيًا وهو مجبر على التدلي في أحد الأحواض محمولًا على رافعة وصورة أخرى تظهر الركلات واللكمات التي أصيب بها أسير عراقي آخر إضافة إلى صور أخرى تكشف عن ممارسات منافية للآداب والإنسانية نفذها الجنود البريطانيون ضد هؤلاء المدنيين العراقيين.

وقال كلافام أثناء مرافعته " ما توضحه لنا هذه الصور يبعث في أعماقنا مشاعر الصدمة والأسى".

ومن جهته قال وليام إنجلاند محامي الجندي لاركين (30 عامًا) إن "موكلي يشعر بالخجل من نفسه لأقصى درجة ويدرك أن تصرفه كان طائشًا وغير مقبول وأنه تسبب في فضيحة لكتيبته'.

وكان صدور الحكم القضائي السبت الماضي على الضابط الأميركي تشارلز جرينر المتهم بإساءة معاملة السجناء العراقيين في سجن أبو غريب أثار غضبًا عارمًا في العراق حيث أكد عراقيون إن جرينر الذي حصل على حكم بالسجن 10 أعوام يستحق عقوبة أشد على دوره في تلك الفضيحة فيما قال آخرون شاهدوا صور الانتهاكات على شبكة الانترنت إنه يجب إعادة جرينر إلى سجن أبو غريب لقضاء فترة العقوبة الصادرة ضده وسط السجناء الذين لايزالون هناك وشددوا على إنه من المهم معاقبة كبار المسؤولين المشتركين في تلك الفضيحة.